14-ديسمبر-2020

الشاعرة كارول صنصور

ألترا صوت – فريق التحرير

يخصّص "ألترا صوت" هذه المساحة الأسبوعيّة، كلَّ إثنين، للعلاقة الشخصية مع الكتب والقراءة، لكونها تمضي بصاحبها إلى تشكيل تاريخٍ سريّ وسيرة رديفة، توازي في تأثيرها تجارب الحياة أو تتفوّق عليها. كتّاب وصحافيون وفنّانون يتناوبون في الحديث عن عالمٍ شديد الحميميّة، أبجديتُهُ الورق، ولغته الخيال.


كارول صنصور شاعرة فلسطينية ولدت في القدس، وقد ظهر كتابها الأول "في المشمش" في طبعة ثلاثية اللغات في عام 2019. عملت وتعمل في مشاريع ومهن متعددة ومختلفة المجالات، لكنها ترى نفسها كمحرضة ثقافية واجتماعية مهتمة بالهويات ما بعد الوطنية والجندر والدين. تقييم الآن في أثينا.


●     ما الذي جاء بكِ إلى عالم الكتب؟

الغربة. الإحساس العميق بالتوهان. البحث المستمر عن المعنى والجدوى. أعتقد أن هذه هي الأسباب التي جاءت بي إلى عالم الكتب. لكن بالطبع هذه إجابات وأسباب الآن فقط أستطيع أن أنطق بها. فوقتما لجأت إلى القراءة لم أكن أعي أيًا من هذه الحالات. في الحقيقة دخلت عالم الكتب والقراءة بصورة حقيقية في سن متأخرة (أو هكذا أعتقد) وكان هذا عندما خبرت غربتي الأولى في سن التاسعة عشرة، وعند عودتي وإلى فلسطين بعد ثلاث سنوات أمريكية بامتياز. وقتها التزمت غرفتي لأيام طوال لم أرغب خلالها في التفاعل مع محيطي الذي كان يبدو غريبًا جدًا. وكانت الكتب طائرًا عملاقًا يأخذني في رحلات بعيدة إلى أماكن لم أكن أعرف بوجودها أصلًا. فكنت أحلق بدهشة وفرح الأطفال وقت الأعياد ورعب واستسلام الكلاب وقت العواصف الرعدية.

لكن ذاكرتي الأولى لعالم الكتاب تأتي من عند أمي. أمي التى لم أرها تقرأ أبدًا إلا في حمامها هربًا من مسؤولياتها اليومية تجاه زوجها وأولادها الأربعة. كانت مكتبتها الصغيرة جدًا مملوءة بكتب السياسة والتاريخ والأدب. أمي ذات الرأي الواثق والروح المشاكسة لها الفضل الأكبر في منحي هدية عالم القراءة والكتب.

●     ما هو الكتاب، أو الكتب، الأكثر تأثيرًا في حياتكِ؟

لا علم لي ما هي الكتب الأكثر تأثيرًا في حياتي. وقد يكون من غير المنصف تحديد كتاب بعينه وإعطائه صفة الأكثر تأثيرًا. أشعر بأنني تحث تأثير كل ما قرأت من كتب، العاطل منها والجيد. فمثلًا وبحكم كوني ولدت لعائلة عربية مسيحية في فلسطين تعرضت وبدون أن يتم استشارتي للكثير من نصوص القرآن والإنجيل، ولا شك أني تأثرت بها أكبر تأثير - وماذا نكون نحن غير نتاج وتراكم كل ما نتعرض له ويتعرض لنا؟ لكن هنالك كُتاب كان لهم تأثير واضح في حياتي، منهم: غسان كنفاني، نوال السعداوي، الصادق النيهوم، جان جينيه، عبد الرحمن منيف.

●     من هو كاتبكِ المفضل، ولماذا أصبح كذلك؟

سؤال آخر يصعب الإجابة عنه. أعتقد أني وإن كنت أفضل كتابًا على آخرين بحكم الأسلوب وملكة تطويع اللغة والخيال، إلا أني لا أرى الشخص خلف النصوص لكني أختبر النصوص وأستلذ بها وتصبح هي البطلة الأولى والأخيرة. إلا انه علي الاعتراف أني أموت وأتعرف إلى كاتب أو كاتبة نص نشيد الأنشاد. أعتقد أنه وحده قد يؤهل إلى درجة المفضل. من يستطيع كتابة هكذا نص في يومنا هذا؟

ليتكَ كاخ لي الراضع ثديي امي فاجدك في الخارج واقبلك ولا يخزونني.

واقودك وادخل بك بيت امي وهي تعلمني فاسقيك من الخمر الممزوجة من سلًاف رماني.

شمالهُ تحت راسي ويمينه تعانقني.

●     هل تكتبين ملاحظات أو ملخصات لما تقرئينه عادة؟

أبدًا. لا أجد حاجة لكتابة ملاحظات أو ملخصات. أنا أقرأ وأخزن بداخلي الشعور الذي ينتابني وقت القراءة فقط. غير أني أقرأ كفعل متعة لا أريد تحويله إلى عمل شاق. الكتابة عندي عمل شاق في أغلب الأحيان حتى على مستوى كتابة الملاحظات. والواقع أن الدقيقة التي أسجل فيها ملاحظات تكون كأنها الدقيقة التي أضغط فيها زر الحذف في ملف العاطفة والإحساس. فأفقد الشعور تمامًا وأنا أرى الكلمات تسجل ما يجول بخاطري.

●     هل تغيّرت علاقتك مع الكتب بعد دخول الكتاب الإلكتروني؟

يا ليت! أجدني عالقة في حكاية غرام فاشلة مع الورق والكرتون والأحبار. الرائحة ما زالت تشدني وأراني أستسلم كل مرة. هذا إضافة إلى أني لا اعرف ماذا أفعل كلما انتهيت من قراءة كتاب سيئ. ما زال قلبي لا يسمح لي بالتخلي عنه ويجبرني على مواصلة اقتنائه. من يبقي على مشاريع حب فاشلة غير المجانين؟ أمراض بودي التخلص منها ولو جزئيًا. وعليه أصبحت أغار أكثر من هؤلاء الذين انتقلوا الى عالم التكنولوجيا.

●     حدّثينا عن مكتبتك؟

لم أنتبه لوجود مكتبة خاصة بي أحبها ومتعلقة بها إلا بعد أن اضطررت يومًا إلى ترك منزلنا أنا وعائلتي الصغيرة هربًا من رصاصات الاحتلال الإسرائيلي في مطلع الألفية الثانية. في مخبئنا الذي مكثنا فيه أسبوعًا أو أكثر بقليل، لم يشغلني أو يقلقني غير احتمال عبث الجنود بمحتويات مكتبتي من كتب وموسوعات وموسيقى وصور. لحسن الحظ سلم بيتنا ومكتبتي من العبث حينها.

بعدها بسبع سنوات انتقلت للعمل والعيش بالصحراء-أبو ظبي. خلال سنوات غربتي هذه وعلى الرغم من أنني بنيت مكتبة جديدة هناك، إلا أنني كنت أحمل الكتب التي قرأت وأحببت لأجلبها كهدايا لمكتبتي الفلسطينية في كل زيارة. أعتقد أن هذا كان بدافع معرفة بديهية أن الإمارات مكان مؤقت لا يعول عليه، ولكون فلسطين، وبيتنا بالتحديد، المكان المرجع حتى وإن كنت لا أعود إليه بالشكل الذي أرغب.

الان وبعد سنتين من حياتي الجديدة في اليونان، أبني مكتبة جديدة أخرى ولا ينتابني شعور بالخوف من فقدانها أو الحاجة لنقل كل ما هو جميل فيها إلى فلسطين. رغم أنه عليّ البوح بأني أشتاق لمكتبتي الفلسطينية ولا أزال أعتبرها "البيت الاول" ولن يوجد لها بديل.

●     ما الكتاب الذي تقرئينه في الوقت الحالي؟

بجانب سريري (حيث أقرأ بالعادة) ثلاثة كتب أقرأ فيها ببطء غير مسبوق. Song of Solomon لتوني موريسون، The Parisian لإيزابيلا حمّاد و"غرفة المسافرين" لعزت القمحاوي. ليس من عادتي أن أقرأ أكثر من كتاب في آن واحد. لكن أعتقد دخولنا في الشهر الثاني من الحجر الصحي في أثينا يجعلني أقل تركيزًا وبلا قدرة كافية على الاستمتاع بنص واحد. فأنا بحاجة مستمرة للالتهاء.

 

اقرأ/ي أيضًا:

مكتبة علي فائز

مكتبة أماني أبو صبح