05-يناير-2021

القطري ناصر العطيّة ومساعده الفرنسي ماتيو بوميل في رالي داكار 2021 بالسعودية (Getty)

خالد الناصير

 كاتب متخصص بالرياضات الميكانيكية

لا شيءَ يُضاهي الراليات الصحراوية من ناحية تجاوز الحُدود القُصوى للإنسان والآلة، فهي وإن كانت تُعتبر من الراليات، إلا أنها أصعب مما نراه في مراحل بُطولة العالم للراليات "دبليو آر سي" على سبيل المثال، فمسافة الرالي العادي طيلة ثلاثة أيام لا تتجاوز بأيِّ حالٍ من الأحوال مسافة مرحلة واحدة من رالي صحراوي، ناهيك عن صعوبة مسارات الأخير وتعقيداتها، إذ تحتاج لخبرةٍ أكبر ومهارةٍ أفضل في السياقة والملاحة على حدٍّ سواء، إلى جانب قدرة أكبر على الاحتمال.

ولأن مسارات الرالي الصحراوي أكثر تنويعًا وأصعَب في تضاريسها، فعلى السائق تغيير سُرعته وأسلوب قيادته لحظيًا بحسب حالة المسار، والتمتُّع بقُدرة التعامل معها في مُختلف المراحل، فهنا يُواجه السائق خلال الجولة تكوينات طبيعية على شكل كثبان رملية ودروب ترابية، عبر الأرياف والغابات ومسارات جبلية وعرة، مرورًا بالسُهوب الجافة والعُشبية والأحواض النهرية الجارية والجافة، دون أن ننسى التقلُّب الحاد في درجات الحرارة والظروف الجوية بين الليل والنهار.

ساعدت مجموعة من الظروف في ظهور الراليات الصحراوية بالشكل الذي نعرفه اليوم، وكانت مرحلة النُضوج في أمريكا الشمالية في ستينيّات القرن العشرين، مع السائقين الهواة والمُغامرين ممن استخدموا مركبات معدَّلة لخوض مُنافسات مفتوحة في البراري الأمريكية، سُرعان ما اكتسبت هذه الفئة من رياضة السيارات شعبيةً كبيرة إلى أن أصبحت صناعةً قائمةً بحدِّ ذاتها، لا في أمريكا وحسب بل في العالم ككل، مع تأقلمها لتتناسب مع ظروف كل منطقة، ففي أوروبا الغربية والشرقية تجري هذه الراليات في الأرياف والغابات، وفي شمالها وروسيا عبر الغابات الثلجية والسهوب، وفي الصحراء ضمن منطقتنا العربية وأُستراليا، وفي الجبال الشاهقة في شبه القارة الهندية وأمريكا الجنوبية، وبراري إفريقيا الجنوبية.

أصبحت الراليات الصحراوية الآن أكثر شهرةً نظرًا لتقديمها تحدِّيات أكبر، فضلًا عن العامل الأساسي المُحرِّك لرياضة السيارات، ألا وهو التنافس بين الصانِعين لإثبات جودة مُنتجاتهم وأفضليتها، وذلك عبر اختبارها لحُدودها القُصوى وتحسينها، كما جذبت الكثير من السائقين من بُطولات أخرى، منهم الإسباني كارلوس ساينز بطل العالم للراليات مرَّتين، والقطري ناصر بن صالح العطية بطل الشرق الأوسط للراليات 16 مرة، وفرناندو ألونسو بطل العالم للفورمولا واحد مرَّتين، وفي هذا العام النجمان سائق الراليات البريطاني كريس ميك والسويدي ماتياس إكستروم المُشارك في رالي كروس وبُطولة ألمانيا لسباقات السيارات السياحية "دي تي أم".

من بين جميع سلاسل الراليات الصحراوية يبرز كأسا العالم للراليات الصحراوية الطويلة "كروس كانتري" والقصيرة "باخا"، وهُما من تنظيم الاتحاد الدولي للسيارات "فيا". والفارق بينهما يعتمد على مسافة الرالي وأيامه، تستمر جولة الـ "كروس كانتري" لأسبوع واحد مع مسافة تتجاوز 1000 كيلومتر، في حين تستمر جولة الـ "باخا" لثلاثة أيام على الأكثر، ولمسافةٍ تتجاوز 350 كيلومتر، وأقل من 1000 كيلومتر. جديرٌ بالذكر أن اسم "باخا" هذا مأخوذٌ من صحراء "باخا" جنوبي غرب الولايات المُتحدة الأمريكية، الوجهة الأولى للراليات الصحراوية هناك، ومن المُقرر ترقية هاتين السلسلتَيْن إلى مُستوى "بُطولة عالم" خلال السنوات القليلة المُقبلة.

إن كان ذلك لا يكفي فإن هنالك المزيد! لدينا "رالي رايد" أو "رالي ماراثون"، وهذه النوعية للراليات تُقام على مدار أسبوعين إلى ثلاثة وبمسافات تدور في فُلك 10 آلاف كيلومتر تقريبًا، وأبرزها "رالي داكار" و"رالي طريق الحرير"، ما بين روسيا والصين مُخترقًا آسيا الوُسطى، و "سباق إفريقيا إيكو" الذي يُقام على المسارات القديمة لرالي "باريس – داكار" الأصلي. وفي هذه الراليات مراحل يومية "ألفية الكيلومترات" تمتد لساعات طويلة تبدأ بشروق الشمس وتنتهي بغروبها، لذا يُعتبر إنهاء اليوم انتصارًا بحدِّ ذاته، ويُدوَّن في سجل السائق إن فاز بالمرحلة.

المرحلة الخاصَّة:

تتألف كل مرحلة خاصَّة من مرحلة الوصل في بداية المرحلة ونهايتها، وهي لا تتضمَّن أية تحديات بل عبارة عن مسار يوصل المُشارك للقسم الأوسط التنافسي الخاضع للتوقيت الذي تُحتسب نتائجه، ومن ثم يأخذه إلى نُقطة التجمع أو مقر الرالي أو مُخيَّم المبيت بعد انتهائها.

ولتوضيح الأمر: لنفترض أن لدينا مرحلة طولها الإجمالي 500 كيلومتر، تتضمن قسمين للوصل في بدايتها ونهايتها مسافتهما 150 كيلومتر، على المُشارك الالتزام خلالهما قوانين السير مرعية الإجراء في البلد والسير بسُرعة مُحدَّدة ودون تنافس مع نُظرائه، وقسم تنافسي خاضع للتوقيت طوله 350 كيلومتر يُمكنه القيادة خلاله بأقصى سُرعة والدخول في مُنافسات مع نُظراؤه.

من يُشرف على الراليات الصحراوية:

إلى ذلك، تُشرف هيئات مُختلفة على هذه السباقات الطويلة بخلافِ الاتحاد الدولي للسيارات، حيث إن "مُؤسسة أماوري الرياضية – أيه أس أو"  الفرنسية مسؤولة عن عدة راليات، منها رالي داكار وطريق الحرير والمغرب، وهنالك هيئة مُستقلة أمريكية مسؤولة عن الراليات الصحراوية في أمريكا الشمالية، مثل "باخا 1000".

وإلى جانِب السيارات يوجد فئة الدرّاجات النارية، وهي فئة تسير جنبًا إلى جنب مع السيارات من ناحية التنظيم والتقسيمات، لكن يُشرف عليها الاتحاد الدولي للدرّاجات النارية "فيم"، لذا تضم غالبية الجولات فئة الدرّاجات النارية أيضاً.

 

 

اقرأ/ي أيضًا:

جائزة تركيا الكبرى ..هاميلتون ينال لقبه العالمي السابع ويعادل رقم شوماخر

ألفيّة الفيراري في الفورمولا ون.. هاميلتون يخرج بطلًا من "معركة توسكانا"