دخلت النقابات العمالية في الجزائر، في المرحلة الأخيرة من تصعيد المواقف مع الحكومة، بالاحتجاجات على خلفية مسودة قانون العمل، الذي يلغي إمكانية التقاعد المسبق للعمال.
النقابات المستقلة نقلت ساحة المواجهة، هذه المرة، إلى شوارع العاصمة الجزائرية، عندما حاول الآلاف من النقابيين والمنضويين تحتها تنظيم اعتصام حاشد قبالة البرلمان، يوم الأحد الماضي، ونجح تكتل النقابات المستقلة في حشد العمال والأساتذة والمعلمين وسط العاصمة الجزائرية برغم الحصار الأمني المشدد الذي ضربته عناصر الشرطة على مداخل العاصمة لمنع وصول المحتجين.
نقلت النقابات الجزائرية مواجهتها مع الحكومة إلى شوارع العاصمة، محاولة تنظيم اعتصام قبالة البرلمان اعتراضًا على قانون العمل
اقرأ/ي أيضًا: بسبب قانون التقاعد..نقابات جزائرية تصعد بالإضراب
ونصبت مصالح الأمن حواجز في مداخل العاصمة لمنع دخول الحافلات القادمة من مختلف الولايات، والتي كانت تقل العمال والأساتذة والمعلمين المحتجين، من الوصول إلى مقر البرلمان الجزائري بشارع زيغود يوسف بقلب العاصمة الجزائرية، بينما تجمع الآلاف من الأساتذة وعمال التربية وعمال الصحة، الذين استجابوا لدعوة التكتل النقابي، في ساحة البريد المركزي على بعد 500 متر من مقر البرلمان، منددين بالقانون الذي يفرض على العامل استكمال 30 سنة مهنة للحصول على التقاعد. ويأتي هذا الاحتجاج عقب الإضرابات التي خاضها التكتل في شهر تشرين الأول/أكتوبر الماضي دون استجابة من السلطات الجزائرية بخصوص القانون.
يطالب الأساتذة والمعلمون بالإبقاء على التقاعد المسبق، بحسب العضو في نقابة عمال التربية عبد الكريم مسعودي حيث أكد لـ"ألترا صوت" أن النقابات تطالب أيضًا بتصنيف التعليم ضمن الأعمال والمهن الشاقة، التي تستفيد من امتياز التقاعد المسبق، مضيفًا أن مطالب الأساتذة وعمال التربية نابعة من متطلبات العمل في الجزائر والتي وصفها بـ"الصعبة". كما شدد المتحدث على أن "أسلوب الحوار لم يجد نفعًا مع السلطات المعنية وهو ما يجعل قطاع التربية الحساس يشهد العديد من الاحتجاجات والإضرابات".
وبالرغم من المنع والقمع الذي تعرض له الآلاف من النقابيين والعمال من عديد القطاعات، وخصوصًا التربية والصحة وعمال البلديات، القادمين من مختلف مناطق الجزائر، إلا أن الآلاف تمكنوا من تسجيل "موقف للتاريخ" بحسب تعبير المتابع للشأن النقابي في الجزائر الإعلامي مهدي مخلوفي حيث قال لـ"ألترا صوت" إن "العمال يطالبون بسحب القانون نهائيًا، وإعطاء العمال في عديد القطاعات الحساسة في الجزائر "امتيازات" لأنها تضمن مستقبل الأجيال".
نواب أحزاب المعارضة في البرلمان الجزائري خرجوا للشارع للتضامن مع العمال المعترضين على قانون العمل الذي يلغي التقاعد النسبي
اقرأ/ي أيضًا: صيف ساخن في قطاع التربية الجزائري
وفي الوقت الذي تتمسك فيه الحكومة الجزائرية بموقفها بإلغاء التقاعد النسبي، وداخل قبة البرلمان الجزائري، نددت بعض الأحزاب الموالية للسلطة بخروج النقابات إلى الشارع معتبرة القانون "خطوةً استشرافية"، تسمح بتوفير مداخيل مالية مقتطعة من معاشات العمال في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد.
فكتلة حزب جبهة التحرير الوطني بالبرلمان ترى في القانون وسيلة لـ"حماية التوازنات المالية للصندوق الوطني للتقاعد"، لأن مصدر تمويل هذا الصندوق هو اشتراكات العمال الموظفين، حيث كشفت الكتلة، في بيان لها، أن "اللجوء إلى التقاعد في سن مبكرة قبل بلوغ 60 سنة يتسبب في تسجيل تسربات للموارد البشرية، لا سيما منها ذات التأهيل والخبرة والكفاءة التي تحتاجها المؤسسات".
نفس المنحى ذهبت إليه كتلة التجمع الوطني الديمقراطي، حيث قال النائب عن التجمع أحمد خليفة خلال مداخلته في مناقشة مشروع القانون: "إن القانون يهدف إلى الحفاظ على عائدات الاشتراكات في الصندوق الوطني للتقاعد والتمسك بالكفاءات الموجودة في شتى المؤسسات الحكومية"، كما وجه النائب مقترحًا كتابيًا مفاده "السماح للعمال بإمكانية الخروج على التقاعد بعد مدة 32 سنة من العمل حتى قبل بلوغ سن 60".
أما نواب أحزاب المعارضة في البرلمان الجزائري، فقد خرجوا للشارع للتضامن مع العمال، حيث طالبت الكتلة البرلمانية لحزب العمال بسحب مشروع القانون ككل، واصفة إياه بـ"المجحف"، بحسب تصريحات النائب عن الحزب رشيد خان لـ"ألترا صوت": بأن "هذا القانون يشكل تراجعًا عن مكاسب العمال الاجتماعية والاقتصادية، من شأنه تدمير منظومة الضمان الاجتماعي ومنظومة التقاعد ككل".
ومن جانبها دافعت كتلة تجمع الجزائر الخضراء عن العمال المحتجين واستنكرت منعهم من الوصول إلى البرلمان الجزائري، منددة في نفس الوقت بالقرارات والمواد التي يتضمنها القانون، الذي يشترط بلوغ العمال 60 سنة للرجال و55 سنة بالنسبة للنساء للاستفادة من التقاعد، ودعا النائب عن الكتلة عثمان لعور، في تصريح لـ"ألترا صوت"، الحكومة إلى البحث في أسباب لجوء العمال إلى التقاعد في سن مبكرة ومعالجتها بتوفير تحفيزات وتشجيعات حتى يستمروا في عملهم بدلًا من اللجوء إلى إلغاء التقاعد النسبي، داعيًا أيضًا إلى فتح أبواب الحوار مع النقابات.
من وجهة نظر الحكومة، فإن وزارة العمل والتشغيل والضمان الاجتماعي حذرت في العديد من المرات على لسان الوزير محمد الغازي من "التبعات السلبية" للإبقاء على التقاعد النسبي والتهديد بإفلاس صندوق المعاشات في حدود 2022، وهو ما يعني فقدان القدرة المالية على تسديد منح ومعاشات المتقاعدين حينها. قليلة هي آمال العمال المعلقة على نواب البرلمان، فالنقابات تدرك جيدًا أن لا ناقة للنواب ولا جمل ولا سلطة في اتخاذ القرار، وتبقى "المعركة" أساسًا في اتجاه الحكومة.
اقرأ/ي أيضًا: