11-يناير-2021

لوحة لـ جبر علوان/ العراق

أفكر في ما سيحمله اليوم الموالي. أزرع احتمالاتي فسيلةً فسيلةً وأتركها تبرعم في مخي توقعاتٍ بائسة، وتبعث فروع تفاصيلها المحكومة بالانتحار في قلبي، فتَساقط أرواق الخيبة صفراء يابسة تذروها رياح تنهداتي إلى صحراء تكدست فيها خسائر منسية وامني نفسي بالصبر.

أتعامل مع الحياة دومًا بأسلوب المتذاكي .دأبتُ على تهيئ نفسي لأسوأ الاحتمالات لأنني أخشى ألمَ السقوط الحرّ.

لابأس من التدرج في السقطة..

التدحرجُ.. هل هو حقًا أرحم من السقوط الحرّ؟

لا أريد أن أفكر في احتمال حدوث ما تحبه نفسي.. دأبت أيضًا على ذلك، ربما لأمنِّيها بفرحة ما، يومًا ما على حين غرة .

ربما لأن الفرحة شيء عسير الاحتمال.. أو..

ربما لأنني أجبنُ من مواجهة خيبة..

المرآة التي في الرواق بطول جسدي وعمر فرحتي أيضًا.. اشتريتُها منذ همّت آلهة خيالي في صنعك!

أعترف أنني لستُ من اللواتي ينشغلن بحديث المرايا ومحاكاة الأطياف والألوان.

يحدث أن أنسى تفقد شكلي في المرآة لأيام .

لم تقلقني معرفة أي امرأة صرتها ولا التطلع إلى تلك التي تغادرني تدريجيًا، وتنسحب من تقاطيع وجهي ولون شعري.. لكن خلقك غيَر في أشياء..

ريثما تنفخ فيك الرّوح.. ها أنا ذي أتعرض لميتامورفوزم كلي .

أقف أمام المرآة في الرواق والصمت يحكم سطوته على المدينة..

يعود إلى ذهني ذلك الشاب المهووس بشكله /نرجس

أتطلع إلى شكلي في فستان نومي وشعري المنكوش وعينيّ الذابلتين ووجه شاحب.. وجثة تزداد كل يوم نحولا ومع ذلك تعجبني أناي بفوضاها وكسلها وغبش النعاس على تقاسيم وجهي وارتخاء أعضائي... نرجس.. نرجس...

عندما أحبك آدمي أتحوّلُ إلى نرجس وأشعر أنني المرأة الوحيدة في العالم وأنني الأجمل.

يخدرني هذا الخاطر فألتفُّ على جسدي كذا دورة.. أمدّ لك يداي فتتلقفني بفرح:

ـ نرجس، تمنحينني رقصة تانغو؟

 خطوتين للوراء.. وخطوة إلى الأمام.. تراقصني التانغو.

لا يهم كم تأخذ من عمرنا هذه الرقصة وكم يلزمنا من خطوات إلى الوراء لنتقدم قليلًا.. راقصني فقط.

كم أعشق التانغو. لا يهم تبديد الوقت، الأهم أن تنتشلني بعنف مرة واحدة إلى الأمام كلّما خطوت مرتين نحو الخلف.

آدمي.. وحده الليل عفريت. ينطُّ من قمّ إبريق الكون كلما قرأ الزمن تعويذته العجيبة وأدارت الأرض ظهرها للشمس لتمنح المهووسين بالأحلام مثلي ردهة للحياة.

وحده الليل عفريتي الذي يُسخّر لي كائنات من دخان وجنات من ألوان..

من يدري قد يحملني ساعة فجر وينتشلني بقبضة ليحيلني رمادًا ينثره على رؤوس العالم النائم على خرابه والذي يغطُّ في شخير هزائمه..

من يدري قد يزرعني زهرة برية في ترابِ مدينتك.. آدم..

قد.. أندسُّ في قلب فاكهة تعشقها هناك وتبلعني قضمة قضمة.

من يدري.. وحده الليل العفريت الذي يحقق الأمنيات :

اطلبي سيدتي! شبيك لبيك.. الليلُ بين يديك.

وها هو يأتي بك في بارقة حلم من مدينة لا يعبرها البريد، مدينة ليس لها عنوان

في دليل بنود الحمقى.. مدينتك الحلم، مدينتي، مدينة الأرض.

وها أنت تشدني من يد باردة وتلف بي غرفتي، عالمي.

هل أنا فعلا بحاجة لألفَّ العالم؟

بين يديك لست بحاجة إلى شيء. يداك عالمي وتعلم...

أول ما شدني في روعة صنعك، يداك .

كم أرغب في أن أكون عرّافة، قارئة كفّ.. أتجسسُ على خطوط يدك، أنزلق في تعاريجها وانحناءاتها وتقاطعاتها وتشابكها وافتراقها..

 

كم أودُّ أن أبحث عن الوجود في يديك.

يداك العالم يا آدم ولطالما علّموكَ ذلك..

مازلت أغمض عينيّ. مازالت يدي في يدك ومازلت تمنحني أمنية كبيرة:

تُراقصني التانغو.

 

ريثما ينبثق الكونُ على استكمال خلقك..

ما زالت الجرذان أسفل البيت تشاكس الجرو الأجرب.

ولم أحدثك بعدُ عمّا حدث في اليوم الموالي..

عليك أن تصبر علي أيضًا..

سأكمل قصّي في رسالة قادمة قديمة..

 

اقرأ/ي أيضًا:

منمنمة جنوبية

أنا ابنُ هذا الموت