28-فبراير-2017

عائدون بعد أن دفعوا الثمن (يافوز أرسلان/Getty)

"يا الرايح وين مسافر تروح تعيا وتولي"، هي إحدى أغاني المطرب الشعبي الجزائري الراحل دحمان الحراشي، يقول فيها إن أي شخص يغادر وطنه سيتعب يومًا ما ويعود مهما طال الزمن.

يعود جزء من الجزائريين الذين هاجروا منذ عقود إلى أوروبا، متحسرين عادة على سنوات التعب والوحدة رغم تحسن أوضاعهم المادية

"الغربة جنة ونار لكنها تحرق أكثر من أن تداوي"، وهذا كلام عائد من بلاد "الجن والملائكة" فرنسا، جزائري قد قضى أزيد من ثلاثين سنة في مرسيليا، جنوب فرنسا، يسترجع أيامه الأولى بعد أن ترك الجزائر في عمر الزهور، 24 سنة، بعدما ضاقت به السبل في الحصول على عمل، لكن سنواته الأولى ببلاد الغربة كانت صعبة جدًا، بل "مضنية"، حسب تصريح نسيم بوكروح لـ"ألترا صوت".

اقرأ/ي أيضًا:  "العودة".. خيبة أمل جزائرية

في تلك السنوات، كان نسيم يبحث عن سقف يضمه وعمل ليقتات منه، لكن المفاجأة كانت "صادمة" كما وصفها: "هناك لم يكن الأمر سهلًا للتأقلم أو إيجاد فرصة عمل، لم يكن الأمر كما توقعته فالبدايات كانت صعبة جدًا وتوفير لقمة العيش مرت عبر السعي اليومي والبحث الدؤوب". ومن حسن حظ نسيم أنه لم يكن الغريب الوحيد بين أقرانه وبني وطنه ممن اختاروا  "الهربة"  أو "الحرقة"، باللهجة الجزائرية، بهدف إيجاد أفق أخرى وتحقيق أحلام كبرى.

تكسرت أحلام نسيم مع أول محاولة له للعمل في أحد الحقول، كان مقابل العمل بسيطًا جدًا لكن وجود "أشقاء من المغاربة والتوانسة"، كما صرح مثل عزاءه الوحيد في ديار الغربة.

و"مرسيليا الفرنسية صارت في المخيال الجزائري مدينة جزائرية بامتياز"، بحسب نور الدين خلال، وهو الذي عاش تجربة الغربة قبل 10 سنوات، بل وصارت، حسب تسمية الكثيرين، "الولاية رقم 49"، إضافة إلى 48 ولاية جزائرية، وبذلك بسبب تواجد الآلاف من الجزائريين المقيمين هناك، حيث فتحت لهم الأبواب سنوات السبعينيات والثمانينيات عندما احتاجت فرنسا ليد عاملة كثيرة، وباتت بذلك مرسيليا الوجهة الأولى للجزائريين.

لكنها مع مرور الزمن باتت تمثل "غربة مفروضة" أو "مهربًا" بعدما أغلقت أمام الآلاف كل المنافذ لتحسين المعيشة والبحث عن فضاءات أفضل داخل الجزائر، هكذا يتحدث نور الدين لـ"ألترا صوت"، يقول إنه "لا يمكنه العودة اليوم لفرنسا، لقد دفعت دفع الثمن غاليًا".

"ثمن الغربة هو أن تمرض ولا تجد من يسأل عنك"، يصرح أحد العائدين إلى أرض الجزائر

عن هذا الثمن، حدثنا صديق له، الباجي 52 سنة: "ثمن الغربة هو أن تمرض ولا تجد من يسأل عنك، أن تستيقظ صباحًا دون أن تستمع لآذان الفجر، أن تحتفل بعيد الفطر وعيد الأضحى دون نكهة، أن تبدأ السنوات الأولى في إعادة بناء حياتك من جديد، قد يستغرق منك الأمر سنة أو سنتين أو ثلاث وربما أكثر من ذلك بكثير، فلا شيء سهل هناك".

اقرأ/ي أيضًا: "نكران الثقافات".. عن الهجرة والاندماج

"المفارقة صارخة وصادمة، الأمر ليس سهلًا على من اختاروا الغربة طواعية، لكنهم في النهاية غالبًا يرجعون إلى الديار وهم محملون بهموم كثيرة"، تقول سامية، 49 سنة، والتي سافرت إلى فرنسا قبل أن تضع ابنتها الأولى، لكنها اليوم تعيش دون حزن أو فرح، حسب تعبيرها، والسبب: "عندما تصيبك حالة الاكتئاب لا تجد من يفهم لهجتك ولغتك ولا حالة الاشتياق للأهل". وتضيف: "الجسم هناك والروح هنا في الجزائر"، رغم أن سامية أكملت دراساتها العليا وحسنت من وضعها المادي خارج وطنها.

الكثير من العائدين إلى أرض الجزائر، قرروا ذلك طواعية، معظمهم جرب "حرقة الغربة" في عديد الدول، ومنها فرنسا، إسبانيا أو ألمانيا، لأزيد من ثلاثين سنة، فاختاروا الديار في الأخير طواعية. اليوم يتألمون وهم يعيدون شريط الذكريات، رغم ما عاشوه من فترات جميلة وتحقيق بعض الأحلام.

يتحدث معظم العائدين عن مخاوف من تربية أبنائهم بعيدًا عن أرض الوطن وما قد ينجر عن ذلك من مشاكل، موضوع يؤرق الآباء لكنه غير مطروح لدى جيل الجزائريين، الذين ولدوا خارج بلد المليون ونصف المليون شهيد.

اقرأ/ي أيضًا: 

عبد الله بوكفّة.. فنان داخل الجامعة الفرنسية

المهاجرون الأفارقة في الجزائر.. شقاء الأحلام