29-يناير-2019

حوالي 300 ألف يمني يلجأن للسحرة والمشعوذين و70% منهم من النساء (Pinterest)

في اليمن، بات السحر سلاحًا خفيًا يلجأ إليه الكثيرون، خاصة من النساء اللواتي يبحثن فيه عن سبيل لإنصافهن في ظل غياب سلطة القانون.

مع صعوبة لجوء المرأة اليمنية للقانون لأخذ حقوقها أو رفع المظلمة عنها فإن السحر طريق خفيّ تسلكه كثير من النساء سعيًا وراء الإنصاف!

ومع صعوبة لجوء المرأة اليمنية للقانون لأخذ حقوقها أو رفع المظلمة عنها، لأسباب تتعلق بسلطة العرف والعادات والتقاليد، فإن السحر والسحرة طريق خفيّ تسلكه كثير من النسوة لعل فيه المراد.

اقرأ/ي أيضًا: المرأة اليمنية والميراث.. سطوة الذكور على سلطة الشريعة والقانون

ومع غياب القانون في كلتا الحالتين: إنصاف المرأة، والقضاء على انتشار المشعوذين؛ فإن المرأة اليمنية هي الحلقة الأضعف في كل الأحوال، وبوقوعهن في شرك السَحرة والمشعوذين.

أعمال الجلب والتفريق

لطيفة عبدالله، وهي امرأة يمنية متزوجة ولها أبناء، تسكن مدينة تعز جنوب غرب اليمن، تقول لـ"ألترا صوت"، إنها وقعت ضحية لأعمال السحر.

أجبرت لطيفة على ترك منزل زوجها منذ أربع سنوات، بسبب نوبات من الجنون تراودها كلما عادت إلى بيت الزوجية. "رغم أن زوجي يحبني، لكنه أصبح مجبورًا على تركي بسبب عدم جدوى علاج حالتي"، تقول لطيفة.

تعتقد لطيفة أنها مصابة بالسحر، وتؤكد على ذلك بقولها: "أشعر أنني بخير طالما أنني بعيدة عن زوجي. كلما عدت للمنزل، أصاب بالجنون، ويبدأ الشجار بيننا الذي قد يصل للضرب، رغم أنه حسن المعاملة معي، ويعطيني كل حقوقي".

المرأة اليمنية
أغلب من يلجأ للسحر والشعوذة في اليمن من النساء

تقول لطيفة إنها أصيبت بعمل سحر يفرق بينها وبين زوجها، وأنها كلما عُولجت منه، يُعمل لها مجددًا. وتعتقد لطيفة أن زوجة زوجها الأولى هي من تقوم بهذه الأعمال لها.

وكثيرًا ما استعانت لطيفة بمراكز العلاج بالقرآن، المنتشرة في الأراضي اليمنية، لكن دون جدوى. تقول: "كلما شفيت، يعود السحر مجددًا للعمل".

السحر بديل عن القانون

ألف المجتمع اليمني منذ القدم السحر والسحرة. ولم يردع القانون هذه الممارسات، أو يوفر بديلًا سالمًا للنساء للجوء إلى القانون بغية الحصول على حقوقهن.

تلجأ كثير من نساء اليمن للسحرة، ليس فقط لأغراض الأذية، وإنما من باب الحصول على حقوق هضمتها أعراف السطوة الذكورية على المجتمع اليمني، مثل حرمان المرأة من الميراث.

وفي نفس الوقت الذي لا تنتصر فيه العادات للمرأة اليمنية، ولا يحميها القانون من وقوع المظالم عليها، فإن أعمال السحرة والمشعوذين لا تأتي أكلها عادة، وتقع المرأة اليمنية في فخ النصب، أو في شرك انقلاب السحر على الساحر!

كوابيس وأمراض السحر

إسلام قايد، فتاة في الـ28 من عمرها، تقول إنها لا تستطيع النوم، بسبب سحر أصيبت به منذ صغرها ولا زالت تتجرع وباله. "كلما قررت النوم، انهالت عليّ الكوابيس المرعبة، وأقوم من النوم فزعًا"، تقول إسلام. 

أصيبت إسلام بأمراض عضوية مثل القولون والضغط، إضابة للاضطرابات النفسية. وتُرجع هذه الأمراض إلى إصابتها بالسحر. ولديها على ذلك ما تعتبره دليلًا.

لم تترك إسلام مركزًا طبيًا في محافظة إب، وسط اليمن، للعلاج من الأمراض المصابة بها، لكن دون فائدة. جعلها ذلك تتيقن من أن مصابها سببه السحر.

وتقول إسلام إنها لا تنعم بساعات قليلة من النوم الهادئ، إلا بجلسات تداوٍ بالقرآن على يد أحد المشايخ، لكن سرعان ما تعود لحالتها الأولى، التي قد تتفاقم لدرجة أن تنزف دمًا من فمها بعد نوبات العلة التي تصاب بها جراء كوابيس النوم.

تواصل "ألترا صوت" مع أحمد ياسين، طبيب الباطنية في مستشفى ناصر بمدينة إب، لسؤاله عن حالات مصابة بأمراض يظن أصحابها أنهم مصابون بالسحر، فقال: "ثمة بالفعل العديد من الحالات التي يصعب معها تحديد المرض الذي تعانيه". 

لا يثبت الطبيب أحمد ياسين إصابات السحر ولا ينفيها، لكنه يرصد وجود حالات إما يصعب تشخيصها، أو علاجها. وهناك نوع ثالث من الحالات كثيرة الإصابة بالأمراض بشكل غريب: "هناك حالات ينتقل الألم فيها من عضو لآخر. كلما عولج عضو، ما لبث أن أصيب عضو آخر".

آلاف السحرة ومئات آلاف الضحايا

تشير دراسة لمركز الأبحاث والدراسات الاجتماعية اليمني، تعود لعام 2014، إلى أن حوالي 15 ألف شخص في اليمن، يمارسون أنشطة السحر والشعوذة.

من الجهة الأخرى، فإن أعداد اليمنيين الذين يلجؤون للسحرة والمشعوذين تتراوح ما بين 250 ألفًا و300 ألف، بحسب الدراسة التي قالت إن 70% منهم من النساء.

السحر في اليمن
أكثر من 15 ألف شخص في اليمن يمارسون السحر والشعوذة

وكشفت الدراسة كذلك عن أن نحو 65 ألف امرأة يمنية، تنفقن سنويًا نحو 140 مليون ريال يمني (نحو 600 ألف دولار أمريكي) على أعمال السحر والشعوذة.

من جهته لا يتضمن القانون اليمني نصًا واضحًا في التعاطي مع السحر والمشعوذين، بحسب ما أوضحت القانونية هيفاء مالك. وفي المقابل، فإن من ثبت ممارسته للسحر، يُستتاب، وإلا فيقتل. وفي بعض الحالات، يعامل الساحر أو المشعوذ معاملة المحتال في حال إلحاق الأضرار المادية.

الشيخ نوف الزنم، وهو معالج بالرقية الشرعية، أكد لـ"ألترا صوت" أنه من واقع تجربته اليومية، فإن أكثر "ضحايا السحر من النساء"، قائلًا: "أكثر من ثلث المجتمع اليمني مصاب بالسحر".

وأضاف الزنم: "أهم أسباب اللجوء إلى السحر هي الرغبة في الانتقام السريع والإيقاع بالضحية خفاءً دون علم المسحور بمن سحره، إضافة إلى الاستمتاع بتغيير طباع الناس والاستمتاع بإمراضهم أو إذلالهم!".

تشير دراسة إلى أن حوالي 15 ألف شخص يمارسون السحر في اليمن، وأن نحو 300 ألف يلجؤون للمشعوذين 70% منهم من النساء

ويرى الزنم أن على رأس أسباب تفشي ممارسة السحر والشعوذة في المجتمع اليمني، يأتي الجهل. يقول: "الجهل هو رأس البلاء كله. وإذا دخل الجهل مجتمعًا دخلت معه الخزعبلات والانتقامات والحسد، وثقافة الغابة الكبيرة التي يفتكون فيها بالضحية دون مواجهة".

 

اقرأ/ي أيضًا:

السحر والسياسة السودانية.. وقائع مثيرة لوزراء وقادة في العالم السُفلي

أقفال السحر في الجزائر.. رعب وفكاهة