24-مايو-2020

"الأغنية الشعبية الفلسطينية" (ألترا صوت)

تُعنى هذه الزاوية باستعادة كتاب من الكتب الفلسطينية، على اختلاف أنواعها، بهدف إعادته إلى حيز التداول من جديد، ذلك لأنّ الكتب لا تتقادم، ولأنّ معرفة فلسطين ضرورية في يومنا هذا أكثر من أي وقت آخر.


إن ممارسات الاحتلال الصهيوني لفلسطين لا تقتصر فقط على سرقة الأرض وتشريد سكانها ومطاردتهم وأسرهم وتعذيبهم، بل تتعدى ذلك إلى سرقة كل ما له علاقة بالشعب الفلسطيني، فلا عَجب أن نجد مطعمًا في أوروبا يقدم ساندويشات الفلافل وطبق الحُمّص على أنه طعامٌ "إسرائيلي"، وهذا يمتدُ أيضًا إلى مختلف أنواع الإرث الثقافي الفلسطيني.

يحاول الاحتلال دائمًا طمس أي شيء له علاقة بتأكيد وجود الفلسطينين على الأرض، ومثلما سرق الأرض، يسرق الفن والأغاني والأزياء الشعبية في محاولة لخلق تاريخ وحضارة لشعبٍ احتل أرضًا لشعبٍ له تاريخٌ وإرثٌ وثقافة.

وتعتبر الأغاني الشعبية مكونًا أساسيًّا من ثقافات الشعوب المُختلفة، وفي حالة فلسطين، تتخذ بُعدًا آخر مقارنة بالشعوب الأخرى، فهي عدا عن كونها وسيلة تعبير عن عادات وتقاليد الناس، فقد سجلت الأغاني الشعبية قصصًا عن بطولات هذا الشعب ومآسيه في ذات الوقت.

يضع المؤلف حسن الباش الأغنية الشعبية الفلسطينية كأحد أهم مكونات الهوية الثقافية للشعب الفلسطيني، ففي كتابه المعنون "الأغنية الشعبية الفلسطينية – تراث وتاريخ وفن"، الصادر عام 1979 عن دار الجليل في دمشق، يطرح تساؤلات عديدة عن أصل هذه الأغاني والفروقات بين الميجانا والعتابا والشروقيات والمطلوع وغيرها من الأشكال المختلفة للأغاني، بلإضافة إلى دراستها كفن شعبي له طابع مميز.

ملامح الأغنية الشعبية الفلسطينية

كأي فنٍّ شعبي آخر، تعتبر الأغاني وليدة المجتمع والبيئة المحيطة فيها، وما يميزها عن غيرها من الفنون هو غنائيتها الدائمة، بالإضافة إلى أن هذه الأغاني قد استُخدمت في كافة المناسبات الاجتماعية، فنجد أغاني عن الفخر والمديح والغزل والهجاء والنضال، كما أنها لا تنفصل أبدًا عن الشعر، بل تشترك معه في بنائها العَروضي، وسنرى تعدد البحور التي بُنيت عليها هذه الأغاني باختلاف أصلها وطريقة غنائها.

لا يُمكننا فصل الموروث الثقافي والاجتماعي الفلسطيني عن محيطه العربي، وبالتحديد منطقة بلاد الشام، إذ نجد هناك تداخلات وتشابكات متعددة بين شتى أنواع الفنون على امتداد الرقعة الجغرافية لتلك المنطقة، لكن ما يميّز الأغنية الفلسطينية، كما يشير الباش، هو التحول الذي طرأ بعد العام 1917. فمن بساطة العيش وعمله في الأرض وقرب الشجر، صار الفلسطيني مهددًا بالتشرد والضياع وفقدان كل ما هو عزيز، مما انعكس على تعابيره ومفرداته وعاداته وتقاليده.

وأولُّ ما يميز الأغاني الفلسطينية هو الحنين المتدفق للأرض والوطن، وهي صفة تزايد وجودها وحضورها بعد النكبة، ويُلاحظ أن هذا الحنين للأرض موجود بشكل كبير في الأغاني الخاصة بالأعراس وأغاني الجنازات.

ربما لا يوجد شعب على هذه الأرض لا يزال يودّع شهداءه بالزغاريد والغناء سوى الشعب الفلسطيني، ومثلما قال إبراهيم نصرالله في روايته أعراس آمنة: "إن الذي يُجبرنا على أن نزغرد في جنازات شهدائنا هو ذلك الذي قتلهم، نزغرد حتى لا نجعله يحس لحظة أنه هزمنا وإن عِشنا، سأذكُّرك أننا سنبكي كثيرًا بعد أن نتحرر".

وكمّا عبرّت الأغنية الشعبية عن الحنين للوطن، فقد كان أيضًا من أهم ميزاتها بأنها أغنية وطنية عابرة للقرية والبلدة والمدينة، فقد رددها الناس من رأس الناقورة  إلى رفح، ويذكرنا التاريخ بالأغنية الشهيرة "من سجن عكّا طلعت جنازة" كمثال على أغنية شعبية فلسطينية عابرة للمدن.

وتميزت الأغاني الفلسطينية الشعبية أيضًا بتنوع ألوانها وصنوفها، مثل الشروقيات والعتابا والمطلوع وأغاني الزفّة والدبكة، وهي كما أي فن شعبي، تتغير وفق الظروف المحيطة به، فقد شهدت الأغاني مضامين جديدة جعلتها تتردد على ألسنة الطفل والمرأة والشاب والعجوز.

ومن الجدير بالذكر أيضًا، أن الأغنية الشعبية الفلسطينية قد وحدّت بين الديانات الثلاث، ولم تميز بين أتباع دين معين عن غيرهم، وكأنما خلقت للفلسطينين في شتى بقاع الأرض مفهومًا جديدًا لوحدتهم.

 تنوع الأغنية الشعبية الفلسطينية

يُشير الباش إلى أن التراث الفلسطيني قد أغنى الأغنية الشعبية بمضامين وأشكال تتميز عن بعضها البعض، وقد قسّمها حسب نوعها أو لونها، فسنجد أن المووايل تُقسم إلى قسمين رئيسيين؛ العتابا والميجانا،  والموال هو بيتان فقط يحكيان خاطرة أو حكمة ما، وعلى الرغم من تشابههما – العتابا والميجانا - من حيث السير على الأبحر الشعرية الموزونة، فإن هناك فروقات أساسية بينها، وكل موال لا يتصف بهذه الصفات يُسمى موالًا مكسورًا.

تقوم العتابا على بحر الوافر، ومن شروطه أن تنتهي آخر كلمة في الشطر الأخير بحرف الباء الساكن، وكل بيت لا يرد على هذا النحو فهو ليسَ من العتابا. كما تتميز العتابا عن الميجانا بوجود المد والتسكين في أحرف أبياتها، وهي تتلازم والموسيقى التي ترافقها وطريقة تتأديتها، فالتسكين في الأحرف يعتبر وقفة موسيقية لتعطي السامعين بعض الحماس والتوتر لما سيقوله المغني بعدها. ومن أهم القواعد التي تتضح في العتابا هي التلاعب اللفظي في الكلمات، فيلاحظ استخدام الجناس استخدامًا واسعًا في كل المووايل التي تتخذ شكل العتابا.

أمّا الميجانا، فتقوم على بحر الرجز، ويجب أن تلتزم التزامًا تامًا به، أمّا نهاية الشطر الثاني، فيجب أن تكون الكلمة منتهية بحرف النون مع الألف الممدودة، ويورد الباش بأن موال الميجانا أثقل سماعًا من العتابا ويعزو ذلك إلى طبيعة البحر الذي تقوم عليه الأبيات، بالإضافة إلى أنها تعتمد أحرف القطع دون مد كبير فيها بعكس العتابا الذي يلتزم المدّ فيه.

وقد استُخدمت العتابا والميجانا للتعبير عن مختلف أنواع المشاعر، ويفصل الباش في كتابه ما بين المووايل التي كانت شائعة ما قبل عام النكبة ومابعدها، فكان للغزل نصيبٌ وافر من العتابا والميجانا ولا سيما الغزل العام، حيث يذكر بأن العادات والتقاليد كانت تُحرّم على الرجل الاعتراف بحبه وإبرازه بصراحةً والإشارة لمن يحب، بالإضافة إلى أن المرأة كانت ممنوعة من التعبير عن مشاعرها.

وكان للمووايل التي تفخر بالأرض انتشارٌ كبير، الأمر الذي يدل على تعلّق الفلسطيني بأرضه التي يعمل بها، والكثير من المووايل تحتوي على كلمات تشير إلى تفضيل فلسطين عن أي مكانٍ آخر على هذه الأرض.

وقد شهدت هذه المووايل تحولًا في المضمون بعد النكبة كما يذكر الباش، فنرى موالًا يحكي قصة وعد بلفور بقوله:

وعد بلفور هالمشؤوم جاير                        

على الرهبان والإسلام جاير

تناسى العدل وأضحى الظلم جاير         

ملوك الغرب ما فيها حساب

كما أرّخ الموال الشعبي لأحداث النكبة وهزيمة الجيوش العربية، وآمال الشعب الفلسطيني في التحرير، بالإضافة إلى وداعيات الشهداء عبر الزمن، ومع الوقت، اتسعت مضامين هذه المووايل لتعبر عن مختلف الهموم التي يعيشها الإنسان الفلسطيني تحت الاحتلال.

الشروقيات

هي القصائد الشعبية الطويلة، وتؤدى في الأعراس والاحتفالات العامّة والجلسات القروية، وتأتي في المقام الثاني بعد الموال من حيث انتشارها وعدد مؤديها. وتمتاز هذه القصائد بأنها تروي قصة معينة لها أحداثها وتاريخها وتستمد من الشعر العربي التقليدي شكلها ومضمونها.

وكما للعتابا والميجانا شروطهما، فإن للشروقيات ثلاث قواعد أساسية يجب أن تتوافر فيها؛ أولها أن تحتوي القصيدة على أبيات عديدة، وثانيها أن تلتزم بحرًا معينًا من الأبحر الشعرية المعروفة، وثالثها أن تمثل قصة أو حكاية شعبية تُروى من خلال هذه القصيدة.

ويُلاحظ في الشروقيات أنها عادةً ما تبدأ بأن يُنبه المؤدي/ المغني السامعين لما سيقوله، مثل استخدام "أبديت أشرح لكم وأخبركم.."، أو من خلال استخدام أسلوب المناجاة للليل أو النسيم أو الحرية كما في قصيدة الثائر عوض "يا ليل خلّي الأسير تايكمل نواحو".

لقد طغت الصبغة الثورية والنضالية على معظم الشروقيات المتداولة في فلسطين، وقد نُظم العديد منها على لسان الثوار لوصف معركة خاضوها مع الإنجليز أو العصابات الصهيونية فيما بعد، ونذكر على سبيل المثال القصيدة التي خلّدت قصة أبو كباري مع الإنجليز وقصيدة الثائر عوض التي خطّها على جدار زنزانته باستخدام الفحم قبل موعد إعدامه بليلة واحدة، ومنها هذه الأبيات:

يا ليل خلّي الأسير تايكمل نواحو         

رايح يفيق الفجر ويرفرف جناحو

يا حيف كيف انقضت بإيدك ساعاتي      

وشمل الحبايب ضاع وتكسرو قداحو

 

لا تظن دمعي خوف.. دمعي عأوطاني

وعكمشة زغاليل بالبيت جوعانة

مين راح يطعمها بعدي وإخواني

اثنين قبلي شباب ع المشنقة راحو

 

ظنيت إلنا كبار تمشي وراها رجال

تخسى الكبار إن كان هيك الكبار أنذال

والله إللي ع روسهم ماتصلحنا نعال

إحنا إللي نحمي الوطن ونبوس جراحو

وقد اختلف البعض على وصف الشروقيات بالشعبية كونه معروفٌ من نظمها، لكن الباش يؤكد أن انتقال هذه القصيدة من مجرد كلمات على ورق ليتم غنائها وترديدها من قبل الجميع من شمال فلسطين إلى جنوبها، يضيف عليها صفة الشعبية، إذ أنها تؤدى في العديد من المناسبات، وفي بعض الأحيان يُنسى ناظمها الأصلي وتبقى متداولة على مر الزمن.

التحداية

تُعتبر التحداية جزءًا مهمًا من احتفالات الزفاف في فلسطين، ولها أوقات معينة وترتيبات معينة خلال الحفل، حيث يصطف الرجال صفّين ويؤدون نوعًا من الدبكة سهل الحركة وسريعة، يتكاتفون يمينًا ويسارًا ويأخذ أحدهم في الغناء، وفي الصف الآخر رجل يقابله فيتحاوران في التحداية وتؤدى بنبرة قوية وضخمة، ويردد الرجال في الصفين المتقابلين اللازمة والتي عادة ما تكون: يا حلالي يا مالي.

كما أنه من الممكن تأدية التحداية جلوسًا، حيث يقف المتحاوران أمام صفين من الرجال الجالسين قبالة بعضهم البعض، وقد يُستعاض عن اللازمة المعتادة "يا حلالي يا مالي" بأن يردد الجالسون الشطر الأخير الذي يؤديه الحدّاءان.

وتمتاز التحداية بأن تتكون من جُمل تلتزم وزنًا واحدًا وتفعيلة واحدة وقافية واحدة من البيت الأول حتى الأخير. ويُرجع الباش تاريخ التحداية إلى زمن شعر النقائض في العصر الأموي، حيث وردت بعض النصوص الزجلية أو موشحات تشبهها إلى حدٍ كبير. وكما الشروقيات، فلا بد أن يكون مطلوع التحداية جُملة لتنبيه السامعين لما سيأتي من قصة، وهذه الجملة الافتتاحية هي ميزة أساسية في هذا النوع من الغناء ولا يمكن الاستغناء عنه.

والتحداية بطبيعتها ذات مجال واسع لإبراز العواطف والمشاعر الأخرى، ويُلاحظ الباش أنها يجب أن تتضمن موضوع محدد، وقد استُخدمت للمديح والفخر بالعشيرة والعائلة والعرب، بالإضافة إلى مدح الصحابة والنبي محمد، وقد طرأ تحولٌّ واضح على مضمون التحداية أثناء الثورات الشعبية الأولى مما جعلها مستخدمة في انتقاد بلفور وظلم الانتداب الإنجليزي، وبعد النكبة سجلت التحداية مأساة الشعب الفلسطيني من البحر إلى النهر من خلال تذكر الأهل والقرية والجبال والبحر والنسيم الذي رُحّلَ عنه.

ويعتبر الباش أن الشعب الفلسطيني امتاز بفن التحداية دونًا عن أي شعب آخر من بلاد الشام، فقد أضاف إليها وطورها وجعلها تراثًا شعبيًا مميزًا يحتاج لمجلدات لتوثيقها جميعًا.

الدبكة كفنُّ شامل

تُعرف الدبكة الفلسطينية بأنها أحد أهم عناصر الأغنية الشعبية، ولها حضورٌ مميز وطاغٍ في مختلف المدن والمناطق الفلسطينية، وقد انتشرت منها حول العالم في المهرجانات والاحتفالات التي تقام في العواصم المختلفة تخليدًا لذكرى النكبة أو إحياء ليوم الأرض أو غيرها من المناسبات الفلسطينية.

وفي التفاصيل، فإن للدبكة تنوعاتها وأشكالها المختلفة، وقد تختص منطقة ما بشكلٍ معين للدبكة أو بالأغنية التي ترافقها. وتعتبر الدبكة الشعرواية أكثرها انتشارًا وشهرةً في فلسطين، حيث إنها تحتوي على حركات سريعة بالأيدي والأرجل تجعل المشاهد يشعر بطاقة إيجابية لجمالية المشهد حين يؤدى بإتقان مرافقةً بأغنية حماسية مناسبة.

أمّا أبسطها فهي البدّاوية، وترافقها أغنيات بسيطة خفيفة سريعة، ومن أشكال الدبكة المعروفة أيضًا الشمالية والكرادية.

أغنيات الدبكة

لعلَّ أشهر ما يرافق الدبكة هي الدلعونا، فقلما نجد دبكة دونها، والعكس صحيح. وتتألف الدلعونا عادةً من أربعة أشطر تلتزم حرف النون في الكلمة الأخيرة من الشطر الرابع. ويحيل الباش تاريخ الدلعونا في فلسطين إلى أغان بدوية قبلية قديمة وجدت في مناطق فلسطين المختلفة، ويستدل على ذلك بأن كلماتها تقلب حرف القاف إلى جاف.

وطرحت الدلعونا تقريبًا كل المواضيع الاجتماعية التي مر بها الفلسطيني، ولأنها سريعة وكلماتها خفيفة، فإن المغني يردد أي خاطرة تمر في باله متعلقة بالموضوع الأساسي شريطة نهايتها بحرف النون. فمن الغزل إلى الوصف المادي وجمال الطبيعة والوطن والتضحيات، بالإضافة إلى تأريخ الأحداث التي وقعت مثل دلعونة "من سجن عكا".

وتُلازم الدلعونا عادةً "الجفرة"، وهي لونٌ متطور من الدبكة وفق الباش يعود تاريخه إلى الرقصات الشعبية لبني هلال، ويجيب أيضًا على السؤال المهم كيف وصلت إلى فلسطين من بني هلال بأنهم قد هاجروا إلى مناطق مختلفة من الوطن العربي، ولا بد لجزء منهم أن استقر في فلسطين ونواحيها، مما أدى إلى انتشار هذا اللون من الأغنيات وقد تم تطويره، وإضافة ما يتماشى والثقافة العربية الفلسطينية عبر التاريخ.

والأصل القديم لمطلع أغاني الجفرة يقول:

عدلا مويل الهوى وعيني يالبُنيا

أمر المقدر نفذ وش طالع بايديا

وقد تم تطويره ليصبح جفرة ويا هالربع، ويجب أن تلتزم المقاطع في الجفرة بقافية الياء المشددة مع الألف الممدودة. وكما الدلعونا قد طرقت مواضيع عديدة فكذلك الجفرة، وتعتبر أجمل من الدلعونا لما تمتاز فيه من طول الكلمات في كل شطر وللحنه الحزين المميز.

ولا تكتمل الدبكة إلا بظريف الطول، وهي من أنواع الأغاني المرافقة للنوعين السابقين دائمًا، وهي كما الجفرة يعود أصلها إلى القبائل العربية القديمة، وكان مطلعها في السابق يقول: ميج ويابو الميج ويابو الميجانا، وقد تم تطويره إلى يا ظريف الطول..

وتقوم يا ظريف الطول على بحر الرمل، ويلتزم شطره الرابع قافية واحدة هي النون مع ألف ممدودة، ويجب أن تستمر عليها كافة مقاطعها. وقد طرحت يا ظريف الطول أيضًا مواضيع الغزل والعتاب والخوف من المستقبل والثورة الفلسطينية الأولى، بالإضافة إلى مقاومة الاحتلال بعد النكبة والأحداث المرافقة لها.

وقد تترافق الدبكة مع أنواع أخرى من الأغنيات مثل الفرعاوية أو غيرها، حيث تختلف حركات الأيدي والأرجل وإيقاعها حسب اللحن وحماسة الغناء والكلمات، وكلّما كان الدبيكة على دراية بهذه الأغنيات المختلفة كلّما كانت اللوحة التي يقومون بتجسيدها أكثر إمتاعًا حيث يتنقلون بين أسلوب وآخر بسلاسة وحرفية عالية.

المطلوع، الزجل والموشح

يتشابه المطلوع مع الشروقيات، لكنه يمتاز بالخفة والسرعة والطول، فنجد أن المطلوع قد يصل إلى أكثر من 100 مقطع بمواضيع مختلفة، ولا يلتزم بقافية واحدة، ولعل أشهر مطلوع ورد على لسان المغني الشعبي محمود زقوت الذي يقول فيه:

سجل يالقرن العشرين

عاللي جرى بفلسطين

ريح الجنة ياعالم فاح

بمعركة وادي التفاح

استشهد فيها الفلاح

حط السنجة بالمرتين

ويحتل الزجل المرتبة الثالثة في فضاء الأغنية الشعبية الفلسطينية، وهو نوع من المبارزة الشعرية يقوم بها رجلان غالبًا في الأعراس مستخدمين مفردات بسيطة بمرافقة لحن خفيف، وقد نرى بعض من هذه الجلسات وقد استخدم فيها الزجّالين مفردات أكثر تعقيدًا واصفين فيها موضوعًا ما.

ويصنف الباش الموشح من ضمن الأغاني الشعبية الفلسطينية على الرغم من استخدامه الشائع في المناسبات الدينية، وتحديدًا في مدح النبي محمد والصحابة، بالإضافة إلى أنه قد تنوع تنوعًا بسيطًا ليشتمل على مضامين أكثر.

لقد تطرق صاحب كتاب العرس الفلسطيني، المولود في طيرة حيفا عام 1947، إلى مختلف أنواع الأغنية الشعبية الفلسطينية وقرأها قراءة المحلل الخبير، وأعاد كل منها إلى أصولها وألقى الضوء على التغييرات والتطورات التي أضيفت إلى كل منها، كما أنه لم يفصل أثر الواقع الاجتماعي عليها مما جعل مؤلفه يعد أول دراسة شاملة توثيقية لفهم الأغاني الشعبية الفلسطينية. وقد أغنى الباش الذي رحل عام 2017 في دمشق المكتبة الفلسطينية بالعديد من المؤلفات حيث كتب في مقارنة الأديان والفكرة، بالإضافة إلى دراسة التراث الشعبي الفلسطيني.

 

اقرأ/ي أيضًا:

مكتبة فلسطين: الحكايا الشعبية الفلسطينية

منطلقٌ جديدٌ لخطابنا