04-أغسطس-2020

فضيحة فساد ضربت العائلة الملكية الإسبانية (Getty)

في سابقة من نوعها، غادرَ خوان كارلوس الأول، ملك إسبانيا السابق، بلاده والعائلة الملكية إلى منفىً اختياري. هذا ما تداولته وسائل إعلام إسبانية عشية الإثنين، فيما تبين أن الملك، الذي تخلى عام 2014 عن العرش لابنه فيليب الرابع، رسى على قراره ذاك هربًا من شبح فضائح مالية تلاحقه. واحدة منها تمتد خيوطها من شبه الجزيرة الإيبيرية إلى شبه الجزيرة العربية، في قلب الرياض تحديدًا، ولا زالت قيد التحقيق من طرف السلطات السويسرية.

فر الملك الإسباني السابق من شبح فضائح مالية تلاحقه، واحدة منها تمتد خيوطها من شبه الجزيرة الإيبيرية إلى شبه الجزيرة العربية، في قلب الرياض تحديدًا

الملك يغادرُ إسبانيا

"مدفوعًا برغبتي في تحقيق أفضل ما يستحقه الشعب الإسباني، مؤسساته وملكه الذي هو أنتم، أخبركم بقراري مغادرة البلاد!"، هكذا ودّع خوان كارلوس الأول، ملك إسبانيا السابق، ابنه الملك الحالي فيليب الرابع برسالة مكتوبة. وغادرَ قصرَ لازارزويلا والبلاد إلى وجهة غير معلومة، حسب ما ذكرت جريدة El mundo الإسبانية.

اقرأ/ي أيضًا: من فرانكو إلى السيسي.. الدكتاتورية حظوظ!

هذا القرار الذي اتخذه الملك بشكل مفاجئ، يأتي بعدَ تزايد الضغط عليه، ومخافة "الأثر العام لأفعال من ماضي حياته الخاصة"، كما تورد ذات الرسالة، ملمحًا للاتهامات التي تحوم حول تورطه في فضيحة تبييض أموال وتهرب ضريبي، والتي شرع القضاء السويسري والإسباني التحقيق فيها.

من جهته، شكر القصر الملكي بإسبانيا، وفي بلاغ له، خوان كارلوس لاتخاذه هذا القرار. معبرًا عن احترامه التام له، ومادحًا عهدَ الملك السابق بالقول: "يؤكدُ الملك فيليب على الأهمية التاريخية التي يمثلها عهد والده. الذي حقق خلاله ازدهار العمل السياسي، قوة المؤسسات الدستورية الإسبانية، إنهاء الديكتاتورية وتحقيق الديمقراطية". هذا وأكدَ محامي الملك خوان كارلوس أنه رغم مغادرة موكله التراب الإسباني، سيكون رهن إشارة النيابة العامة لتقديم أي إفادة تخص البحث فيما نسب إليه. فيما لم يتم إلى الآن الإفصاح عن الوجهة التي ستستقبل الملك السابق.

جملة ردود فعلٍ متضاربة

داخلَ الساحة السياسية الإسبانية، أثارت الهجرة الملكية المفاجئة ردودَ فعل متضاربة. بداية بالأغلبية الحكومية، حيث وصف بابلو إغليسياس، زعيم حزب بوديموس المشارك في الحكومة، مغادرة خوان كارلوس التراب الإسباني بـ "الموقف الجبان" من ملك الدولة السابق، و"سوء احترام" للشعب الإسباني والديمقراطية. مضيفًا أنه: "لا يجب على الحكومة أن تنزاح عن مبادئها بتقييم هذا الفعل الذي يمس بمؤسسة القصر والعدالة الإسبانية"، مؤكدًا في تغريدة أخرى أنه "من واجب الحكومة أن تعطي مثالًا في احترام المؤسسات ومحاربة الفساد".

فيما لم تبد كل ردود الفعل على نفس النحو. "نحن نحترم القرار الذي أعلن عنه الملك خوان كارلوس الأول، ونعترف له بجميل صنيعه كرئيس البلاد، ومساهمته في تحقيق الانتقال الديمقراطي"، هكذا غرّدَ زعيم حزب الشعب الإسباني، بابلو كاسادو، في تفاعل مع الحادثة. مؤكدًا على دعمه للملك فيليب الرابع، وللقصرِ الذي يمثل "رمزَ وحدة إسبانيا واستمرارها التاريخي" على حد قوله. الاحترام والدعم والإشادة نفسها التي التي عبّر عنها حزب Vox، اليميني المتطرف، تجاه الملكين والعرش. دون أن يفوت فرصة تصويب نقده للحكومة، التي اعتبرها "تهديدًا محققًا لمستقبل إسبانيا"، والتي حسبه تستغل الحادثة لتغطي "جريمة إدارتها لأزمة جائحة كورونا".

وفي ذات السياق، عابت أدا كولاو، عمدة مدينة برشلونة القول باحترام القرار. معتبرة أن "الفساد والتهرب من العقاب لا يتوافقان والمثل الأعلى الذي يقدم بها الملك خوان كارلوس"، مضيفة بأنه "من دفع ثمن الديمقراطية هم آلاف العائلات الاشتراكية والجمهورية  التي ضحت  بأرواحها، وليست العائلة الملكية". فيما كان بيدرو سانشيز، رئيس الحكومة الإسبانية، فد علق على فضيحة الملك قائلًا: "إن الحكومة ستدافع عن استقرار المؤسسات، قوتها وشفافيتها".

ما دور السعودية؟

انكشفت الفضيحة، التي تحوم الشكوك حول تورط الملك فيها، عبرَ تحقيق صحفي نشره موقع La tribune de Genéve، بتاريخ 3 آذار/مارس الماضي.  حيث أعاد الموقع السويسري سرد تفاصيل قصّة تعود أطوارها إلى سنة 2008، حيث تلقى خوان كارلوس الذي كان ملكًا وقتها حوالة تقدر بـ 100 مليون دولار من العاهل السعودي السابق عبد الله بن عبد العزيز.

هل كانت عمولة على صفقة القطار فائق السرعة الذي يربط بين مكة والمدينة وأنشأته شركة إسبانية؟ رشوة أم هدية؟ يتساءلُ المقال، ويسترسل متتبعًا وصول ذلك المبلغ إلى رصيد بنكي في سويسرا، تحت اسم مؤسسة مقرها بدولة بانما والمستفيد منها الوحيد هو الملك الإسباني. سنة 2012 حول الملك كارلوس كل ما بقي في ذلك الرصيد، حوالي 65 مليون دولار، إلى حساب بنكي بجزر البهاماس يعود لسيدة الأعمال الدنماركية كورينا لارسن، عشيقته السابقة وصديقته المقربة. 

اقرأ/ي أيضًا: شراء الوهم.. السعودية تتصدر قائمة مستوردي السلاح في العالم

"جريمة تبييض أموال"، هذه هي الشكوك التي وجهها الادعاء السويسري للملك خوان كارلوس، وفتحت من أجلها تحقيقًا سنة 2018. فيما الضجة لم تصل إسبانيا إلا بعد أن نشرت صحف محلية تسجيلات صوتية منسوبة لكورينا لارسن، التي تعترف فيها أن الملك هرّب نقوده إلى الخارج، عبر رصيد باسم قريبه ومحاميه. واعترفت كذلك بأن "الملك طالب بعمولة من ملك السعودية على صفقة خط سككي أنشئ بالمملكة العربية". عمولة ما زالت تحقق فيها المحكمة الإسبانية، على صفقة بغلاف مالي ناهز 6 مليار يورو، من المفترض أن يكون الملك خوان كارلوس هو من لعب فيها دورَ السمسار، بين الشركة الإسبانية التي خفضت في آخر لحظة سعرها بـ 30 بالمئة والمملكة السعودية كعميل لها.

خلقت ضجة الفضيحة ارتدادات داخل القصر الإسباني، دفعت في وقت سابق الملك فيليب الرابع إلى إعلان التبرؤ من ميراث والده

وكانت ضجة الفضيحة قد خلقت ارتدادات داخل القصر الإسباني، دفعت في وقت سابق الملك فيليب الرابع، في شهر آذار/مارس الماضي، إلى إعلان التبرؤ من ميراث والده، وقطع هبة سنوية كان يتلقاها خوان كارلوس منه تفوق قيمتها 217 ألف دولار، بشكل يتناقض مع التصريحات التي خرج فيها أخيرًا، مدافعًا عن عهد والده.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

هل تصمد مزاعم محاربة الفساد أمام بذخ ابن سلمان وهدر المال العام؟