04-سبتمبر-2023
الشمس فوق ستونهنج

(Getty) الشمس فوق ستونهنج

داخل أعماق الغابات الكثيفة حيث تهمس الرياح بأسرارها وترقص أشعة الشمس على أوراق الأشجار، عاش رجل يدعى وحيد. كان وحيد رجلًا بارعًا وذا مزاج متفرد، أحب أن يعيش بعيدًا عن الحضرة والصخب. كان ينعم بوقته في القراءة واستكشاف أسرار الطبيعة.

إلا أن يومًا واحدًا مر في حياته فغيرها بشكل غامض. حدث ذلك خلال مسيرته اليومية الاعتيادية في الغابة، فقد وجد نفسه محاطًا بضوء ساطع، وبينما حاول تفسير ما يحدث، شعر بدفء غريب يتسلل إلى جسده. انتشله ذلك الشعور الدافئ من واقعه ساحبًا إياه نحو عالم مختلف كأنه في الخيال، شعر بأن جلده يتقلص ويتغير.

عندما تلاشى الضوء واسترد الهدوء سطوته على المكان، فوجئ وحيد بما حدث له. لقد عاد طفلًا صغيرًا، ينظر إلى عالمه الجديد من خلال عينين براقتين بالفضول. لم يفهم كيف ولماذا، لكنه الآن رجل يعيش في جسد طفل.

كانت روح وحيد البالغة تواقة للمعرفة. وهكذا فقد واكبتها حيوية استمدها من جسده اليافع الجديد، فآثر على نفسه أن يتمتع باستكشاف الغابة والتعرف على مخلوقاتها بحماس أشد.

صار يجد جمالًا جديدًا في الأشياء البسيطة ويشعر بتعجب غامر من أمور الحياة.

مرت الأيام والشهور، ووحيد الصغير ينمو ويدرك الكثير من أسرار الحياة مما فاته خلال شبابه السابق برفقة الطبيعة. استحالت أيامه لمغامرات مستمرة، وفي كل مرة يلتقي فيها بمخلوق جديد أو يستكشف مكانًا غريبًا، يتذكر الرجل الذي كان عليه وكيف تحول بشكل لا يصدق.

غير أن ما كدر الصغير، كان عدم قدرته على التواصل مع البشر كما كان يفعل عندما كان رجلًا. رغم أنه لم يكن لينكر استمتاعه بحياته في تلك الغربة.

كان يشعر بالحنين إلى الحياة التي عاشها كبالغ، والتي كانت مليئة بالتفاعلات الاجتماعية والعلاقات الإنسانية. وعلى الرغم من أنه يستطيع التواصل مع الطبيعة والحيوانات من حوله، إلا أن هذا لم يكن كافيًا لملء الفجوة التي تركها اختفاء العلاقات البشرية.

بالإضافة إلى ذلك، كان يحزنه عدم قدرته على التعبير بكل الطرق التي كان يرغب فيها، سواءً من خلال الكتابة أو الرسم أو التحدث. وكان يبقى متسائلًا عن سبب تحوله الغامض إلى طفل، وما إذا كان هناك طريقة للعودة إلى حياته السابقة.

إذًا، بالرغم من جمال وعمق الحياة إلا أن هناك أوجاعًا داخلية بقيت تؤرقه وتجعله يفكر في الماضي والمستقبل بشكل متناقض.

أدرك وحيد أن الحياة بسيطة وجميلة في بساطتها. لم يعد مهتمًا بالأمور المادية أو الضغوطات الاجتماعية، بل اكتشف قيمة اللحظة الحالية والتفاصيل الصغيرة التي تملأ حياته بالسعادة.

اكتشف قوة التفاعلات البسيطة مع الطبيعة الأم. فتولدت لديه موهبة التفاهم معها من خلال لغة الجسد والانفعالات العفوية، وهذا أعطاه القدرة على الانتماء.

اكتشف أن الأمل والإيجابية هما مفتاحا السعادة، فادخر في قلبه آمالًا كبيرة للمستقبل وركز على الجوانب الإيجابية في تعامله مع المستجدات، وهذا كان له تأثير كبير على نظرته للعالم وخاصة بعد أن التقى بالشمس.

تقابل وحيد مع الشمس بعد أن أخبرته النسائم بأنها تختبأ ليلًا في كهف مجهول، تبادل معها الحديث وشاركها قصصه ومغامراته، فأصبحا أصدقاء وتقاسما رؤاهما وأفكارهما.

أثناء إحدى الليالي، قررت الشمس مساعدة وحيد على العودة لعمره الحقيقي. أخذت بيده وقادته نحو مكان سري خاص بها. وبمساعدة ضوءها الدافئ والسحري، بدأ جسده يتغير تدريجيًا ويستعيد شكله البالغ.

مع مرور الوقت، شعر بالتغيير ينتشر داخله، بدأ ينمو ويتحول حتى وصل إلى حجمه وشكله الأصلي كبالغ. كانت هذه التجربة تذكيرًا له بأهمية النمو الروحي والجسدي، وكيف أن كل مرحلة من مراحل الحياة تحمل قيمة خاصة.

ولكن قبل ذلك جرى بينهما الحديث التالي:

وحيد: أتساءل دائمًا عن سرك أيتها الشمس. لماذا تختبئين في الليل؟

الشمس (بصوت رقيق): كي أجد قليلًا من السكينة والهدوء بينما ينام العالم.

وحيد: لكنك تمنحين الحياة للعالم كل صباح، لماذا لا تبقي معنا دائمًا؟

الشمس: لدي دوري الخاص، أنا أمنح الليل فرصة لإظهار جماله ولأروي قصصه. وعندما أشرق مجددًا، أعيد الأمل والضوء لبداية جديدة، كل نهار جديد هو نهار غير مكرر وفريد، وهذا ما يميز الأحياء عن الأموات، أن لكل منهم نهاراتهم ولياليهم التي تخصهم وحدهم.

وحيد: ولكنني أشعر بالوحدة عندما تختفين، أنا لا أستطيع مشاركة تجاربي وأفكاري معك في الليل.

الشمس: الوحدة جزء من الحياة. من خلالها ستكتشف نفسك بشكل أعمق.. هنالك تجارب لابد وأن تعيشها دون مشاركة مع أحد كالموت.

وحيد: أعتقد أنني بدأت أفهم. أنت تذكرينني بأن هناك دورًا لكل شيء في هذا العالم، حتى لو لم نره دائمًا.

الشمس: بالضبط، أنا هنا دائمًا لأضيء لك الطريق، سواء كنت طفلًا أو بالغًا.

يبتسم وحيد برقة، ثم ينظر إلى أشعة الشمس ويشعر بالامتنان لهذه اللحظة الفريدة من نوعها.

بعد زمن طويل وسنوات من الحياة المليئة بالتجارب والذكريات، وبينما كان وحيد يقترب من نهاية رحلته، زارته الشمس مجددًا.

كان قد أصبح شيخًا، وجهه يحمل تجاعيد الزمن، لكن عيناه تنبضان بالحيوية والحكمة. حين دخلت الشمس، تناثرت أشعتها حوله، مضفية لمسة من الجمال والسحر على لحظة الوداع.

الشمس: (بصوت هادئ)، لقد مرّ الكثير من الزمن منذ آخر مرة رأيتك. كيف أنت؟

وحيد: (بابتسامة خفيفة) أنا هنا، يا صديقتي. وقد اقتربت نهاية رحلتي، النسائم تذكرني بكل ما مررنا به معًا.

الشمس: (باحترام) إنك تبدو راضيًا عن الرحلة التي قطعتها.

وحيد: (بهدوء) نعم، أنا راضٍ. وقت الوداع يحمل في طياته قوة وحنانا أكثر من أي وقت.

الشمس: أنا سعيدة أنك تدرك ذلك. سأبقى معك حتى يحين الوقت.

وحيد: (بهدوء) شكرًا، يا صديقتي. أشعر بالسلام والارتياح وأنا هنا، وأعلم أنك ستنيرين طريقي في الأبدية.

اندمج ضوء الشمس مع تلك اللحظة، عندما انسلت روح وحيد بهدوء لتنضم إلى اللامتناهي، وصدر صوت خافت عنه في آخر لحظة قائلًا: آآه يا للجمال، الآن عرفت من أين تأتين بأشعتك، إنها خلاصة أرواح البشر وما مكانك السري ذاك إلا قلب البشر الجامع.