13-يوليو-2020

الشاعر محمد ناصر الدين

ألترا صوت – فريق التحرير

يخصّص "ألترا صوت" هذه المساحة الأسبوعيّة، كلَّ إثنين، للعلاقة الشخصية مع الكتب والقراءة، لكونها تمضي بصاحبها إلى تشكيل تاريخٍ سريّ وسيرة رديفة، توازي في تأثيرها تجارب الحياة أو تتفوّق عليها. كتّاب وصحافيون وفنّانون يتناوبون في الحديث عن عالمٍ شديد الحميميّة، أبجديتُهُ الورق، ولغته الخيال.


محمد ناصر الدين شاعر وأكاديمي ومترجم من لبنان. من مواليد عام 1977. أستاذ محاضر في كلية العلوم في الجامعة اللبنانية حاليًا، وفي الجامعة الأمريكية في بيروت سابقًا. نشر سبع مجموعات شعرية عن دار النهضة العربية، ترجمت مقتطفات منها الى الألمانية ضمن مشروع مشترك بين جامعة بون ووزارة الثقافة اللبنانية، وإلى الإنجليزية ضمن دراسة ماجستير في الولايات المتحدة الأمريكية. صدرت له مختارات بالفرنسية بعنوان un long malentendu عن دار لارماتان الباريسية عام 2019. إصداراته الشعرية: "صلاة تطيل اللوز شبرًا"، و"ركلة في قرية النمل"، و"ذاكرة القرصان"، و"سوء تفاهم طويل"، و"فصل خامس للرحيل"، "شمعتان للمنتظر"، و"أقفاص تبحث عن عصافير". ترجم كتاب مرسيا إلياد "حدادون وخيميائيون"، وكتاب "عزيزي الكاتب" لريكاردو بوزي.


  • ما الذي جاء بك إلى عالم الكتب؟

ولدت في بيت له علاقة خاصة بالحرف والكتاب، وهي علاقة أقوى من ما يربطني بالأشياء الأخرى كالموسيقى مثلًا، إذ أننا كنا نسأل بعضنا البعض على المائدة حين نجتمع: ماذا تقرأ اليوم؟ كانت الكتب تحضر أولًا في مكتبة أبي المحبّ للشعر، حيث تتجاور الدواوين باللون الأحمر من اصدارات دار العودة لمحمود درويش والبياتي وأدونيس وخليل حاوي والسياب. صداقة أبي لشعراء الجنوب مثل محمد علي شمس الدين وشوقي بزيع والياس لحود جعلت دواوين مثل "قصائد مهربة إلى حبيبتي آسيا" و"عناوين سريعة لوطن مقتول" و"ركاميات الصديق توما" و"رسائل الوحشة" بمثابة خبز يومي، نسمعها ونستظهرها ونناقشها. كان أبي يشركني في ترتيبها وتنظيفها وصفّها فنشأت علاقة حسية وروحية معها بشكل طبيعي.

  • ما هو الكتاب، أو الكتب، الأكثر تأثيرًا في حياتك؟

لا يمكنني الحديث عن كتاب واحد، إذ إن الذائقة الأدبية، على الأقل بالنسبة إليّ، مفتوحة على التراكم وإعادة التشكل باستمرار. لا شك بأن القرآن الكريم، باللغة والنص المفتوح على التأويل، والذي لا يمكن إدعاء تناوله وفق منهج حصري، هو من الكتب التي أثرت فيّ كثيرًا. كتاب ألف ليلة وليلة، في كونه منبعًا للمخيلة يتم رفده بجداول لا حصر لها، كتاب الفتوحات المكية لابن عربي، ديوان المتنبي في استنباطه للحكمة من منابعها العميقة، آثار لوتريامون ورامبو وبودلير. أحيانًا أجد في كتاب للطبخ شيئًا يشبه الشعر فأحبُّه.

  • من هو كاتبك المفضل، ولماذا أصبح كذلك؟

كاتبي المفضّل هو مجموعة من الكتّاب والشعراء، من هوميروس في الأوديسة وعوليس في بحثه عن إيثاكا، الى امرىء القيس في صحراء العرب في أستستيقا مبهرة حول جيد المرأة ولون الحصان والروح الحرّة المغامرة، إلى أبي نواس في خمرياته، وابن الفارض في صوفياته. هل يمكن لمن يقرأ قصيدة مالك بن الريب مثلًا حول الموت ألا يضعه ضمن تلك القائمة؟ السؤال محير ومفتوح، لو أردت مثلًا أن أسمي شاعرًا أو شاعرة في العصر الحديث، يحضر فورًا اسم فروغ فرخزاد في قصيدتها: "قلبي يحترق على الحديقة"، حيث نكون أمام فيلم سينمائي قصير حول احتضار حديقة في طهران، مرصودة بعين الأب، الموظف المتقاعد التافه، والأم التي تنتظر حصان المنتظر، والأخ المسكون بالجدل والفلسفة وقلب الشاعرة الذي يرصد التحولات كلها. لم نتحدث سوى عن الشعر، ماذا عن روايات ماركيز وأوغاوا وكامو ومسرح أرتو وبريشت ويونسكو. القائمة ستتولد منها قوائم ونجد أنفسنا في ما يشبه مكتبة بورخيس التي لا تنتهي.

  • هل تكتب ملاحظات أو ملخصات لما تقرأه عادة؟

لا يمكنني أن أقرأ إن لم يكن قلم الرصاص في يدي، أدوّن وأطرح حتى الأسئلة على الكاتب في الهوامش، وأضع دائرة تلو الأخرى على المراجع، وأرصد الإحالات والاستشهادات، وأقارن الفكرة أو الجملة بما قرأته في كتاب آخر. لا أحب الكتب الأنيقة، المهذبة التي يجب أن تبقى كذلك بحيث نرجعها إلى مكانها بكامل هيبتها. الأمر أشبه بشخص يلبس قميصًا أبيض يريد أن يلعب الكرة في ملعب رملي مع الأولاد دون أن يتلطخ بدمغة أو لطخة. ان أرادت الفكرة أو الصورة التي يحملها الكتاب أن تجد لها مكانًا في عقلي أو قلبي، فلتقبل هي أيضًا أن أترك فيها ما يحلو لي: وردة أو سطرًا تحت كلمة، أو عتبًا حتى. القراءة صداقة.

  • هل تغيّرت علاقتك مع الكتب بعد دخول الكتاب الإلكتروني؟

لم تتغير علاقتي كثيرًا بالكتاب. لم أحب الحب بالمراسلة يومًا، كما لم أحب الكتابة بغير القلم، وهو ما يشعرني أحيانًا بفجوة هائلة مع ابني الذي ينتمي لـ"جيل السبابة"، الجيل الذي ينشأ ويكبر في نمط لإنتاج وتلقي المعرفة ينأى أكثر فأكثر عن عالمنا الذي تتداعى أشياؤه. خزّنتُ الكثير من الكتب الالكترونية على الآيباد، لكني لا أرجع إليها إلا لمامًا. أنام أحيانًا والكتاب قرب وسادتي، وحين ألمس الورق أشعر بتلك الصلة الخفية بيني وبين كل تلك الدورة المتكاملة التي ساهمت في إخراج الكتاب إلى النور من الشجرة التي استعملت لإنتاج الورق حتى عرضه واجهة المكتبة. أخاف أيضًا على المكتبات الصغيرة من "أمازون". تلك المكتبات الصغيرة في باريس أو طنجة أو بيروت تشعرني بأنه لا يزال في هذا العالم أمكنة دافئة.

  • حدّثنا عن مكتبتك؟

مكتبتي كبيرة ومنوعة باللغتين العربية والفرنسية، وبعض الكتب القليلة بالإنجليزية، التي أجيدها ولكني لا أحب القراءة فيها لسبب بسيكولوجي ربما. للكتب الفرنسية قصة عجيبة، إذ إن أحد يهود لبنان قد عرضها على أبي عام 1984، مخافة أن تحرقها إحدى الميليشيات في الحرب اللبنانية وتتدفأ على أوراقها شتاءً. اشترى أبي يومها أكثر من خمسة آلاف كتاب من أمهات الكتب الفرنسية في الأدب والرواية والشعر والفلسفة. تشكل هذه المجموعة مع ما أحضرته من أقامتي في فرنسا عماد الجناح الفرنسي. الجناح العربي فيه أمهات الكتب في التراث والتفسير والتاريخ والأدب، إضافة لكتب الشعر التي أجمعها مذ كنت في العاشرة، وجناح للروايات المترجمة والمسرح. طاف البيت الذي أسكنه بالكتب، وأظن أني سأنقل قسمًا منها إلى منزلي الريفي في الجنوب اللبناني، وأخاف أن تلتهمها الحرب. في الحرب الماضية وقفتُ على اختبار حقيقي حين طرحتُ على نفسي سؤالًا: أي كتابٍ أحمله في ترحالنا الأبدي بين حَربَين؟ لم أعثر على إجابة قَط.

  • ما الكتاب الذي تقرأه في الوقت الحالي؟

أقرأ الآن كتابًا بالفرنسية بعنوان "créer" أي الإبداع أو الخلق وهو يتناول المسألة الإبداعية من وجهة نظر الروائي(ة) وعالم الأحياء والمهندس المعماري والمسرحي والنحات، بحيث تبدو الثقافة كلًا لا يتجزأ يدلي كلٌ بدلوه فيها، وتشكل أداة للنقد والمساءلة والخلق والإبداع كلما استوعبت الاختلاف والتعدد وابتهجت الأسئلة التي لم تخطر في بالنا يومًا أكثر من الأسئلة الملحّة. الكتاب ممتع، حين يسأل المحاور الروائية آملي نوتومب لماذا اختارت مهنة الرواية، أجابت: جرّبت مهنًا أخرى، كأن أكون شهيدة أو سائحة يابانية ففشلت، عثرت على الكتابة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

مكتبة حنان قصاب حسن

مكتبة عبد الله حبيب