03-أكتوبر-2022
ملائكة سنجار

من فيلم ملائكة سنجار

أعلنت "أمم للتوثيق والأبحاث" و"منتدى المشرق والمغرب للشؤون السجنيّة" عن تعاونها مع مهرجان "كرامة لأفلام حقوق الإنسان" من خلال مشاركة المنتدى في أمسية أفلام وحوارات خاصة عن السجن وأحواله، ضمن فعاليّات المهرجان الذي ينطلق في دورته السادسة 2022 في الثاني من تشرين الأول/أكتوبر في مسرح دوار شمس ببيروت، ويمتد على مدار ثلاثة أيام.

انطلق "منتدى المشرق والمغرب للشؤون السجنية" في 2018 امتدادًا لاهتمام "أمم للتوثيق والأبحاث" بمسألة السجون ونظم التعذيب في المنطقة، التي تجسّدت من خلال مشاريع مختلفة تنوعت في طابعها ما بين الأدبي والبحثي والفني

ينظّم المنتدى في هذا الإطار في الرابع من تشرين الأول/أكتوبر عروضًا لأفلام مختلفة، بعضها يُعرض للمرة الأولى في لبنان، بحضور صنّاع الأفلام وفريق العمل، وهي في مقارباتها تتناول مسألة السجون ونظم التعذيب متمثلة بتجارب عايشتها بلدان شهدت صعود وسقوط أنظمة دكتاتورية ضمن حقبات مختلفة من تاريخها، من اليونان وكردستان-العراق وليبيا. كما يُعقد لقاء حواري يجمع ما بين الصحافة والفنون، الأدب والمناصرة، تحت عنوان "البعد الرابع: سرد واقع السجون في المشرق والمغرب من بيروت"، يشارك فيها كل من هناء جابر، مروان أبي سمرا، مهند الأمين، جاد اليتيم، علاء رشيدي، ويديره مينا إبراهيم.

وتأتي هذه المبادرة كانعكاس لرؤيا المنتدى الذي يسعى منذ تأسيسه لمدّ جسر ما بين الجانب الأكاديمي والحقوقي، وكذلك الفني، في ما يخصّ الشؤون السجنية. كما ينصبّ اهتمام المنتدى على ارتباط المسألة السجنية في لبنان بغيرها من البلدان في الشرق الأوسط.

انطلق "منتدى المشرق والمغرب للشؤون السجنية" في 2018 امتدادًا لاهتمام "أمم للتوثيق والأبحاث" بمسألة السجون ونظم التعذيب في المنطقة، التي تجسّدت من خلال مشاريع مختلفة تنوعت في طابعها ما بين الأدبي والبحثي والفني، كما في "العَود إلى بني أمّي"، وهي شهادة سجين سابق دونّها حسن الساحلي، وهي وثيقة مهمة عن سجن زحلة ترصد مدى هيمنة العشيرة والتقسيم الطبقي/العشائري الذي يمارس داخل السجون، والسيرة الذاتية الاستثنائية لعلي أبو دهن في كتاب "عائد من جهنّم ذكريات من تدمر وأخواته". دون أن نغفل عمل مونيكا بورغمان ولقمان سليم سوية على المسألة السجنية في سوريا الذي توّجت بإخراجهما المشترك لفيلم "تدمر" عن سجن تدمر السوري، حيث يُعيد السجناء السابِقون تركيبَ مكانِ سجنِهم وأدواتِ التعذيب الساديّة التي هي نِتاج مَخيَلة نظام البعث الأسديّ المُرعِبة. وكان هذا الانشغال بمسألة السجون هو الذي قاد مونيكا ولقمان إلى العمل على مقاربة إقليمية أوسع تشمل كامل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تجسّدت من خلال مشروع منتدى المشرق والمغرب للشؤون السجنيّة.

في البرنامج السينمائي الذي نظمه منتدى المشرق والمغرب للشؤون السجنية عدّة أفلام، يضيء كل على حدة في مقاربته الفنية جانبًا من مسألة السجون وآلية نظم التعذيب، بالأخص ديناميكية علاقة السجين بالسجّان التي تحتلّ حيزًا مهمًا في الفيلم الافتتاحي وعنوانه "ابن جارك: صناعة شخص المُعذِّب". الفيلم وثائقي درامي صدر في نسخته الأولى عام 1976، من إخراج إريك ستيفنسن وجورغن فليندت بديرسون. يصور الشريط فترة حكم المجلس العسكري اليوناني، أو ما يعرف أيضًا بالجونتا وهي دكتاتورية عسكرية يمينية متطرفة حكمت اليونان على مدى سبع سنوات، من بعد انقلاب نيسان/إبريل 1967.

في الفيلم توثيق لآلية التجنيد في نظام الجونتا وميكانيكية صنع شخص المُعذِّب، وذلك من خلال شهادات مختلفة يجمعها الفيلم وأغلبها لمجندين سابقين. يروي هؤلاء بأدق التفاصيل تجربتهم، وكيف جرى إخضاعهم واستدراجهم من قبل هذا النظام عبر آليات نفسية وجسدية مختلفة، تراوح ما بين الترهيب والتعذيب أو الغواية بالسلطة المطلقة أو الهيمنة. لكن ما هو ملفت ويلتقطه الفيلم ببراعة أننا في تفكيك صورة المُعذِّب قد نعثر على ما يتماهى مع صورة نقيضه، أي المُعذَّب.

 الفيلم الليبي القصير "السجين والسجّان" للمخرج مهند الأمين
من "السجين والسجّان" للمخرج مهند الأمين

أما الفيلم الليبي القصير "السجين والسجّان" للمخرج مهند الأمين (2019) فهو، كما قد يوحي عنوانه، يطرح انقلاب الأدوار أو تبادلها ما بين السجين والسجّان، منطلقًا من مفارقات التاريخ الليبي وما شهده من أحداث منذ سقوط دكتاتورية القذافي، ولا يغفل الفيلم عن استعادة مذبحة سجن أبو سليم التي وقعت سنة 1996 في ليبيا أثناء حكم القذافي وسقط خلالها أكثر من 1200 ضحية من السجناء، في ما جرى تصنيفه كإحدى أفظع جرائم القتل الجماعية.

ويختتم البرنامج بالفيلم الوثائقي الدرامي الطويل "ملائكة سنجار" (2022) للمخرجة البولندية حنّا بولاك في عرضه الاول في لبنان. وللمخرجة حنّا بولاك، التي ستحضر عرض فيلمها في بيروت وتشارك في نقاش مفتوح، سيرة زاخرة في صناعة الأفلام الوثائقية اذ سبق ورشح فيلمها القصير "أطفال لينينغرادسكي" لجائزة أوسكار افضل فيلم وثائقي قصير عام 2005.

يتتبع فيلم "ملائكة سنجار" شخصية الفتاة حنيفة التي نجت على نحو أشبه بالعجائبي، منذ المجزرة التي اقترفها تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" في منطقة سنجار 

يتتبع فيلم "ملائكة سنجار" شخصية حنيفة التي نجت على نحو أشبه بالعجائبي، منذ المجزرة التي اقترفها تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" في منطقة سنجار شمال العراق بحق الشعب الإيزيدي، وما تبقى من جرائم صنفت ضمن الإبادة الجماعية.

تلاحق المخرجة رحلة بحث حنيفة عن أخواتها الخمس اللواتي اختطفن من أمام ناظريها على يد "داعش"، وتم الإتجار بهن وإخضاعهن لأفظع سبل التعذيب، وهي رحلة تتفرّع في مساراتها الجغرافية وعوالم الشخصيات الداخلية في ما تعيشه من مشاعر متنازعة. من بين الشخصيات الرئيسية الأخرى في الفيلم سعيد، وهو أخ الناشطة الإيزيدية ناديا مراد، الحائزة على جائزة نوبل للسلام عام 2018، بالشراكة مع الطبيب الكونغولي دينيس موكويج؛ وهو في إصراره على البقاء في سنجار وسعيه لإنقاذ من تبقى يراوح أيضًا ما بين محاولاته العسيرة للخروج من حداد يتخطى الفردي إلى الجماعي.

يرصد الوثائقي بدقة تفاصيل تبدو للمشاهد وكأنها من نسج الخيال لفظاعتها، ويشكّل وثيقة نادرة لفهم يتخطي المادي إلى الإنساني للمأساة التي حلت بالشعب الإيزيدي. ولعلّ أهم ما تنجح المخرجة في تجسيده هو رحلة بحثها الخاصة أيضًا من خلال هذا الفيلم لفهم آليات النفس الفردية أو الجماعية للنجاة من تجربة مماثلة. الشريط يجمع ما بين التوثيقي والفني على نحو فريد ومتكامل في انسجامه وفي حميمية الشهادات التي تجمعها المخرجة واستكشافها لأدق التفاصيل التي تشكل عالم هذه الشخصيات. ففي علاقة شخصيات الفيلم مع المكان نفسه والجذور وخصوصية المجتمع الآزيدي وكل الزوايا الملفتة التي تشكّل نواة السرد السينمائي، إعادة تشكيل لعالم بالرغم من تشظيه لم يزل متشبثًا بوحدته وهويته على نحو مذهل وذلك لا بد يشكّل إحدى آليات نجاته.