19-أكتوبر-2020

الشاعر والمترجم منير عليمي

ألترا صوت – فريق التحرير

يخصّص "ألترا صوت" هذه المساحة الأسبوعيّة، كلَّ إثنين، للعلاقة الشخصية مع الكتب والقراءة، لكونها تمضي بصاحبها إلى تشكيل تاريخٍ سريّ وسيرة رديفة، توازي في تأثيرها تجارب الحياة أو تتفوّق عليها. كتّاب وصحافيون وفنّانون يتناوبون في الحديث عن عالمٍ شديد الحميميّة، أبجديتُهُ الورق، ولغته الخيال.


منير عليمي شاعر ومترجم من تونس. صدرت له مجموعة شعرية بعنوان "مقبرة على قيد الحياة"، أمّا في عمله في الترجمة فأصدر: "عزلة صاخبة جدًا" للتشيكيّ بوهوميل هرابال، و"أن تكون هناك" للبولندي جرجي كوزنسكي، و"سجن بلا سقف" للروسي ليونيد أندرييف، و"الحجاب المرفوع" للإنجليزية جورج إليوت.


  • ما الذي جاء بك إلى عالم الكتب؟

تُعتبرُ الإجابة عن هذا السّؤال مغامرة بالنّسبة إلي، لسبب بسيط هو أنّني جئتُ بمفردي، أو ربّما حملتني خطاي إلى هذا العالم الغامض الذي لم أستوعب غموضهُ وسحرهُ إلى الآن. ولدتُ في قرية لا تملكُ ولو مجرّد مكتبة واحدة ولا تحملُ كتّابًا أيضًا. لا أحتفظُ بشيء واحد في طفولتي لهُ علاقة بالكتاب، فالحياة هناك كانت عمليّة صراع دائم مع الحياة وهذا الصّراع لم يترك مجالًا للالتفات إلى مكتبة أو كتاب أو شيء من هذا القبيل. الشّيء الوحيد الذي أنا متأكّد منهُ أنّ الدّور المفصلي كان للعزلة، أعني عزلة الرّعي في الحقول القاحلة والبعيدة، حيثُ يكونُ أنيسك الوحيد الفراغ والخراف الجائعة. هناك تُولدُ الأسئلة الوجوديّة الكبرى وما من طريقة للإجابة عنها سوى الكتابة، لكنّني أعتقدُ أنّني إلى الآن أركض بحثًا عن إجابة كمن يركض خلف حقل من ضباب كي يمسك البياض في كفّه.

عشتُ رفقة تلاميذ يحلمون بأشياء كثيرة، لكلّ منّا حلمهُ الخاص لكنّنا نشتركُ في شيء واحد، أنّنا مقتنعون من أنّ جميع تلك الأحلام قد ولدت ميّتة، فنهاية الحلم هناك، في قرية "عليم" تحديدًا، لا تتجاوز فرضيّة أن تكون جنديًّا أو شرطيًّا مع استثناءات بسيطة بالطّبع... رأيتُ أنّ الحلم الوحيد الذي سيكسر القاعدة هي أن أكون كاتبًا، رغم أنّ هذا المشروع مفلسٌ بطبيعتهِ بما أنّ الفاتورة الوحيدة التي علينا دفعها من أجل تحقيقها هي الألم والتقاط كلّ مصادره ومراحله.

  • ما هو الكتاب، أو الكتب، الأكثر تأثيرًا في حياتك؟

هناك العديد من الكتب التي غيّرت من نظرتي إلى العالم، لكنّني لا أذكر كاتبًا بعينه يمكنُ القول إنّه أثّر في حياتي. من الكتّاب الذين أدين لهم بالكثير، عبد الرحمن منيف وفرناندو بيسوا وألبير كامو... هؤلاء الكتّاب علّموني كيف أتّحسس الألم في الكتابة وكيف أمتلك حاسّة تمييز بين ألمٍ صادق وألمٍ مصطنع.

الشّيء الوحيد الذي يمكنني القول إنّه أثّر في حياتي هو الرّيف بتفاصيله البسيطة والعميقة، فالصّراخ في الأرياف يعطي للصوت حرّية أما الصّراخ في المدن المكتظّة، لا يفعلُ شيئًا سوى الاختناق والانفجار في شيء مّا غير الصّراخ.

  • من هو كاتبك المفضل، ولماذا أصبح كذلك؟

لا يوجدُ لديّ كاتب مفضل، لديّ كتب مفضّلة أعودُ إليها دائمًا. الكاتبُ في النّهاية شخصٌ يكتبُ شيئًا مّا وينصرف إلى حياته أمّا الكتاب فكتاب ينصرفُ إلى قلوبنا ولا يغادرها أبدًا.

  • هل تكتب ملاحظات أو ملخصات لما تقرأه عادة؟

لا أكتبُ ملاحظات على الكتب التي أطالعها، أكتبُ فقط الشّذرات التي تشدّني وتزرعُ في داخلي شيئًا مّا وعادة ما تكونُ تلك الشّذرات هديّتي الثّمينة التي أنتقيها من كلّ كتاب. لسبب بسيط، تلك الشّذرات تكشفُ عن قوّة الكاتب وعمقه والأهمّ أنّها تكشفُ عن شعريّة ثمينة خفيّة داخل عمل أدبي.

  • هل تغيّرت علاقتك مع الكتب بعد دخول الكتاب الإلكتروني؟

لم تتغيّر علاقتي مع الكتب بعد دخول الكتاب الإلكتروني لأنّهُ حقّق إضافة على المشهد الأدبي رغم كلّ النقائص. بل وسمح للقارئ العربي بأن يطّلع على أكبر عدد من الكتب في ظلّ ضيق التوزيع لدى دور النّشر العربية وعدم قدرة المواطن العربي على اقتناء الكتاب الورقي.

  • حدّثنا عن مكتبتك؟

أملكُ عديد الكتب، لكنّها كتبٌ مبعثرة في كراتين عديدة وأماكن متعدّدة. أرى أنّ مكتبة ذات رفوف فكرة برجوازيّة بامتياز، لا تضيفُ للكاتبِ الكثير، لكنّها في المقابل تقدّم إليه فرصة التقاط صورٍ جميلة. أنا من الأشخاص الذين لا يحتفظون بكتبهم، أقدّم الكتاب الذي يعجبني لأوّل قارئ يعترضني ولهذا السّبب خسرتُ عشرات الكتب.

ربّما سأفكّر في تشييد مكتبتي الخاصّة حينَ أعودُ إلى تونس، فتلك الكتب المكدّسة داخل كراتين تحتاجُ إلى أن تتنفّسَ في النّهاية.

  • ما الكتاب الذي تقرأه في الوقت الحالي؟

أقرأ حاليًّا كتاب "قوّة اللّاعنف" للفيلسوفة الأمريكية جوديث بتلر.

 

اقرأ/ي أيضًا:مكتبة عبد الغني صدوق

مكتبة بشرى المقطري