02-نوفمبر-2020

الروائي والباحث علاء أبو عامر

ألترا صوت – فريق التحرير

يخصّص "ألترا صوت" هذه المساحة الأسبوعيّة، كلَّ إثنين، للعلاقة الشخصية مع الكتب والقراءة، لكونها تمضي بصاحبها إلى تشكيل تاريخٍ سريّ وسيرة رديفة، توازي في تأثيرها تجارب الحياة أو تتفوّق عليها. كتّاب وصحافيون وفنّانون يتناوبون في الحديث عن عالمٍ شديد الحميميّة، أبجديتُهُ الورق، ولغته الخيال.


علاء أبو عامر أكاديمي وباحث ودبلوماسي وروائي فلسطيني. صدرَت له عشرات الكُتب والدراسات والمقالات، آخرها: فك الشيفرة التوراتية: أحداث التوراة في نطاق التاريخ الحقيقي للمشرق العربي (2014)، في البدء كان إيل: العلاقة الجدلية بين الإسلام والمسيحية واليهودية (2015)، الفلسطينيون الكنعانيون القدماء: الحقائق، الألغاز، الأساطير (2017كشتان (2017)، فلسطين السورية الفينيقية: تفكيك ألغاز بونت، إرم، كلد، فينيقيا، مجان، وسريان (2018رحلة جلجامش الأخيرة (2018العلاقات الدولية: الظاهرة، العلم، المناهج، النظريات، الدبلوماسية، الاستراتيجية (2020) وله قيد النشر: فلسطين الهلنستية وثورة العرب الحسميين: 333-140 ق.م (2020)، ورواية جرار حداشاه (2020).


  • ما الذي جاء بكَ إلى عالم الكتب؟

إذا تجاهلنا الكتب المدرسية التي ذهبتُ إليها كأيِّ تلميذٍ، فإن باقي الكتب الثقافية والأدبية هي التي تلقّفتني ومَشت نحوي من مكتبة والدي، حيث كان رحمه الله قارئًا نَهمًا، وكنت أراقبهُ منذ الطفولة وأجلسُ إلى جانبه أسألهُ عمَّ يقرأ، بينما أشاهدُ الكتاب يتراءى على قسماتِ وجهه حُزنًا أو فرحًا؛ كان شديدَ التأثُّر بما يقرأ، ويحكي لي عن عوالم كتبه. وعندما أصبحت في الثالثة عشر من عمري، غادرتُ عالم مجلّات الأطفال، وبدأت مُطالعة كُتب أبي محاولًا الوصول إلى تلك الدهشة التي يعيشها مع أبطال رواياته، وأصبحت أتأثّرُ مثله، كما يتأثّرُ المُريدُ بشيخهِ.

ومن يومها، باتت مقولة أبو الطيّب المتنبي تعكسُ حياتي؛ "خيرُ جليسٍ في الأنامِ كتاب"، فقد أصبح الكتاب رفيقي؛ يزورني عندما يهدينهُ صديقٌ، وأبحثُ عنهُ في أغلبِ الأحيان في المكتبات. يُدمنُ البعضُ على السجائر أو الكحول، أمّا أنا فإدماني على القراءة، يوم لا أقرأ يتملّكني الصُداع، ولا أنامُ إلّا والكتابُ بين يديّ.

  • ما هو الكتاب، أو الكتب، الأكثر تأثيرًا في حياتك؟

حقيقةً، يحيّرني تنوع اهتماماتي في الإجابة على هذا السؤال، ففي كل مرحلة من حياتي، شدّت ياقةَ اهتمامي كُتبٌ بعينها، في الطفولة قصص الأطفال والمجلات المصورة. وفي المراهقة حينما كنتُ نَشطًا في فرق الكشّافة، جذبتني الروايات الرومانسية وقصص التحرّي والمغامرات الّتي كنتُ أُقلّدُ أبطالها. وأثّر في وعيي السياسي كتابان استعرتهما من مكتبة والدي عندما كنتُ في الخامسة عشر من عمري رُبما؛ الفلسطينيون شعبًا لكزافييه بارون، وفلسطيني بلا هوية لصلاح خلف (أبو إياد).

وفي المرحلة الجامعية، عندما كنتُ طالبًا في الاتّحاد السوفيتي، غَلبَ الأدب الروسي على قراءاتي، فقرأتُ بالروسية والعربية أعمالَ دوستويفسكي وتورغينيف وتشيخوف وليو تولستوي وأليكسي تولستوي وشولوخوف وغوركي، وأثّرت هذه القراءات في أسلوب كتابتي الأدبية، حتّى وصف الكثيرين من قرّاء روايتي "كَشْتان" على أنها تنتمي إلى الأدب الروسي. كما قرأتُ في تلك المرحلة الكثير من الأدب العربي أيضًا، وكنتُ أتابعُ المجلّات العربية التي تصِلُنا مثل مجلة فلسطين الثورة، والهدف والحرية والنداء والاتحاد والطريق.

أمّا الكتاب الذي قرأتهُ عشرات المرّات وما زلتُ، فهو الكتاب المُقدّس، ليس بوصفهِ نَهرًا أنهلُ منه وأتأثّرُ به، بل بحيرة راكدة أسبحُ فيها وأخرجُ بصيدٍ جديدٍ في كلِّ مرّة. ويرجعُ حدثَ تعرّفي عليه إلى العام 1988، حينما كنتُ في طريقي من كييف إلى موسكو، ذاهبًا للالتحاق ببرنامج الدكتوراه في معهد الاستشراق التابع لأكاديمية العلوم الروسية، ولسوء الحظِّ حينها أو حسنهُ الآن، شاركني حجرة القطار قسٌّ مسيحي، انتبه إلى الحروف العربية على الكتاب الذي أقرأه، فسألني: من أين أنت؟

- من فلسطين. أجبتهُ.

- آه من بلد المسيح! مسلم أم مسيحي؟

- مسلم.

- وهل أنت مؤمنٌ أم لا؟

- لا أعرفُ بالضبط.. ما زال الشكُّ يأسرني.

سألني بعدها عمّ أعرفه عن السيد المسيح، فأجبته بمعلوماتٍ محدودة مُستمدّة من ثقافتي الإسلامية، إلّا أنّه عارضني وأصرَّ أن المسيحَ إله، لينتهى الحوار بإهدائه نسخةً من الكتاب المقدّس لي. بدأتُ بتصفُّحهِ بعد فترة، إلّا أنّ لغتهُ الأدبيّة الروسية كانت صعبةً عليَّ لأفهم الدلالات بوضوحٍ، وعرفتُ فيما بعد أنّ دار الكتاب المُقدّس توفّرُ نسخًا لمن يُراسلها وباللغة التي يُريدها، فحصلتُ على واحدة عربية، لأكتشفَ اختلافاتٍ في الترجمة وتناقضاتٍ في السّرديات، وأبدأُ رحلة البحثِ عن الحقيقة كهمٍّ شخصيٍ، تحوّل فيما بعد إلى همٍّ بحثي، نتجَ عنه مشروعٌ بحثيٌ متداخلٌ بين التاريخ القديم ومقارنة الأديان تحت عنوان "بعث التاريخ الفلسطيني القديم" صدرَ فيه حتّى الآن أربع كتب.

عمومًا، من الصعب عليَّ الإجابة على سؤال الكتاب الأكثر تأثيرًا، فمجال قراءاتي ومؤلفاتي أيضًا متنوّعة، فأنا أكتبُ الرواية، وأبحثُ في التاريخ القديم والميثولوجيا ومقارنة الأديان، وتخصصي الأكاديمي هو العلاقات الدولية والدبلوماسية الذي أصدرتُ فيه مؤلفات ومقالات عديدة.

  • من هو كاتبك المُفضل، ولماذا أصبح كذلك؟

في الأدب، لا شكّ كاتبي الأول والمُفضّل هو دوستويفسكي، لعمقِ رواياته وتحليله الدقيق للنفس البشرية. أمّا في الشعر، فأنا من جيل كَبُرَ على قصائد محمود درويش وحفظها، وهو بلا شك شاعري المُفضّل، يليه توفيق زيّاد. وربما أشيرُ إلى روايات دان براون، فهي تشدّني بجمعها بين التاريخ والفلسفة والتشويق.

  • هل تكتب ملاحظات أو ملخصات لما تقرأه عادةً؟

في البحثِ العلمي، بالضرورة أقتبسُ وأدوّنُ ملاحظاتٍ حول الأدبيات التي أُراجعها، والشواهد التي أُحلّلها. لكن عامةً، عندما تُعجبني فكرةٌ ما، أحتفظُ بها وأوظّفها في أحاديثي وكتاباتي. الكتابُ بالنسبة لي شخصٌ يخاطبني، وأنا مستمعٌ جيّد له، أُقلّبُ ما قرأت في عقلي، وإذا استهوتني الفكرة أو العبارة تُصبح جزءًا منّي، شخصيتي في جزءٍ كبيرٍ منها صنيعة الكتب، وبعض الكُتب أعتبرها بمثابةِ مُعلمٍ لي، ومن خلالها سافرتُ إلى أماكنٍ لم تطأها قدماي، وقابلتُ أشخاصًا لم أرهم في حياتي الطبيعية وصادقتهم، وربما بعضهم أقرب إليّ من أصدقائي في الحياة الواقعية.

  • هل تغيّرت علاقتك مع الكتب بعد دخول الكتاب الالكتروني؟

بالطبع، فأنا إنسانٌ عملي. وبسبب كثرة تنقلاتي أخذتُ الكتاب الإلكتروني حقيبةً دائمة منذ عشر سنوات تقريبًا مع ظهور الأجهزة اللوحية (iPad). وإثر ذلك، أصبحتُ تقريبًا لا أعودُ إلى الكتاب الورقي، إلّا إذا لم يتوفّر إلكترونيًا. بالتأكيد لرائحة الكتب وملمسها وقعٌ مُختلف، إلّا أنّ الوقت كفيلٌ بنشوء علاقة أخرى بديلة مع الكتاب الإلكتروني الذي هو رفيقٌ ليس في المنزل أو المكتبة فقط، بل يمشي معك ويركبُ الباص ويضيء عتمتك، ويُلبّي نداءك بضغطةِ زر. وكباحثٍ يُريحني التعامل مع الكتاب الإلكتروني أكثر.

  • حدّثنا عن مكتبتك؟

مكتبتي؛ سواء الماديّة التي يحملُ غالبها مكتبة منزلي بمدينة غزّة، أو الرقميّة التي تحملُها يديّ هذه اللحظة، تعكسُ صورةً لحمولتي المعرفيّة، بحيث تجدُ فيها من كلِّ بستانٍ زهرة، وإن طغت زهورٌ على أخرى، فإلى جانب كتب الأدب الكلاسيكي والمُعاصر؛ العربي والأجنبي، تحتلُّ كتبُ الأديان والتاريخ والتراث الجزءَ الأكبر منها، مع زاوية لكتبي الأكاديمية في القانون الدولي والدبلوماسية والعلوم السياسية، وأخرى تتنوعُ بين الفلسفة والعلوم الاجتماعية. مكتبتي تُشبه المطار، بحيث يُمكنك مشاهدة ابن خلدون يقفُ بجانب جان جاك روسو، وكتاب كليلة ودمنة يتوسّط حنّا مينه وهوميروس.

  • ما الكتاب الذي تقرأ في الوقت الحالي؟

أقرأُ حاليًا كتاب يسوع خارج العهد الجديد: مدخل إلى الأدلة القديمة لروبرت فان فورست، لاشتغالي على مشروعٍ بحثي حول السيد المسيح – الذي أعدّهُ من الشخصيات المؤثّرة بي – تحت عنوان "المسيح الفلسطيني لم يكن يهوديًا"، لا أبحثُ فيه عن عيسى أو يسوع الديني، إنما عن عيسى الحقيقي؛ الإنسان الذي ولدَ وعاش في فلسطين، عّن يسوع الفلسطيني.

 

اقرأ/ي أيضًا:

مكتبة فاطمة إحسان

مكتبة منير عليمي