07-ديسمبر-2020

الكاتب علي فائز

ألترا صوت – فريق التحرير

يخصّص "ألترا صوت" هذه المساحة الأسبوعيّة، كلَّ إثنين، للعلاقة الشخصية مع الكتب والقراءة، لكونها تمضي بصاحبها إلى تشكيل تاريخٍ سريّ وسيرة رديفة، توازي في تأثيرها تجارب الحياة أو تتفوّق عليها. كتّاب وصحافيون وفنّانون يتناوبون في الحديث عن عالمٍ شديد الحميميّة، أبجديتُهُ الورق، ولغته الخيال.


علي فائز كاتب وباحث من العراق. خريج كلية العلوم السياسية في جامعة الكوفة، وحاليًا طالب في مرحلة الدراسات العليا (الماجستير). ينشر المقالات الأدبية والسياسية في عدة منابر.


  • ما الذي جاء بك إلى عالم الكتب؟

كانت في منزلنا، مكتبة صغيرة الحجم، تحتوي رفوفها على كتب التاريخ والسيرة والدين، بالإضافة إلى الشعر، لذلك كانت علاقتي بالكتب في بادئ الأمر سيئة إذ أخذتُ أقرأ الكتب التي لا تتلاءم مع مرحلة الطفولة.

لذلك غالبًا ما كنت أقرأ وأسأل عن معاني الكلمات وتفسير بعض الأفكار، وكانت والدتي هي من تتولى هذا الدور في الغالب، ونتيجة لهذا الحب للكتاب أخذت تشتري لي الكتب، خصوصًا عندما نسافر إلى المدن التي تحتوي على سوق كبير للكتب مثل النجف وبغداد، أما في مرحلة الشباب فتغير الوضع، صارت لي استراتيجية خاصة باختيار الكتب وصرت أنا من أهدي الكتب لوالدتي، وكل من في البيت، وحتى أصدقائي حينما تحصل لهم مناسبة فإن هديتي لهم هي الكتاب دائمًا.

  • ما هو الكتاب، أو الكتب، الأكثر تأثيرًا في حياتك؟

ما دام الإنسان يقرأ الكتب فإنها تترك أثرًا كبيرًا في حياته، ولا يكاد يجزم أي من الكتب قد ترك ذلك الأثر الكبير ولماذا.. لكن نستطيع القول إن الكتب التي شكلت مراحل وعينا الأول ونقلتنا من حالة الفكر المنغلق إلى جنة الوعي وبناء الذات هي التي كانت تمتلك الأثر الأكبر، بصرف النظر عن كيفية تقيمنا لها الآن، مثل كتابات سورين كيركغار، وسارتر، وفوكو، وفروم، وتشومسكي وجبران وشريعتي وفودة ومصطفى حجازي ومالك بن نبي... والقائمة تطول، فهؤلاء كان لهم الفضل في نقلي من حالة الركود والانغلاق إلى عالم أكثر رحابة.

ثمة عبارة غالبًا ما يكتبها القراء في أول مسيرتهم في هذا العالم "هذا أعظم كتابٌ قرأته في حياتي"، هذه العبارة تبقى مستمرة عندهم إلى أن يكتشفوا أن هذا الكتاب الأعظم غالبًا ما يخسر عظمته في نهاية الأمر، فربما الكتاب الذي يتركُ الأثر الأكبر في حياتنا لم يكتب بعد.

  • من هو كاتبك المفضل، ولماذا أصبح كذلك؟

لا يوجد كتاب محدد بعينه، لكن بصورة عامة إن الكتاب الذي يثير دفائن العقول ويخلق الشك في المسلمات ويحاول هدم البنى والأسس المتوارثة التي نرتكز عليها، ويحاول أن يأخذ بيد الإنسان ويجعله سيدًا لحياته صانعًا لأقداره وليس ظلًا للآخرين، يكسّر البحر المتجمد فينا حسب تعبير كافكا، هو من يستحق أن نضعه في خانة التفضيل، عكس الكتاب الذي يريد صاحبه أن يسير العالم حسب رأيه وفلسفته الخاصة، وبالتالي يصنع جماهير متطرفة دوغمائية تحررت من قيد وسقطت في آخر.

  • هل تكتب ملاحظات أو ملخصات لما تقرأه عادة؟

نعم، لا يوجد كتاب أقرأه إلا ودفتر الملاحظات قربي، لكن ثمة كتب لا تستحق أن تدون لأجلها الملاحظات فأقراها أول مرة ولا أعود إليها مرة أخرى، أضع دفترًا كبيرًا للكتب السياسية والتاريخية والاجتماعية، أما كتب الأدب والتي قليلًا ما أقرأها فهناك دفتر متوسط الحجم أكتب فيه بعض الاقتباسات والالتفات، التي أحتاج أن أرجع إليها لغرض كتاب المراجعات التي أنشرها في الصحف والمواقع.

كما أنني أمتلك سبورة قرب المكتبة أكتب فيها النصوص التي تستحق أن تحفظ فيجري محوها بعد أن تكتب في الذاكرة.

  • هل تغيّرت علاقتك مع الكتب بعد دخول الكتاب الإلكتروني؟

نعم تغيرت؛ بسبب غلاء أسعار الكتب، بالإضافة إلى أن هناك كتبًا لا تتوفر إلا إلكترونيًا وهي في غاية الأهمية، كما إنَّ بعض الكتب، خصوصًا في مجال الادب، أفضل أن اقرأها إلكترونيًا لأنها لا تأخذ كثيرًا من الوقت، ولدي قاعدة اتبعها في عالم القراءة: كل كتاب لا تتجاوز صفحاته الـ 150 صفحة أقرأه إلكترونيًا لسهولة الرجوع اليه وكتابة مراجعة حوله.

أما الكتب الضخمة والغنية بالأفكار فغالبًا ما أندم على قراءتها بهذا الشكل. أذكر أحد الأصدقاء أرسل لي كتاب "الطائفة، الطائفية، الطوائف المتخيلة" للمفكر العربي عزمي بشارة، وعلى الرغم من أنني قرأته إلكترونيًا وكتبتُ عنه مراجعة فيما يخص الفصل الذي يتناول فيه العراق، إلا أنني ندمت كثيرًا لقراءته بهذه الصيغة؛ لأنني أحتاج أن أرجع الى بعض الأفكار بين فترة وأخرى. نعم أذكر الأفكار لكن لا أذكر النص بالضبط حتى أتمكن من توظيفه في مقال أو دراسة، بينما لو أنني قرأته ورقيًا فان خطًا واحدًا تحت النص أو تهميشة صغيرة تغنيني عن الكثير من متاعب البحث الإلكتروني، فالكتاب مكون من 928 صفحة.

هذا بالإضافة إلى أن البيت الذي يخلو من المكتبة الورقية، لا روح فيه، تمنى بورخيس الجنة على شكل مكتبة ضخمة، فلماذا لا نصنع هذه الجنة في بيوتنا. تلك الجنة التي تمنحنا السكينة والطمأنينة في هذا العالم القلق.

لذلك أفضل قراءة الكتب الورقية فقراءة الكتاب من وراء شاشة الحاسوب أو الموبايل "أشبه بالقبلة من وراء الزجاج" لا روح فيها.. كما نني أؤمن أن خير ميراث للإنسان هو الكتب، لذلك أحرص على بناء مكتبة ضخمة يرثها من بعدي أبنائي، فكل كتاب أقرأه أكتب في صفحته الأولى "إهداء إلى ابني الصغير جبران".

  • حدّثنا عن مكتبتك؟

سابقًا كانت مكتبتي يغلب عليها الطابع الأدبي روايات ومجموعات قصصية وشِعرية، أما الأن فقد تغيرت وأصبحت مكتبة تتصدر فيها الكتب السياسية والاجتماعية والفلسفية، بالإضافة إلى الدراسات الحديثة، كما وضعت خانة خاصة بالأرشيف للمجلات والكتب التي كانت تصدر في زمن الديكتاتورية لأنني أحتاجها في الدراسات المستقبلية.

هذا التحول الذي أجريته في المكتبة دافعه واقعنا السياسي الذي يحتاج إلى وعيٌ خاص يحرر الناس من الاستحمار والاستعباد باسم الدين والمقدس، خصوصًا في مجتمعنا الذي هو حديث الانعتاق من السلطة الشمولية والوصاية الدينية، وأنا هنا لا أدعو إلى قطيعة مع الكتب الأدبية، بل على العكس، لكن الواقع الراهن يختلف تمامًا ويحتاج أن نفتح عيوننا ونشخّص المشكلة والمأزق الذي نحن فيه. المستبد الديني والسياسي لا يخاف منك حينما تقرأ آلاف الروايات والنصوص الشعرية. لذلك حينما نقرأ التاريخ نجد أن الشعر والأدب بصورة عامة قد ازدهر في ظل سلطة ظالمة تقدر أن توظف الشعر لصالحها، وكان الشاعر لسان حال الدكتاتور يمدحه ويجعل الناس تعيش في عالم التخيلات والأحلام، فهناك دائمًا شعراء السلطان وكتاب الأمراء وشعراء التكسب، ونجد في ذات الوقت أنَّ الفلاسفة والمفكرين يتعرضون إلى النفي والتنكيل وسلخ الجلد. إنهم يخشون من العقل المفكر فحسب فهو الذي يهدد عروشهم، يقول الدكتور علي الوردي "إذا انتشر الوعي السياسي في المجتمع فمن الصعب السيطرة عليه بالمعاذير الشرعية أو الحجج المنطقية".

لذلك حينما اضع جدولًا للقراءة تكون حصة الأدب فيه كتابًا واحدًا فقط، وآخر ما أضيف إلى مكتبتي كتاب "ماذا علينا أن نفعل؟" لعالم الاجتماع علي شريعتي، وكتاب "الفقيه الفضائي" للغذامي، و"مدخل إلى الأيديولوجيات السياسية" لأندرو هيود.

  • ما الكتاب الذي تقرأه في الوقت الحالي؟

أقرأ كتاب "مدخل الى العلاقات الدولية" للدكتور سعد حقي توفيق، وهو من الكتب المهمة وقد درسته في المرحلة الأولى في الجامعة، ولكن الآن أعيده بقراءة مركزة لأنّ فهم التاريخ يعطي نسبة كبيرة لفهم الحاضر، كما أقرأ في الوقت نفسه كتاب "الخاكية" لعباس خضر، وفيه يفتح خضر أوراق الجريمة الثقافية في العراق، وفيه يتكلم عن أدب ولد من رحم الحرب، وساير المؤسسة ومثّل مضامينها. إنه من الكتب المهمة وأهميته تتجلى في أن الأدباء الذين أشار إليهم خضر قد نزعوا جلودهم القديمة وسايروا المؤسسة السياسية التي تشكلت بعد 2003، والتي أوغلت في الخراب وتحطيم كل شيء، فلا تزال تلك المؤسسات الثقافية في ظل السلطة الجديدة يقودها المتملقون وأنصاف المثقفين أصحاب الضمائر المعطوبة، والذين هم بحاجة الى من يعريهم ويكشف حقيقتهم في كل مرحلة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

مكتبة أماني أبو صبح

مكتبة علاء الدين شهاب