18-نوفمبر-2019

الصحافي السوري مصطفى عباس

ألترا صوت – فريق التحرير

يخصّص "ألترا صوت" هذه المساحة الأسبوعيّة، كلَّ إثنين، للعلاقة الشخصية مع الكتب والقراءة، لكونها تمضي بصاحبها إلى تشكيل تاريخٍ سريّ وسيرة رديفة، توازي في تأثيرها تجارب الحياة أو تتفوّق عليها. كتّاب وصحافيون وفنّانون يتناوبون في الحديث عن عالمٍ شديد الحميميّة، أبجديتُهُ الورق، ولغته الخيال.


مصطفى عباس صحافي من سوريا، تخرّج من كلية الإعلام في جامعة دمشق. عمل مراسلًا تلفزيونيًا في شمال سوريا وجنوب تركيا، حتى انتقاله إلى فرنسا نهاية عام 2015، إذْ بدأ العمل في المجال الثقافي، فكتب للعديد من الصحف والمواقع السورية والعربية.


  • ما الذي جاء بك إلى عالم الكتب؟

في الحقيقة، هي محاولة اكتساب المعارف والخبرات، والسفر عبر الأزمة والأمكنة، وما يسببه ذلك من متعة شخصية لي، والخروج من حالة الضياع التي كنت أعانيها في الجامعة، فضلًا عن الاطلاع على تجارب الكتاب، وتقييمها ونقدها. ذات مرة كتبت مقالًا عنونته "القراءة كتعويض عن الهزائم"، في هذا المقال كتبت أنني في السنة الثانية في كلية الإعلام بعد أن ضاقت بي الأرض بما رحبت، حيث بقيت في هذه السنة ثلاث سنين، لأسباب ذاتية وأخرى موضوعية، وكنت أعتقد أنني لن أتجاوز هذه السنة إلى السنة التي تليها، المهم لم أجد مخرجًا من تلك الحالة سوى القراءة، حيث بدأت مع كتب إبراهيم الفقي، ومفاتيح النجاح العشرة، وقوة التحكم بالذات، وبعدها كرت السبحة، فقرأت في تلك السنة 2006 كامل أعمال جبران خليل جبران، وبدأت بعيون الأدب العالمي من الأم لمكسيم غوركي إلى مدام بوفاري لغوستاف فلوبير، والغريب لأبير كامو وغيرهم الكثير، ومن ذلك الوقت بدأت علاقتي مع الكتاب، كمنقذ من الضياع، وأصبح لدي بشكل إجباري كتاب للقراءة، وأخرى تنتظر. حينها دأبت كل عام على انتظار معرض الكتب الذي تقيمه مكتبة الأسد في نهاية كل صيف، وفيه تطرح دور النشر الكتب بأسعار مخفضة، فكنت أوفر من مصروفي الشخصي طوال السنة، حتى أشتري كتبًا أقتات عليها إلى المعرض القادم للكتاب.

بقيت على هذه الحالة إلى أن اندلعت الثورة السورية عام 2011، في ظل الانتظار والترقب تراجعت معدلات قراءتي للكتب لتحل محلها المقالات والدراسات، وطبعًا منشورات الفيسبوك، لازمني هذا الوضع حتى نهاية عام 2015، حيث لم أقرأ طوال هذه المدة ما يزيد على عشرة كتب، وانتقلت إثرها للعيش كلاجئ في فرنسا، بعد أن خاب أملي بانتصار الثورة السورية، وهذه الهزيمة الثانية التي انتصرت عليها بالقراءة، التي استطعت عبرها هزيمة الفراغ القاتل، ولكن هذه المرة عبر الكتب الإلكترونية، وكانت البداية مع الكبير غسان كنفاني، حيث ذكّرتني رواياته التي تتكلم عن المأساة الفلسطينية بما يحدث في سوريا، فهناك تشابه شبه كامل بين المأساتين.

  • ما هو الكتاب، أو الكتب، الأكثر تأثيرًا في حياتك؟

كما قلت سابقًا، كان لكتب إبراهيم الفقي الفضل في إخراجي من حالة الضياع التي كنت أعيشها في كلية الإعلام بجامعة دمشق، كطالب متفوق في الثانوية، جاء إلى الجامعة بكثير من الآمال والأحلام الوردية ولكن خاب ظنه بها، ولم يجد فيها بغيته، وفي كل مرحلة هناك كتب تفتح أفقي على مواضيع جديدة، مثل الاستشراق لإدوارد سعيد الذي كان يتناول النظرة الغربية المسبقة لنا كعرب ومسلمين، ولكن الطامة الكبرى هي أننا بدل أن نعمل على تغيير هذه النظرة لنا، كرسناها!

  • من هو كاتبك المفضل، ولماذا أصبح كذلك؟

أيضًا ليس هناك كاتب مفضل على الدوام.. ولكن في كل موسم قرائي لدي كاتب أعتبره الأفضل ضمن من قرأت لهم، وشكلت كتبه إضافة معرفية لي، في هذه السنة أجد نفسي ممتناً كثيرًا للمفكر المغربي الكبير محمد عابد الجابري، وجهوده الكبيرة في نقد العقل العربي، حيث فتح عيوني عبر رباعيته: تكوين العقل العربي، وبنية العقل العربي، والعقل السياسي العربي، والعقل الأخلاقي العربي، على معارف ومعلومات كثيرة أغلبها جديد علي.

  • هل تكتب ملاحظات أو ملخصات لما تقرأه عادة؟

أنا بالأساس صحافي تلفزيوني، ولكن عندما عدت للقراءة آخر عام 2015، بدأت أكتب مراجعات وآراء نقدية حول الكتب التي أقرأها في العدد من الصحف السورية والعربية، وكتبت إلى الآن عشرات المراجعات والقراءات حول كتب من ألوان معرفية مختلفة، وأجد نفسي في هذا المجال، الذي أصفه، بمحاولة تثقيف ذاتي.

طبعًا أغلب الكتب التي أقرأها أجمع أهم أفكارها ومقتطفاتها في ملفات خاصة عبر خاصية الـ "screen shot" أعود إليها لكتابة مقالات عن بعض الكتب، والبعض الآخر أتركه كي أعود إليه في يوم من الأيام.

  • هل تغيّرت علاقتك مع الكتب بعد دخول الكتاب الإلكتروني؟

أنا من جيل فتح عيونه على الإعلام الإلكتروني، حيث كنت أقرأ الحياة والقدس العربي عبر الإنترنت، دون الحاجة إلى شرائها، فالقدس العربي كانت ممنوعة من الدخول إلى سوريا، والحياة كانت غالية علي كطالب، ولكن قراءة بعض مقالاتها عبر الإنترنت كانت أسهل وأرخص، فضلًا عن كثير من المواقع التي بدأت بالظهور في سوريا، وغطت على الصحافة التقليدية.

حقيقة العلاقة الوجدانية مع الكتاب شيء لا يمكن نسيانه، من لمس الورق إلى رائحته، فضلًا عن القراءة قبل النوم والنوم والكتاب في أيدينا، ولكن بعد انتقالي إلى فرنسا أصبح الكتاب الورقي شبه نادر، وأغلب الكتب المهمة متاحة عبر الإنترنت بصيغة "PDF"، ويمكن تحميلها مجانًا، في البداية وجدت صعوبة في قراءة الكتب الإلكترونية، ولكني استمرأتها شيئًا فشيئًا، حتى تعودت عليها، ومن ثم أحببتها، منذ بداية عام 2016 وأنا أقرأ في كل عام نحو ستين كتاب سنويًا، وكلها إلكترونية. الآن بت أضيق ذرعًا بالكتب الورقية الموجودة عندي، وهي لا تزيد عن أصابع اليد، كوني رحّالًا، في كل فترة انتقل من مكان إلى آخر، ومن مدينة إلى أخرى.

  • حدّثنا عن مكتبتك؟

مكتبتي في سوريا كانت نحو مائتي كتاب، كنت أعمل أثناء الجامعة وأوفر من مصروفي الشخصي كي أشتريها، ولكن بعد اقتحام النظام لمدينتي قدسيا، وخروجي من سوريا وخروج أغلب أهلي لم أعد أدري ماذا حل بها تمامًا، ما يعني أنني لن أستطيع ان أعود إلى هذه الكتب التي نسجت معها علاقة وجدانية، وكنت أدون عليها هوامشها بعض الملاحظات.

  • ما الكتاب الذي تقرأه في الوقت الحالي؟

أنهيت للتو كتاب عنوانه "سقوط مملكة الأسد" لديفيد دبليو ليش، هذا الكاتب الأمريكي يقول إنه كان قريبًا من بشار الأسد وكتب عنه كتابًا قبل الثورة السورية عنوانه "أسد دمشق الجديد"، ولكن بعد اندلاع الثورة خاب ظنه ببشار الأسد، ورأى أنه مثل أبيه، ولا يمكن أن يخرج عن هذا الخط، فهو حسب الكاتب قد سقط سواء استمر في السلطة أم لا.

 

اقرأ/ي أيضًا:

مكتبة أحمد إسماعيل

مكتبة فريد الزاهي