18-مايو-2020

علم الثورة السورية على جدار الفصل العنصري (Getty)

كان الخطاب التقليدي الذي تبناه الفلسطينيون لفترة طويلة، ووجهوه للشعوب العربية، لتبيان المصلحة المشتركة لرفض التطبيع مع إسرائيل، يعتمد على مقاربة أحادية، لم تنجح دائمًا، مفادها باختصار أن المشروع الصهيوني لا يتعلق بفلسطين فقط، بل يهدف إلى إنجاز دولة يهودية، بمرجعية توراتية، تمتد على طول المشرق العربي، ولا تنتهي حدودها إلا بعد ضم جميع الجغرافيا العربية.

لا بد من مواجهة مشاريع التسوية، والتحالف مع إسرائيل، وتصفية القضية الفلسطينية، التي تقودها أنظمة عربية، من خلال تطلع ديمقراطي جامع، يصطف مع الناس ومع الشعوب ومطالبهم، وتوقهم إلى الديمقراطية والعدالة

لا يتعلق المشروع الصهيوني في فلسطين بالفلسطينيين فقط بالتأكيد، وهو يمس الواقع العربي وحياة وعيش العربي في جميع بقاع الأرض، كما أنه يكتسب صفات عديدة أحيانا، كجسم إمبريالي معني بتشظية الجغرافيا العربية. لكن الأمر لا يقتصر على النزعة الإسرائيلية، المشار إليها، لضم جميع الأرض العربية. وهي نزعة، حتى لو كانت موجودة فعلًا، فإنها لا تحظى بفرص كبيرة على الأرض. وللأسف، فإن بعض الأنظمة العربية التي تجاوزت التطبيع مع إسرائيل، ووصلت إلى تشكيل تحالف معها، وإعادة قراءة الرواية الصهيونية جميعها، قدمت أطروحة مضادة، عن كون القضية الفلسطينية تمس الفلسطينيين فقط، وعن كون التطبيع مع إسرائيل، سيعني فرصة لـ"الانسلاخ" عن المتاعب التاريخية التي تسببت بها القضية الفلسطينية، وسيحيل إلى تحسين الفرص الاقتصادية، وتحسين العلاقات الدبلوماسية مع الغرب.

اقرأ/ي أيضًا: كيف يساهم "مناهضو التطبيع" في تفتيت الإجماع ضده؟

وفي حين تتعلق تلك الأطروحة التطبيعية بحياة المواطنين العرب وبمعيشهم اليومي، فلا بد من مجابهتها، ضمن تصور عن التأثير الحقيقي لإسرائيل والعلاقات معها على نفس المعيش اليومي للناس. هناك مقاربة أكثر واقعية، يجب التمسك بها، بشأن العلاقة مع إسرائيل، لا تتعلق فقط بالتأكيد على كون التطبيع لم ينته تاريخيًا، إلى أي تحسن لا في الاقتصاد ولا في غيره، بل بأن "الانفتاح" على إسرائيل، كان على النقيض من "العيش والحرية والعدالة الاجتماعية" التي رفعت في المدن العربية، منذ انطلاق احتجاجات الربيع العربي.

بالنسبة لكل مقتنع بأن إنجاز تلك المطالب، وتحسين ظروف الناس، يحتاج إلى تحقيق تحول ديمقراطي، في دول عربية تسيطر عليها أنظمة طائفية وعائلية لعقود، فإنه لا بد من مقاربة التطبيع مع إسرائيل، من منطق ديمقراطي أولًا وأخيرًا.

لا يتعلق رفض التطبيع فقط بالنسبة للشعوب العربية بالموقف الأخلاقي الرافض لإسرائيل، باعتبارها استعمارًا استيطانيًا شرد مئات آلاف الفلسطينيين، وقتل عشرات الآلاف منهم، ويستمر في مشروعه لمحوهم وإزالتهم بشكل نهائي، ولكنه أيضًا يتعلق بأسباب واقعية، طالمًا أعاقت تحقيق طموحاتهم بالحرية والعدالة الاجتماعية. ما معناه، أن الموقف من إسرائيل، هو موضوع سياسي معيشي داخلي لتلك الشعوب، كما هو موضوع أخلاقي.

تنقسم المقاربة الديمقراطية للتطبيع في شقين. يتعلق الأول، بكون القضية الفلسطينية، باعتبارها قضية استعمارية مفتوحة، فرصة مشتركة، ورافعة لأي تطلع قومي عربي حديث، يتجاوز أزمة دولة ما بعد الاستقلال العربية، والأسس العائلية والطائفية لها، وينبني على تصور متماسك ما زال مفتوحًا عن العدالة والحق التاريخي، في مواجهة مشروع إمبريالي، جاء كنتيجة، وإن بشكل جزئي، لنفس اللحظة التاريخية التي تسببت بإنتاج دولة ما بعد الاستقلال العربية، على رواسب استعمارية.

أما الشق الثاني لتلك المقاربة، فينتمي إلى أطروحة أعم، أثبتتها تجربة الربيع العربي، وهي أن إسرائيل بفعل وجودها، وأيضًا بفعل تصوراتها الأمنية وممارساتها السياسية، كانت عائقًا أساسيًا أمام أي تجربة للتحول الديمقراطي عربيًا. وليس من سبيل المصادفة، أن نفس الأنظمة العربية التي تنشئ تحالفًا غير مسبوق مع إسرائيل، مع نوع من التصديق الشامل للسردية الصهيونية جميعها، هي نفسها الأنظمة التي تطبق منذ عشر سنوات، مشروعًا واضحًا معاديًا لأي تغيير في الوطن العربي، بل وتشعر بتهديد على مصيرها، مع  أي حركة احتجاج في أي منطقة عربية.

إنها الأنظمة نفسها، المهمومة بإحداث استقطاب لصالح إسرائيل في دول ما بعد الاحتجاجات، وترتيب مسارات يقال إنها دبلوماسية، تجمع بين مسؤولين عرب وقيادات إسرائيلية، كما حدث في السودان، بعد لقاء رئيس المجلس العسكري عبد الفتاح البرهان، مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. أو كما كاد أن يحدث في موريتانيا حسب تقارير صدرت مؤخرًا، عن دور سعودي إماراتي في فرض علاقات "ودية" بين النظام الموريتاني وإسرائيل.

بالنسبة للتصورات الأمنية الإسرائيلية، فإن دولة الاستبداد العربية، هي دولة أكثر أمانًا بالتأكيد، لأن مصالحها ولهاثها الدائم وراء الغرب، من أجل غض النظر عن الانتهاكات الحقوقية، لا بد أن يمر من بوابة تل أبيب. لكن الأهم، هو أنه بالنسبة للتصورات الأمنية عينها، فإن دولة يديرها نظام استبدادي، تبقى طيعة وأسهل للفهم، فهي أنظمة راسخة تستمر لعقود، ويسهل التعامل معها، على عكس أنظمة تتغير كل أربع سنوات.

اقرأ/ي أيضًا: كيف نفهم التطبيع اليوم من خلال أفكار عزمي بشارة؟

 كما أن الديمقراطية، تعني بالنسبة للإسرائيليين، تمثيلًا عادلًا للشعوب العربية، الرافضة لأي تطبيع مع إسرائيل، كما تظهر الإحصائيات والاستطلاعات، على غرار المؤشر العربي الذي ينشره المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، وبالتالي فإن نظامًا استبداديًا لا يمثل شعبه بالتأكيد، لا يمثل تلك التطلعات.

لا بد من مواجهة مشاريع التسوية، والتحالف مع إسرائيل، وتصفية القضية الفلسطينية، التي تقودها أنظمة عربية، من خلال تطلع ديمقراطي جامع، يصطف مع الناس ومع الشعوب ومطالبهم، وتوقهم إلى الديمقراطية والعدالة، ولا يستعلي عليهم، أو يطالبهم بتهميش عيشهم وحياتهم اليومية. إنه خطاب ديمقراطي يتعلق بمعيش الناس وبحياتهم اليومية، وينطلق منها ويدور حولها.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

MBC في رمضان... شاشة الذباب