25-نوفمبر-2019

الكاتب والباحث محمد سامي الكيال

ألترا صوت – فريق التحرير

يخصّص "ألترا صوت" هذه المساحة الأسبوعيّة، كلَّ إثنين، للعلاقة الشخصية مع الكتب والقراءة، لكونها تمضي بصاحبها إلى تشكيل تاريخٍ سريّ وسيرة رديفة، توازي في تأثيرها تجارب الحياة أو تتفوّق عليها. كتّاب وصحافيون وفنّانون يتناوبون في الحديث عن عالمٍ شديد الحميميّة، أبجديتُهُ الورق، ولغته الخيال.


محمد سامي الكيال باحث من سوريا مقيم في برلين، متخصّص في قضايا التاريخ والثقافة السياسية وعلم الاجتماع. يكتب عمودًا أسبوعيًّا في جريدة القدس العربي.


  • ما الذي جاء بك إلى عالم الكتب؟

لا أذكر بالتحديد كيف بدأت علاقتي بالكتب، رغم أن منزل عائلتي لم يكن يحوي مكتبة كبيرة، ألا أنني كنت محاطًا دومًا بقصص الأطفال، التي كانت كثير من العائلات تقتنيها في التسعينات بوصفها أمرًا ضروريًا لتربية الأبناء بشكل حسن. لا زلت حتى اليوم أذكر تلك الكتب، التي غالبًا ما تأتي على هيئة سلاسل: "الناجحون" و"الخالدون" و"المكتبة الخضراء"، "حكايات الجاهل" الصادرة من الاتحاد السوفييتي. وكذلك مجموعة قصصية بعنوان "القرد الذي رفض أن يفقد ذيله". رواية مثيرة بعنوان "لنذهب إلى القمر!"، تتحدث عن مجموعة حيوانات تريد أن تصل إلى القمر قبل الروس والأمريكان. كل هذا كان ساحرًا بالنسبة لي لدرجة تفوق الوصف. أجمل من الحياة "الواقعية" ذاتها. تدريجيًا أصبح البحث عن قصة جميلة ومليئة بالخيال هاجسي الأول، فضلًا عن هذا بنيت علاقة حسيّة مع الكتب. كنت أحب شكل الكتاب وملمسه ورائحته. وأصبح حضوره المادي أساسيًّا للاستمتاع بمضمونه.

  • ما هو الكتاب، أو الكتب، الأكثر تأثيرًا في حياتك؟

الكتاب الأكثر تأثيرا في حياتي، حتى الآن، هو "علم الأخلاق" أو "الإيتيقيا" لباروخ سبينوزا. رغم أني لست متخصصًا في الفلسفة، إلا أن قراءاتي في تاريخ عصر التنوير قادني إلى الاطلاع على هذا الكتاب الثوري بكل المقاييس. بالطبع لم تكن قراءاتي له بريئة، بل متأثرة بتأويلات مفكرين مثل لويس ألتوسير وجيل دولوز وأنطونيو نيغري. لذلك يمكن اعتبار مجموع هذه الأعمال الكتب الأكثر تأثيرًا بي.

  • من هو كاتبك المفضل، ولماذا أصبح كذلك؟

من الصعب الإجابة على هذا السؤال، عندما يتعلق الأمر بما يسمى Sachbücher باللغة الألمانية، أي الكتب غير الأدبية، وهي أغلب ما أقرأه. يصبح التعلّق بكاتب معين أقرب لانحياز أيديولوجي. أبحث لدى الكتّاب الذين أقرأهم عن أفكار ومفاهيم مصوغة بعناية، وتعطي منظورًا جديدًا في معالجة القضايا التاريخية أو الثقافية أو السياسية التي أهتم بها. وبالتأكيد يوجد عدد كبير من الكتاب المبدعين والأذكياء في هذه المجالات.

بالنسبة للأدب فكاتبي المفضل هو سلمان رشدي، ليس فقط لكونه كاتبًا إشكاليًا، بل أيضًا لأسلوبه الواقعي السحري. ومنظوره المركب في تناول القضايا المعقدة التي يعالجها، وتعامله مع الأساطير والموروث الشعبي، دعك طبعًا من براعته في الكتابة للناشئين. "هارون وبحر الحكايا" وهي كتاب الناشئين التي قرأته كبيراً، هو بالفعل من أقرب الكتب إلى قلبي.

لا يمكنني أن أنسى محمود سالم صاحب سلسلة "المغامرون الخمسة"، وأحمد خالد توفيق كاتب سلسلة "ما وراء الطبيعة". قضيت طفولتي ومراهقتي وأنا أقرأ هذين الكاتبين المصريين، ولا زلت استمتع بقراءتهما حتى اليوم. أعتقد أنهما صنعاني بشكل من الأشكال، ولولاهما لكنت شخصاً آخر.

  • هل تكتب ملاحظات أو ملخصات لما تقرأه عادة؟

نادرًا ما أكتب الملاحظات والملخصات، أفضل الرجوع إلى الكتب نفسها، كي لا أظل أسير انطباعاتي الأولى عنها. عند إعادة الاطلاع على فصول من كتب قرأتها سابقًا أتوصل غالبًا إلى أفكار جديدة. طبعًا يمكن اعتبار المقالات التي أكتبها ملاحظات وتعليقات على ما أقرأ.

  • هل تغيّرت علاقتك مع الكتب بعد دخول الكتاب الإلكتروني؟

لم أتعامل حتى الآن مع الكتاب الإلكتروني بمعناه الدقيق، أي الملفات المخصصة للقراءة على أجهزة معينة مثل Kindle. أحمّل ملفات بصيغةPDF ، وهي صور للكتب الورقية وليست كتبًا إلكترونية. ما تغير نتيجة هذا هو أني فقدت علاقتي الحسية مع الكتب التي ذكرتها سابقًا. إلا أن هنالك نمطًا آخر من القراءة الإلكترونية لا غنى عنه في عملي بوصفي كاتبًا صحافيًا، وهي القراءة السريعة للمقالات والتحليلات والأخبار. يمتصّ هذا النوع من القراءة أكثر من نصف وقتي حاليًا، كي أبقى على اطلاع على آخر المستجدات والنقاشات. اعتبر الناقد الثقافي البريطاني آلان كيربي هذا من أعراض "الحداثة الزائفة" أو الرقمية. فالمرء لم يعد يقرأ ويستمع ويشاهد بقدر ما ينقر ويحمّل ويعلق. إلا أن هذا جانب من شرطنا الثقافي المعاصر. لا يمكن تخطيه.

  • حدّثنا عن مكتبتك؟

حاليًا لا أملك مكتبة. ما أقرأه إما ملفات رقمية مخزّنة على جهاز "التابلت" الذي أملكه. أو كتب أشتريها أو استعيرها، لم تصل بعد لمرحلة أن تشكّل "مكتبة". كنت أملك مكتبة عامرة في سوريا. تركتها مضطرًا لـ"نقد الفئران القاسي" حسب تعبير كارل ماركس وفريدك إنجلز.

  • ما الكتاب الذي تقرأه في الوقت الحالي؟

أقرأ حاليًا كتابًا باللغة الألمانية بعنوان "صيف النظرية الطويل"، لفيليب فيلش، وهو باحث متخصص بما يسمى في السياق الألماني Ideengeschichte، أي تاريخ نشوء وتطور الأفكار والمفاهيم. يتحدث الكتاب عن انتشار الفلسفات والأيديولوجيات في برلين الغربية منذ الستينيات، من خلال متابعة مسيرة دار نشر   Merveالمتخصصة بـ"النظرية". وسيرة حياة مؤسسها، وعلاقته بمثقفي عصره. كيف غيّر ديدان الكتب هؤلاء وجه المدينة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

مكتبة مصطفى عباس

مكتبة أحمد إسماعيل