11-مارس-2017

مجلة طلعنا عالحرية (فيسبوك)

ضجت مواقع الإعلام "البديل" التي نشأت خلال السنوات الست الأخيرة، بالإضافة إلى صفحات النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي منذ ثلاثة أيام بقضية منع صحيفة "طلعنا عالحرية" من الدخول إلى مناطق سيطرة فصائل المعارضة في جميع أنحاء سوريا عبر معبر "باب الهوى" الحدودي مع تركيا، على خلفية نشرها مقالًا في عددها الـ86 بعنوان "يا بابا شيلني" للكاتب شوكت غرز الدين، بسبب ما اعتبر أنه تعرض "للذات الإلهية".

أثار منع طلعنا عالحرية من الدخول إلى مناطق سيطرة فصائل المعارضة على خلفية نشرها مقالًا اعتبر تعرضًا للذات الإلهية، جدلًا واسعًا

ويوم الثلاثاء الفائت جابت شوارع مدينة "دوما" في منطقة "الغوطة الشرقية" بريف دمشق، والتي يسيطر عليها فصيل "جيش الإسلام" مظاهرات منددة بالصحيفة وفريق تحريرها، وكاتب المقال، يقدر عددها بالعشرات، فيما أصدرت النيابة العامة في المدينة يوم الأربعاء قرارًا يقضي بـ"إغلاق كافة المقرات العائدة لمجلة طلعنا عالحرية، والمقرات العائدة لشبكة "حراس الطفولة"، وعدد من المؤسسات العاملة في المدينة، وذلك لحين محاكمتهم أمام القضاء، وصدور قرار نهائي، حسب ما تناقلت عديد الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي.

اقرأ/ي أيضًا: تأكد.. أول منصة سورية لتصحيح الأخبار المغلوطة

وشمل قرار النيابة العامة في مدينة "دوما" التي يسيطر على مفاصل القرار فيها "جيش الإسلام"، إغلاق مقرات مكتب "شبكة حراس الطفولة"، ومجلة "حراس الطفولة"، ومكتب "التنمية ودعم المشاريع الصغيرة"، ومركز "توثيق الانتهاكات" (VDC)، ومنظمة "اليوم التالي"، ومكاتب "لجان التنسيق المحلية"، وهو ما أرجعه عدد من النشطاء إلى أن القرار الصادر بحق المؤسسات المغلقة جاء بضغوط من "جيش الإسلام" الذي يحاول حظر أي نشاط مدني في مناطق سيطرته.

وفي اليوم عينه أصدرت إدارة "معبر الهوى"، شمال سوريا، قرارًا إداريًا ينص على "منع دخول المجلة إلى الأراضي السورية المحررة"، و"رفع دعوى قضائية على المجلة كشخصية اعتبارية"، و"رفع دعوى قضائية على الكاتب كشخصية حقيقية".

وقررت الجهات الموقعة أمس الجمعة في بيان مشترك صادر عن مجلس "القضاء الأعلى" في حلب، و"دار العدل" في "حوران" جنوب سوريا، ومجلس "القضاء الأعلى" في منطقة "الغوطة الشرقية"، "إغلاق كافة المقرات العائدة إلى المجلة المذكورة (طلعنا عالحرية) وتشميعها بالشمع الأحمر"، إضافة لـ"منع المجلة أو من يمثلها شخصيًا من النشاط داخل الأراضي السورية"، و"توقيف القائمين على المجلة أمام المحاكم" التابعة للجهات عينها.

وتواردت أنباء متناقضة أمس الجمعة عن مثول نائب رئيس التحرير في الصحيفة، أسامة نصار وزوجته، علمًا أن الأخيرة ليس لها أي صلة تربطها بـ"طلعنا عالحرية" أمام القضاء في مدينة "دوما" بسبب المقال المنشور، كما جرت أحاديث غير رسمية عن تواصل بين شخصيات صحفية، وممثل "جيش الإسلام" في وفد المعارضة المسلحة، محمد علوش، لإنهاء الجدل القائم حول المقال المنشور، والحفاظ على السلامة الشخصية للأفراد المعنيين بالموضوع، والمقيمين في "الغوطة الشرقية"، وفق ما أفادت مصادر مطلعة، لم يتسن لـ"ألترا صوت" التأكد من صحتها حتى لحظة إعداد التقرير.

واستبق صدور البيانات السابقة، والأحاديث المرتبطة بمحاكمة نصار، انتشار صور في شوارع مدينة "دوما" لأسامة نصار، وزوجته ميمونة العمار، ورئيسة تحرير المجلة ليلى الصفدي، والناشط ثائر حجازي، ضمن منشور واحد يحرض على طردهم من المدينة، فيما أصدر أصدقاء نصار بيانًا أكدوا من خلاله أن "بعض التحريض قد تم على أشخاص ليس لهم علاقة نهائيًا بالمجلة كالسيدة ميمونة العمار، والسيد ثائر حجازي"، وأنه "لا يوجد مستند قانوني ولا شرعي" يسمح بـ"إعاقة عمل المؤسسات الأخرى التي تم إغلاقها".

ورغم محاولات مجلس إدارة الصحيفة تدارك الخطأ المرتكب بنشرها للمقال، وحذفه من موقعها الإلكتروني، وتقديمها اعتذارًا عن "الخطأ غير المقصود"، مؤكدة على "احترامها الكامل لمعتقدات الجميع ولحق الناس في التظاهر والاحتجاج، وتعتبره جزءًا من القيم التي تدافع عنها وتعمل من أجلها"، فإن القضية بدأت تثير الكثير من المخاوف على السلامة الشخصية للأفراد المعنيين بها، وعلى رأسهم نصار وزوجته.

وأول أمس الخميس أعلنت ليلى الصفدي استقالتها من منصبها كرئيسة تحرير "متحملة مسؤوليتها في ضبط تطبيق سياسة التحرير التي تحرم الاعتداء على معتقدات الناس، ولكبح التصعيد الذي لم يتوقف منذ نشر المقال، ولحماية حياة زملائنا داخل سوريا"، كما قدم أسامة نصار استقالته من منصبه كنائب رئيس تحرير "احتجاجًا على مخالفة سياسة التحرير"، وفق ما ذكر بيان صادر عن الصحيفة.

اقرأ/ي أيضًا: التدوين السوري في مهب الثورة

ودعا مجموعة من النشطاء في بيان صادر عنهم أول أمس الخميس "جيش الإسلام" لـ"إعادة فتح مكاتب جميع المؤسسات المعنية فورًا"، و"تشكيل لجنة قضائية من الحقوقيين مستقلة عن أي سلطة عسكرية"، و"تيسير فتح تحقيق فوري من قبل هذه اللجنة لمعرفة المحرضين ضد هؤلاء الشبان والنساء الذين كانوا من أوائل الثوار ضد نظام الأسد المجرم"، إضافة لـ"تأمين حماية مقرات المؤسسات المعنية ضد كل تهديد يمس سلامة العاملين والممتلكات فيها".

اعتبر قرار منع تداول صحيفة طلعنا عالحرية ومحاكمة بعض أعضائها تطهيرًا لدوما من كل من لا يروق لجيش الإسلام ولا يمتثل لقراراته

وكانت مقرات المؤسسات المعنية بالقرار تعرضت يوم الثلاثاء لـ"تهديد مباشر" باقتحامها، ونقل المركز "السوري لحرية الإعلام والتعبير" أنه تواجد خلال التظاهرة "أشخاص يلوحون بسكاكين وأسلحة بيضاء"، إضافة لاقتحام مجموعة أخرى "المبنى وعبثوا بمحتوياته وعمدوا إلى تخريب الأثاث والمقتنيات وتمزيق الملصقات وشعارات المؤسسات داخل مكاتبها. ثم كتبوا عبارات تهديد على الأبواب وخارج المبنى قبل مغادرتهم للمكان".

وعبر صفحته الشخصية على موقع "فيسبوك" قال المفكر السوري، برهان غليون، إن القرار ضد الصحيفة شمل بذريعته "كل المؤسسات التي لا تدين بالولاء لسلطة جيش الإسلام ولا تأخذ بأفكار قادته، وفي مقدمتها مركز توثيق الانتهاكات"، مضيفًا أن "الهدف من هذه الحملة هو "تطهير" دوما الخاضعة لسيطرة جيش الإسلام من المؤسسات والنشاطات التي لا تروق لأصحابها، أو التي تشكل مصدر رقابة على سلوكهم أو انتقاد من أي نوع كان".

وهذه المرة الأولى الذي يصدر فيها قرار يقضي بإغلاق مقرات إحدى الصحف الصادرة في مناطق سيطرة المعارضة، أو تثار قضية من هذا القبيل، إذ كانت تقتصر في السابق على منع دخول أحد الأعداد عبر معبر "باب الهوى"، الذي تديره حركة "أحرار الشام الإسلامية"، بحجة تناوله لفصيل إسلامي، أو بسبب مقال يعتبره القائمون على المعبر إشكاليًا، كان آخرها نهاية كانون الثاني/يناير عندما منع العدد 258 لصحيفة "عنب بلدي" من الدخول لتضمنه مقالًا بعنوان "والله ما جئنا إلا لنصرتكم يا كفرة" للكاتب محمد رشدي شربجي، ينتقد فيه جبهة "فتح الشام"، وذلك قبل إعلانها تشكيل هيئة "تحرير الشام".

ومن المعروف لدى المهتمين بالشأن السوري أن "جيش الإسلام"، هو المتهم الرئيسي باختطاف فريق مركز "توثيق الانتهاكات" في مدينة "دوما"، رزان زيتونة، سميرة الخليل، وائل حمادة، وناظم حمادي، في كانون الأول/ديسمبر 2013، رغم نفيه في أكثر من مرة مسؤوليته عن حادثة الاختطاف، إلا أن معظم النشطاء أكدوا تعرض الفريق للمضايقات والضغوطات لفترة طويلة في المدينة من الفصيل عينه قبل أن يتم اختطافهم.

ويواجه كافة العاملين في وسائل الإعلام "البديل" رقابة صارمة تفرضها فصائل المعارضة السورية على كتاباتهم، بالإضافة لعدم وجود أي مؤسسة تحميهم من الانتهاكات التي يتعرضون لها في مناطق سيطرة المعارضة، وغياب أي قوانين نافذة تضمن لهم حقوقهم في حال تعرضوا للاعتقال أو الاختطاف، ما يجعلهم يحاولون قدر الإمكان تجنب الاحتكاك أو التماس مع أي فصيل عسكري متواجد على الأرض.

اقرأ/ي أيضًا: 

إعلام اليسار السوري من أيام "المناشير"

إضراب راديو روزنة..أي مستقبل لإعلام سوريا المعارض؟