29-نوفمبر-2017

بالإضافة إلى تهوره، لا يتمتع ابن سلمان بالكفاءة اللازمة (فايز نورالدين/ أ.ف.ب)

نشر موقع "ذا إنترسيبت" مقالًا لمهدي حسن، الأستاذ المساعد في مركز الوليد بن طلال للفهم الإسلامي المسيحي بجامعة جورج تاون، يقارن فيه بين ما حذرت منه مذكرة للاستخبارات الألمانية في 2015، من تحوّل السعودية قريبًا نحو سياسة "التدخل المتهور"؛ وما يحدث الآن على أرض الواقع. في السطور التالية ترجمة بتصرف للمقال.


بالعودة إلى كانون الأول/ديسمبر من عام 2015، وزعت وكالة الاستخبارات الخارجية الألمانية (DNB)، مذكرةً من صفحة ونصف على مختلف وسائل الإعلام، كان عنوانها: "المملكة العربية السعودية.. تشتُت القوة الإقليمية السنية بين تغيّر التوجه السياسي الخارجي وتثبيت السياسة الداخلية". كانت تلك الوثيقة صادمةٌ للغاية، بسبب نبرتها غير الدبلوماسية، وتوقعاتها المستقبلية اللافتة للنظر.

في 2015، وعبر وثيقة من صفحة ونصف، تنبأت الاستخبارات الألمانية بما يحدث الآن من قبل ابن سلمان وتخبط سياساته في المنطقة

جاء في تلك المذكرة تحذير بأن "الموقف الدبلوماسي المتحفظ لكبار أعضاء العائلة الملكية السعودية، سوف يحل محله سياسة تدخُل متهورة"، وذلك في إشارة إلى التركيز على الدور الذي سيلعبه محمد بن سلمان، والذي أصبح في وقتٍ مبكر من ذلك العام وليًا للعهد، ووزيرًا للدفاع وهو في الثلاثين من عمره.

اقرأ/ي أيضًا: تأسيس مملكة محمد بن سلمان "المتهوّرة".. الحكاية من أولها

وعلى غرار آمال والده المسنّ، الملك سلمان، كان محمد بن سلمان يريد أن تصبح المملكة العربية السعودية "قائدةً للعالم العربي" في ظل وجود سياسة خارجية مبنية على "قوة عسكرية صلبة"، وذلك حسب ما أشار إليه محللو وكالة الاستخبارات الخارجية الألمانية. وقد أشارت المذكرة أيضًا إلى أن تركُز الكثير من السلطات في يد أميرٍ شاب، هو أمرٌ "يُنذر بخطرٍ مستتر يتضمن السعي للوصول إلى عرش السعودية، بينما والده لا يزال على قيد الحياة، وليس من المستبعد أن يتجاوزه ويصل إلى مبتغاه"، بحسب ما جاء في المذكرة، التي أضافت أن "العلاقات مع الدول الصديقة في المنطقة، فضلًا عن الدول الحليفة منها، قد يشوبها الكثير من التوتر".

وقد حان الوقت لإتمام الأمر. فعلى الرغم من رفض الحكومة الألمانية آنذاك لهذه المذكرة، مدفوعةً بخوفها من تضرُر العلاقات الدبلوماسية والتجارية مع الرياض، إلا أن الأحداث الأخيرة أثبتت صحة الوضع التي تنبأت به وكالة الاستخبارات الخارجية الألمانية.

وبالنظر إلى الأحداث الأخيرة في منطقة الخليج العربي، فهل من الممكن أن يكون هناك تهوّرٌ أكثر من اعتقال 11 أميرًا من العائلة الملكية السعودية، من بينهم أحد أغنى أغنياء العالم وهو الوليد بن طلال، ووزير الحرس الوطني متعب بن عبدالله، والتحفظ عليهم في فندق ريتز كارلتون بتهم فساد؟ لا سيما أن من أمر بهذه الاعتقالات هو محمد بن سلمان، وبعد ساعاتٍ قليلة من تأسيس أبيه للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، وتعيينه رئيسًا لها كما العادة في تعيينه رئيسًا على كل شيء تقريبًا. 

ولا يمكن لابن سلمان بأي حال من الأحوال أن يكون مثالًا يُحتذى به في النزاهة والشفافية، فمن أين إذًا حصل ولي العهد على أكثر من 500 مليون دولار لشراء يختٍ فاخر أثناء قضاء إجازته في جنوب فرنسا العام الماضي؟

وهل يمكن وصف إجبار رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري على تقديم استقالته أثناء زيارته للسعودية، ثم وضعه قيد ما يشبه الإقامة الجبرية؛ بوصف آخر غير "التدخل"؟ وإن لم يكن ذلك تدخلًا، فما هو تفسير احتجاز رئيس اليمن عبدربه منصور هادي أيضًا؟ فوفقًا لتحقيق أجرته وكالة أسوشيتد برس، فإنّ "السعودية منعت الرئيس اليمني، وأبناءه  ووزراءه ومسؤوليه العسكريين من العودة إلى بلادهم منذ شهور".

إذًا تجرّأ ولي العهد السعودي ليس على اختطاف رئيس واحد فحسب، بل رئيسين، هذا إذا لم نحتسب وضعه لولي العهد السابق محمد بن نايف قيد الإقامة الجبرية. ولا تنم هذه التصرفات فقط عن سياسة "التدخل المتهور" التي ينتهجها، وإنما أيضًا عن الدعم الوقِح الذي يحظى به سلوكه المارق من قبل الحكومات الغربية.

لا يُمكن بأي حال من الأحوال أن يكون ابن سلمان مثالًا يحتذى به في النزاهة المالية، وإلا فما تفسير شرائه يختًا بنصف مليار دولار؟!

تخيل ماذا سيكون رد فعل المجتمع الدولي إذا أقدمت إيران على سبيل المثال باحتجاز رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي داخل الأراضي الإيرانية، بعد إرغامه على تقديم استقالته علنًا على قناة التلفاز الإيرانية الرسمية. ولكن، وجدنا الرئيس دونالد ترامب يخرج علينا مغردًا عبر حسابه على موقع تويتر، معبرًا عن دعمه لولي العهد السعودي ووالده، قائلًا: "لديّ ثقة كبيرة أن الملك سلمان وولي العهد السعودي يعرفون ماذا يفعلون بالضبط".

اقرأ/ي أيضًا: هل تصمد مزاعم محاربة الفساد أمام بذخ ابن سلمان وهدر المال العام؟

لم يكن موقف القادة الأوروبيين أكثر رزانةً من موقف الرئيس الأمريكي. فقد ثمّن الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، خلال زيارة مفاجئة للرياض الأسبوع الماضي، جهود محمد ابن سلمان في مساعيه نحو "انفتاح بلاده، ودعم الإسلام المعتدل"!

وفي الوقتِ نفسه، هل من المفترض أن نُسمِّي القطيعة بين دول الخليج، بتحريضٍ من السعودية، وبدعمٍ من الإمارات؛ بشيءٍ آخر غير "التجاوز"؟ -في إشارةٍ إلى محمد بن سلمان في مذكرة وكالة الاستخبارات الخارجية الألمانية- لقد اعتقد ولي العهد السعودي ومؤيدوه أن جارتهم قطر سوف تركع لهم خلال أسابيعٍ قليلة، إن لم يكن خلال أيام. إلا أنه قد مرت خمسة أشهر  ولايزال القطريون مُصِرّين على رفضهم للائحة الإملاءات السعودية الإماراتية، والتي تتضمن إغلاق شبكة الجزيرة الإخبارية، والتراجع عن علاقاتهم مع المنافسين الإقليميين الرئيسيين لمحمد بن سلمان: إيران وتركيا!

هناك الملف اليمني أيضًا، فبعد أكثر من عامين من بداية قصف أغنى دولة في الشرق الأوسط لأفقر دولة في الشرق الأوسط، لا يبدو أن هناك حلًا في الأفق. فقد انخرط محمد بن سلمان في هذا الصراع الكارثي المحتدم، أو ربما دُفع إليه دفعًا من قبل حاشيته أو مخططيه كابن زايد، ومن ثم دافع عن موقفه، ثم تصاعد الموقف.

ألم يكن الهجوم الصاروخي الذي شنه الحوثيون على الرياض -والذي وصفه ولي العهد السعودي بأنه عدوان عسكري مباشر من النظام الإيراني- دليلًا على الفشل الكامل للاستراتيجية العسكرية السعودية؟ أليس من المفترض أن يكون هؤلاء المتمردون الحوثيون قد قُهروا على يد سلاح الجو الملكي السعودي الآن؟ ولكن، على الرغم من ذلك، أصبح اليمن يعاني من أسوأ كارثة إنسانية في العالم، ثم أخيرًا يأمر ابن سلمان، وبشكل مخزٍ، غلق كافة معابر الدخول إلى البلاد، وذلك الأسبوع الماضي. 

بدايةً من لبنان ومرورًا بقطر وانتهاءً باليمن، فقد أثبت ولي العهد السعودي بما لا يترك مجالًا للشك، أنه يكاد يحول كل شيء يضع عليه يده إلى رماد وكل أمر يتدخل فيه إلى مصيبة بالغة التعقيد. 

ربما استخفت الحكومة الألمانية بمذكرة الاسختبارات، وبحجم الكوارث التي تنبأت بها. لكن اليوم قد يكون الأمر مُختلفًا. لقد تحققت نبوءة المذكرة. إلا أن هناك إضافة من أرض الواقع، وهي أن محمد بن سلمان ليس متهورًا فحسب، بل إنه حتى لا يتمتع بالكفاءة، وبالإضافة إلى أنه شديد التطلع بما يتنافى مع قدراته الخاصة، هو أيضًا شديد الاستهتار.

ابن سلمان ليس متهورًا فحسب، بل إنه حتى لا يتمتع بالكفاءة، وبالإضافة إلى تطلعاته المتنافية مع قدراته، فهو أيضًا شديد الاستهتار

كما أنه مفعم بمعاني القومية، وتواقًا إلى تحويل الحرب الباردة بين السعودية وإيران، التي طال أمدها، إلى حربٍ ساخنة، وليس لديه مانع من التحالف مع بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي من أجل الوصول إلى هذا الهدف. فإذا أصبح محمد بن سلمان "القائد القادم للعالم العربي"، فليكن الله في عون العرب. 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

ابن سلمان يقود "الانفتاح" في السعودية بسوط القمع والتخويف

لعبة السلطة في السعودية.. ابن سلمان "يكافح الفساد" بالفساد!