15-سبتمبر-2016

مصطفى يعقوب/ سوريا

نموت يا ربي ليصفقوا لموتانا أكثر
ليعجبوا بموتنا أكثر
جميعهم دون استثناء
تمر عواطفنا تحت جنازير دبابة وبين براميل الطائرات!! فيتفاجؤون.

- أووووووه نوووو.. أما زلت على قيد الحياة؟
تُغتصب أختي وصديقتي في سجون المخابرات، وردود أفعالهم الجاهزة، عبارةٌ عن ملصقات معدة للاستخدام ملايين المرات
_ أووووووه آاام سووو سووورّي!! لابد أن الشعور صعب جدًا!!

تُـشرّد أطفالنا في كل بقاع العالم، ويُباعون في مزادات علنية وبسعر المفرّق وكأنه سوقٌ شعبي.
تفضّل سيدي…
الكلية الأخيرة لم تُصفَّ إلا القليل من مياه المجاري في المخيمات ولمدة ستة أشهر، مكفولة لسنتين.. صاحبها مات جوعًا فقط.
أستاذ.. هذي رئةٌ يمنى لم تتنفس سوى القليل من السلاح الكيماوي.. العرض الأخير اليوم… مكفولة ومُجربة.. اشترها وستأخذ كـبـِدًا خاليًا من الأمراض السّارية والمُـعدية… صاحبها مات مقتولًا برصاصة قناص بالرأس..
تفضلي هنا سيدتي… أعرف أن طلبك لدي… هاكِ..
عينان ملونتان لطفل بعمر السادسة، غطتهما يد الأب الذي قتله القصف بالسلاح الفوسفوري، لقد ظهر صاحبها على شاشة التلفاز وعلى عدة قنوات محلية وعربية، ولكن وللأسف العناية الإلهية لم تحمِه من ارتفاع أسعار النفط والبورصة في الساعات الأخيرة، لذا تجدينها مرتفعة السعر قليلًا..

سيداتي سادتي…
هنا ولأول مرة..
طفلٌ رضيعٌ كامل المواصفات منقوع بالماء والملح في بحر تركيا ومجفّفٌ على رمال الشواطئ الأوروبية، نُشرت صوره على أهم القنوات الفضائية العالمية على الصفحات الرئيسية لأهم الصحف في العالم أجمع مع أخبار الرياضة وهجرة الفراشات على قنوات الأطفال. تباكى عليه السياسيون ورجال الدين وكل أهل الرياضة وحتى الممثلون… عارضات الأزياء وَقفن من أجله دقيقة صمت. تأخرت من أجله جميع مباريات الدوري الأوروبي لكرة الطائرة الشاطئية، وتوقفت البارات والكازينوهات ثلاث دقائق حدادًا على روحه الطاهرة من الدنس… وقلبه الأبيض.

يا ربي…
إنهم حسّاسون
لدرجة لم أكن أتخيلها….
كلهم من ذوي الحساسية عالية الجودة، تلسعهم شوربة الخضار الساخنة لدرجة 38 فينتظرون 4 دقائق وربع الدقيقة لتصبح قابلة للشفط وللاستهلاك البشري. سمعت أن أحدهم مُحرجٌ من ظهور الشّيب على شعر عانته يا ربي.. هههه فقرر إزالته بالليزر ليصبح مظهره لائقًا وهو عارٍ على شاطئ البحر. يا ربي... كلهم يعرفون كيف وكم وأين يمضون عطلتهم، ومع من يحبون أو لا يحبون، وما هي درجة البرونزاج التي يجب أن يحصلوا عليها في الصيف القادم!

ونحن يا ربي لدينا مشكلةٌ واحدة... مشكلةٌ واحدة فقط... هي أننا سُمرٌ بالولادة وبشمس المخيمات… أو سودٌ مبتسمون بالفطرة.. قلوبنا المتحجرة مليئة بالدموع وقطع الزجاج.. 

يا ربي…
رأيت سيدةً تحمل كلبها بعد أن تعب الكلب من المشي، كانت حزينة عليه.

آآآخ يا ربي… أمي كانت تنقل الماء على رأسها طوال المسافة بين مخيمين، لكي نستحم نحن أطفال هذا الكوكب، المنذورون للبكاء وللعب بِكُـرة قماشية أو بلاستيكية بالوحل.. وفي عز البرد... نحن الباحثين عن قلم رصاص في مقاعد الطلاب الأغنياء.. لنرسم أحلامنا على قماش من قماش خيمتنا المهترئة… نرسم أحلامنا يا ربي، أحلامنا التي كانت لا تزيد عن بيت عتيق بمدخنة، على ضفة نهر ينبع من بين جبلين حيث تشرق الشمس أو تغرب، وقد نحلم بدِيك ودجاجتين، لا أكثر ولا أقل.

لم نحلم بحساب بنكي تملؤه مصفاة نفط خليجي، ولا بمرج أخضر ممتد امتداد المدى تنتشر على أطرافه بقرات حمرٌ وذهبيات تبتسم للكاميرات، ولا حتى ببنطال جديد للمدرسة طالما أن أخينا الأكبر سيترك المدرسة ويعمل عتّالًا لمواد البناء ويُهدينا بنطاله القديم.

حين كنت في الثالثة عشرة تركت المدرسة مُجبرًا لأصبح حدادًا، كنتُ محبطًا جدًا لأني افتقدت لأصدقائي في الصف، إلى أن سمعت عن الأطفال في أفريقيا، قيل أنهم يعملون في حفر الأنفاق ومنهم من أنهى خدمة الجيش حين أتم السادسة عشرة والتحقوا بالعمل لحصد السنابل بالمناجل. يا ربي...

رأيت مرةً في التلفزيون حين رجعت من العمل، أن بعض الاطفال يتعلمون الرسم على الصواريخ والقنابل لم أصدق ما شاهدته في التلفزيون، لا بد أنه مسلسل كرتوني من صنع الخيال، في ذلك الوقت، كان أكثر ما يشغل بالي، معرفة مصير الولد الذي يبحث عن أمه ومعه كلب أبيض كبير، لقد حزنت عليه كثيرًا، لم أتخيل أنني قد أفقد أهلي أو وطني يومًا ما، كنت أظن أن مثل هذه الأشياء لا تحدث إلا في عالم الكرتون، لكنني كبرت بسرعة يا ربي، لأعرف أنه من الممكن أن تفقد أهلك في أي لحظة بقذيفة مدفعية أو رشقة رشاش من عيار 500، ههههههههه إنه لمن المضحك أن طفلًا وبهذا العمر يعرف الفرق بين قذيفة صاروخية أو قذيفة مدفعية أو رشقة رشاش روسي، أو رشاش عيار 500، أو حتى القناص.. نعم حتى القناص.. أصبحنا نعي الفرق بينهم لمجرد سماع الصوت، لكن المشكلة يا ربي أن هذه الأسلحة نفسها لا تعرف الفرق بيننا، هل تعرفه أنت؟! هل تعرف الفرق بين أحلامنا أو أشلائنا؟؟

ربي... ربي... أين أنت؟

اقرأ/ي أيضًا:

أنا وربي في فيسبوك

واحدٌ من أولاد الغيتو