14-يوليو-2023
قوبل هجوم الرئيس الأوكراني بانتقادات غير مسبوقة من أقوى حلفاء أوكرانيا (GETTY)

قوبل هجوم الرئيس الأوكراني بانتقادات غير مسبوقة من أقوى حلفاء أوكرانيا (GETTY)

جاءت قمة حلف الناتو الأخيرة، من أجل إعادة توكيد الحلف العسكري، وإثبات تماسكه في مواجهة روسيا، ورغم التزامه بدعم أوكرانيا في الحرب مع روسيا، إلّا أنّ النتائج كانت أقل مما ترغب به كييف، أي الحصول على مسار للعضوية السريعة والواضحة في الحلف، وهو ما ترفضه غالبية دول الحلف، خوفًا من تحولها إلى صراع مفتوح مع موسكو، أو "حرب عالمية ثالثة" بوصف الرئيس الأمريكي بايدن، مما فتح الباب للخلافات العلنية بين أوكرانيا والحلف.

تغريدة من الرئيس الأوكراني، كادت أن تساهم في تشتت قمة حلف الناتو 

وهاجم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي قادة دول الناتو، الذين لم يوافقوا على الطلب الأوكراني بسرعة الانضمام لحلف الناتو، الأمر الذي قوبل بانتقادات غير مسبوقة من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا أقوى حلفاء أوكرانيا.

تغريدة الخلاف

وانطلقت شرارة التوتر، بعد تغريدة للرئيس الأوكراني، يوم الثلاثاء، هاجم فيها بيان دول حلف الناتو، بشأن عضوية بلاده، وشجب افتقار البيان إلى جدول زمني ملموس ووصفه بأنه "غير مسبوق وغير معقول".

زكي وزكية الصناعي

وكتب زيلينسكي على تويتر "الآن، في الطريق إلى فيلنيوس، تلقينا إشارات تفيد بأنه تتم مناقشة صياغة معينة بدون أوكرانيا، وأود أن أؤكد أن هذه الصياغة تتعلق بالدعوة للانضمام إلى عضوية الناتو، وليس حول عضوية أوكرانيا، إنه أمر غير مسبوق وسخيف عندما لا يتم تحديد إطار زمني، لا للدعوة ولا لعضوية أوكرانيا"، وأضاف زيلينسكي "في نفس الوقت تمت إضافة صياغة غامضة حول الشروط حتى بالنسبة لدعوة أوكرانيا".

وادعى زيلينسكي أن قادة حلف الناتو، لم يكونوا جادين في دعوة أوكرانيا للانضمام إلى الحلف، واشتكى من أن نهجهم يشير إلى أنهم بدلًا من ذلك يريدون الاحتفاظ بعضوية الناتو كورقة مساومة للمفاوضات النهائية مع روسيا.

وتابع زيلينسكي، قائلًا: "عدم اليقين هو ضعف"، مؤكدًا أنه سيناقش الأمر "علانية في القمة".

غضب شديد في صفوف الحلفاء

ووفق صحيفة "الواشنطن بوست"، أرسلت رسالة زيلينسكي شديدة اللهجة، والمكونة من 170 كلمة، موجات من الصدمة بين قادة الحلف، حيث كان الرئيس الأمريكي يأمل في "قيادة استعراض للوحدة ضد روسيا، وإبراز قدرته على حشد الشركاء العالميين، وهو عنصر أساسي في خطة إعادة انتخابه"، بحسب ما قالت الصحيفة الأمريكية.

وغضب أعضاء الوفد الأمريكي من تغريدة زيلينسكي، وفقًا لمسؤول مطلع. فيما سعى الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ إلى تسوية الأمور.

وأشارت "الواشنطن بوست"، إلى أن الخلاف حول عضوية أوكرانيا، ألقى بظلاله على القمة، وهدد حزمة المساعدات والدعم الجديد الذي تمت الموافقة عليه يوم الثلاثاء لدعم أوكرانيا في حربها ضد الغزو الروسي.

getty

من جهتها، قالت وكالة "بلومبرغ" الأمريكية في تقرير، إن هجوم الرئيس الأوكراني على دول حلف الناتو، فجر غضبًا وحفيظة لدى الحلفاء الذين دعموا أوكرانيا بمليارات الدولارات من الأسلحة والمساعدات للوقوف في وجه الغزو الروسي.

وأشارت الوكالة، إلى أنه لم يُوجّه للولايات المتحدة أي تنبيه قبل أن يطلق زيلينسكي هجومه عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

وخلال حفل العشاء الذي جرى في فيلنيوس، وبعد عودة الرئيس الأمريكي إلى مقر إقامته، سلّم قادة الدول الأوروبية رسالة واضحة إلى زيلينسكي، بأن عليه الحفاظ على هدوئه، والنظر إلى الصورة الكاملة. 

الرسالة وصلت

عقب هذا التوتر، اتخذ الرئيس الأوكراني نبرة أكثر تصالحية بعد وصوله إلى فيلنيوس، حيث أخبر حشدًا كان في استقباله، أنه "لا يزال لديه إيمان بحلف الناتو القوي الذي يمكن أن يصبح أقوى مع أوكرانيا".

وفي تغريدة لاحقة نشرها زيلينسكي في حسابه على تويتر، قال "أود أن يصبح هذا الإيمان ثقة - الثقة في القرارات التي نستحقها، كل منا يستحقها، كل محارب، وكل مواطن، وكل أم، وكل طفل يتوقع ذلك".

وفي المؤتمر الصحفي مع الأمين العام لحلف الناتو، حرص الرئيس الأوكراني على التعبير عن امتنانه للرئيس الأمريكي والكونغرس والشعب الأمريكي، قائلًا: "نحن نقدر هذا تقديرًا عاليًا".

وخلال المؤتمر الصحفي المشترك في ختام أعمال قمة قادة دول الحلف، قال زيلينسكي: إن "نتائج قمة القادة في فيلنيوس مهمة بشدة، ونجاح حقيقي لأوكرانيا"، وأضاف وهو يقف إلى جانب بايدن، وسوناك وغيرهما من قادة مجموعة السبع: "أنا ممتن لجميع القادة في دول حلف الناتو على الدعم العملي للغاية وغير المسبوق".

ورد بايدن، وهو يقف بجانب زيلينسكي، قائلًا: "سنحرص على حصولك على ما تحتاجه.. ونتطلع إلى اليوم الذي نعقد فيه اجتماعًا للاحتفال بعضويتك الرسمية في الناتو".

وفي تصريحات أدلى بها مساء الخميس، لفت الرئيس الأوكراني إلى ملاحظة أكثر إيجابية، حين قال: "للمرة الأولى منذ الاستقلال، شكلنا أساسًا أمنيًا لأوكرانيا في طريقها لعضوية حلف الناتو"، وأضاف "الأهم من ذلك، خلال هذين اليومين من القمة، أننا قطعنا أي شكوك وغموض حول ما إذا كانت أوكرانيا ستكون في الناتو أم لا".

رد قاسي على تغريدة زيلينسكي

أمّا أبرز تجليات غضب الحلفاء من هجوم زيلينسكي، فقد جاء على لسان وزير الدفاع البريطاني بن والاس، الذي طالب أوكرانيا بإظهار المزيد من الامتنان، مشيرُا إلى أن بلاده ليست "متجر أمازون" لإمدادات الاسلحة.

وقال والاس لوسائل إعلام بريطانية: "هناك كلمة تحذيرية خفيفة هي، سواء أحببنا ذلك أم لا، أن الناس تريد أن ترى الامتنان"، وأضاف "في بعض الأحيان أنت تحاول حضّ بلدان للتخلي عن مخزونها الخاص. نعم، إنها حرب نبيلة، نرى أنكم تخوضونها ليس فقط لأنفسكم، ولكن أيضًا لحرياتنا"، لكن وزير الدفاع البريطاني كشف بأنه قال للمسؤولين في كييف، بعدما تلقى منهم قائمة بطلبات أسلحة، العام الماضي: "أنا لست متجر أمازون".

وقد سارع رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، إلى الابتعاد عن تصريحات والاس، واستبعد أي ايحاء بأن لندن منزعجة من الضغوط الشديدة التي مارسها الرئيس الأوكراني خلال القمة في فيلنيوس للحصول على مزيد من الأسلحة.

وعلق رئيس الوزراء البريطاني على تصريحات وزير الدفاع في حكومته، قائلًا: إن "زيلينسكي أعرب عن امتنانه لما قمنا به في مناسبات عدة"، وأضاف خلال مؤتمر صحفي: "ليس أقلّه في خطابه المؤثر بشكل كبير أمام البرلمان، في وقت سابق هذا العام، وقد قام بذلك مرة أخرى معي، كما فعل مرات عديدة عندما كنت ألتقيه".

getty

أما الرئيس الأوكراني، فقد قال: "أعتقد أننا كنا دائمًا ممتنين للمملكة المتحدة"، وعبر زيلينسكي عن شكره "للشعب البريطاني على دعمه، وحكومته على التعاون الوثيق".

ثم التفت إلى وزير دفاعه وسأله عمّا إذا كان لديه مشكلة مع والاس؟ وعندما نفى الأخير الأمر، سأله زيلينسكي: "لماذا لا تقدم له إذًا كلمات الامتنان؟ أرجوك، عليك الاتصال به اليوم".

بدوره، رفض مسؤول أمني أوكراني كبير الانتقادات الموجهة إلى كييف من وزير الدفاع البريطاني بن والاس، مشيرًا إلى أن والاس أخطأ في الكلام بسبب فائض من المشاعر، وتحدث أمين مجلس الأمن الأوكراني أوليكسي دانيلوف، لصحيفة "الغارديان" في كييف أمس الخميس، قائلًا: "لن أعير الكثير من الاهتمام لما قاله، يمكن لأي شخص أن يقول شيئًا ما عندما يكون عاطفيًا ثم يندم عليه.. أعرف بالتأكيد أن هذا ليس موقفه الفعلي".

من ناحية أخرى، اقتربت تصريحات مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان، من وزير الدفاع البريطاني، حين استخدم لغة مماثلة بعد غضبه من سؤال ناشطة أوكرانية، التي قالت إن "بايدن يخشى هزيمة روسيا، وخائف من فوز أوكرانيا"، ورد سوليفان بالقول: إن "الشعب الأمريكي، أي دافعي الضرائب الأمريكيين، يستحقون درجة من الامتنان"، وأبدى سوليفان قدرًا من الانزعاج وهو يواصل حديثه، قائلًا: "لقد تجندت الولايات المتحدة الأمريكية لتوفير قدر هائل من القدرات للمساعدة في ضمان حصول جنود أوكرانيا الشجعان على الذخيرة، وسلاح الدفاع الجوي والمشاة، والمركبات القتالية، ومعدات إزالة الألغام".

رفض الالتزام بموعد

وأبرز ما تسبب في إزعاج أوكرانيا، هو عدم حصولها على موعد محدد من أجل الانضمام للحلف العسكري، فقد صرَّح وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا، في مقابلة مع تلفزيون "بلومبرغ"، يوم الثلاثاء الماضي، بأن بلاده "تأمل في تلقي دعوة رسمية للانضمام إلى حلف الناتو في القمة، حتى لو لم تصبح العضوية والالتزامات الدفاعية الجماعية التي تأتي معها رسمية إلا عقب انتهاء الحرب"، ولكن كوليبا اعترف بأن"هناك نقص في الإرادة السياسية". 

تنا

وكانت الولايات المتحدة وألمانيا هما الدولتين اللتين أصرَّتا على التراجع عن الالتزام بضم أوكرانيا إلى الحلف، في حين قدمت المسودات الأولية لبيان القمة الختامي مسارًا أوضح لانضمام أوكرانيا في النهاية، لكن الرئيس جو بايدن، والمستشار أولاف شولتز كانا حذرين من إعطاء هذه التعهدات.

وطالبت فرق عمل الدولتين بإجراء تغييرات على البيان قبل القمة، مما أزعج الكثير من الدول الأوروبية الأخرى، وكذلك الأوكرانيا.

وكانت تعليقات الرئيس الأمريكي واضحة بشأن عدم استعداد أوكرانيا للانضمام إلى حلف الناتو، الأمر الذي أثار حفيظة الرئيس الأوكراني.

الولايات المتحدة وألمانيا، وراء رفض وضع جدول زمني واضح لانضمام أوكرانيا لحلف الناتو

وقال المسؤولون الأوكرانيون إنهم يدركون أنه لن تتم دعوتهم على الفور للانضمام إلى الحلف في هذه القمة، لكنهم كانوا يأملون في تحديد مسار أو جدول زمني واضح يمنحهم الثقة في أنه سيتم دعوتهم قريبًا.