27-يوليو-2020

الشاعر والمترجم أيمن حسن

ألترا صوت – فريق التحرير

يخصّص "ألترا صوت" هذه المساحة الأسبوعيّة، كلَّ إثنين، للعلاقة الشخصية مع الكتب والقراءة، لكونها تمضي بصاحبها إلى تشكيل تاريخٍ سريّ وسيرة رديفة، توازي في تأثيرها تجارب الحياة أو تتفوّق عليها. كتّاب وصحافيون وفنّانون يتناوبون في الحديث عن عالمٍ شديد الحميميّة، أبجديتُهُ الورق، ولغته الخيال.


أيمن حسن شاعر وأديب ومترجم من تونس. ولد بحمام سوسة 1981. يدرس الآداب الفرنسية في الجامعة التونسية. له أكثر من ثلاثين مصنفًا أدبيًا ولقد تحصل على جوائز عديدة من بينها جائزة روجي كوفالسكي للشعر التي تمنحها مدينة ليون الفرنسية لسنة 2017 عن ديوان "تونسة".


  • ما الذي جاء بك إلى عالم الكتب؟

في الحقيقة، أنا ابن جيل نشأ صحبة الكتاب، فلقد وجدتُ نفسي أرسم وألوّن وأحفظ وأقرأ وأكتب قبل دخولي المدرسة. لم يكن للتّلفاز الدّور الّذي يلعبه اليوم ولم تكن التّكنولوجيا موجودة أصلًا. وُلدتُ سنة 1981 وزاولت تعليمي الابتدائي في مدرسة نهلتُ منها الكثير، وكان من الإجباري أن ينخرط التّلامذة في المكتبة العموميّة البلديّة، وفي إحدى الجمعيّات الوطنيّة كالكشّافة والمصائف والجولات ومضائف الشّباب، الّتي كانت تُولي للثّقافة عامّة وللكتاب خاصّة مكانة أساسيّة.

  • ما هو الكتاب، أو الكتب، الأكثر تأثيرًا في حياتك؟

كتب عديدة أثّرت في، فلقد غذّتني القصص المصوّرة مثل "لوكي لوك" لموريس و"تنتان" لهرجي وطبعًا "أستريكس" للكاتب روني غوسكيني والمصوّر الفذّ ألبار أودرزو الّذي رحل مؤخّرًا. كما كنتُ أطالع أسبوعيّا مجلّة "بيف" الصّادرة عن منشورات الحزب الشّيوعي الفرنسي. بعد ذلك، قرأت أشعار الشّهاب الكوني أرتور رامبو و"أزهار الشرّ" للعبقري شارل بودلير، ولقد غيّرت نظرتي للعالم وجعلت منّي الرّجل والأديب والإنسان الشّغوف والملتزم الّذي صرتُ اليوم.

  • من هو كاتبك المفضل، ولماذا أصبح كذلك؟

طبعًا، هو سؤال مشروع، لكنّه يخيفني بعض الشّيء لأنّ الإيمان بأنّ كاتبًا أو شاعرًا أو مفكّرًا ما أهمّ من الآخرين يكشف عن نظرة آحاديّة تنقص من شأن الإبداع والمبدعين، لأنّ تلك الفردانيّة سياسيّة بالأساس بمعنى أنّها تشرّع للكليانيّة الفكريّة.

إذًا، يمكن أن أقول أنّ عندي مجموعة من الأقمار أو النّجوم الأدبيّة من بينها يمكنني ذكر الإنجليزي شكسبير والفرنسي فولتير والألماني هلدرلين والروسي دستويوفسكي والأمريكي والت ويتمان والبرتغالي فرناندو بيسّوا والإسباني غبريال غرسيا لوركا والياباني جونيشيرو تانيزاكي والرّوماني سيوران والبلجيكي هنري ميشو والإيرلندي صموئيل بيكيت والشيلي بابلو نيرودا والمكسيكي أوكتافيو باز والسّوري محمّد الماغوط والفلسطيني محمود درويش والشّاعر اللّبناني صلاح ستيتيّة والتّونسي منصف المزغنّي.. وغيرهم من الشّعراء والفلاسفة الكبار أمثال الإمبراطور الروماني مارك أوريل، وكاتب القرن السّادس عشر ميشال دي مونتاني الفيلسوف المبهر فريديريك نيتشة، والكاتب الفرنسي ذي الأصول الروسيّة غبرييل ماتزنيف، إلخ.   

  • هل تكتب ملاحظات أو ملخصات لما تقرأه عادة؟ 

طبعًا، مع العلم أنّ القراءة الحقيقيّة بالنّسبة إليّ في إعادة القراءة من جهة وفي الكتابة عمّا أقرأ إبداعيًّا أو أكاديميًّا من جهة أخرى. زيادة على ذلك، لقد امتهنت الكتابة النقديّة الصحفيّة في جرائد ومجلاّت ناطقة بالفرنسيّة وعبر برنامج أسبوعي تلفزي صحبة الأديب التّونسي حسن بن عثمان، وآخر إذاعي في فرنسا حيث أتحدّث لمدّة خمس دقائق عن كتب ومسائل فكريّة متعدّة.

  • هل تغيّرت علاقتك مع الكتب بعد دخول الكتاب الإلكتروني؟

لا أبدًا، بالرغم من أنّي حاولت القراءة بعض الشيء على "التابليت"، لكن لا شيء يغيّر الورق والكتاب، فعلاقتي بالورق والحبر والكتاب كسند تكشف عن علاقة يمكن أن أسمّيها بالإيروسيّة أو الشبقيّة مع "كائن" أي الكتاب، ضارب في الحياة وفي الإنسانيّة.  

  • حدّثنا عن مكتبتك؟

مكتبتي ضخمة وهي ثروتي الحقيقيّة، كوّنتها بنفسي ولم أرثها من أحد. بما أنّي مختصّ في الأدب الفرنسي، الجزء الكبير من مكتبتي بالفرنسيّة ويحتوي على أمّهات الكتب الكلاسيكية والحديثة وعلى أهمّ الأعمال المترجمة إلى الفرنسيّة. كما تحتوي على جزء ليس بالهيّن يُعنى بالأدب العربي. يوجد في مكتبتي الشّعر والنّثر والمسرح والنّقد الأدبي والفلسفة. كما تتضمّن كتبا عن الفنّ والموسيقى والسّينما. بهذه الطّريقة، تلخّص مكتبتي نظرتي للعالم وللإنسانيّة جمعاء من خلال التعدّد والانفتاح، كما أنّها تحاول التّأسيس لفكر "أونسيكلوبيدي" على طريقة فلسفة الأنوار.

  • ما الكتاب الذي تقرؤه في الوقت الحالي؟

أقرأ في الآن ذاته بين كتابين وأربعة كتب، بين الشّعر والرّواية والنّقد الأدبي. وصلتني مؤخّرًا بعض الإصدارات الجديدة لمنشورات غاليمار الفرنسيّة متمثّلة في ديوان الطّبيب الشّاعر بول فالي (1905-1987) "الكلمة الّتي تحملني"، وهو الاسم المستعار لجورج شوارتز، كان صديقا للكاتب والفيلسوف الروماني سيوران، وكتبت مقدّمة له مديرة "ربيع الشّعراء" صوفي نولّو. اسمحوا لي بأن أهدي إليكم هذه القصيدة:

مقبرة جماعيّة

لطالما نمتُ في المقبرة الجماعيّة

حتّى أنّ الأفكار المبتذلة لا تخيفني

 

لطالما سهرتُ في السّهول الملعونة

حتّى أنّي تزوّجتُ بالأفق السيّئة

 

لطالما مشيتُ ضدّ ريح الموت

حتّى أنّي أحمل في نفسي الدّمار الأعلى

إلى جانب بول فالي، قرأتُ كتابًا رائعًا لجون ماري غوستاف لوكليزيو، الفرنسي المتحصّل على جائزة نوبل للآداب سنة 2008، عنوانه "توسّع البؤبؤ" يتبعه "نحو جبل الجليد"، وهما نصّان ضاربان في الشعريّة لروائي عُرف بمواقفه الإنسانيّة النّبيلة. النصّ الثّاني للوكليزيو دراسة شعريّة عن هنري ميشو الشّاعر البلجيكي الفذّ، وهي بمثابة قصيدة نثريّة من نوع الميتاشعريّة أو الشّعر عن الشّعر.

أمّا الكتاب الثّالث، فهو تحت عنوان "العيون المفتوحة"، وهو مجموعة من الحوارات مع مرغريت يورسونار، أوّل امرأة تدخل للأكاديميّة الفرنسيّة، أجراها معها الصّحفي ماتيو غالاي، وهي في حقيقة الأمر رحلة معرفيّة في عوالم هذه الكاتبة والمترجمة والمفكّرة العظيمة.  

وصلني البارحة كتاب "ألمى. الرّيح تهبّ" للكاتب تيموتي دي فنبال، وهو الجزء الأوّل لثلاثيّة روائيّة تتوجّه للشّباب تتطرّق لموضوع مناهضة العبوديّة. هي فرصة كي أعرّف ابنتي – والّتي تحمل اسم ألمى– بهذه القضيّة النّبيلة. هكذا يبدو لي ممكنًا تمرير المشعل والنّهوض بالفكر من خلال الكتاب والمكتبة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

مكتبة دعد ديب

مكتبة محمد ناصر الدّين