23-سبتمبر-2019

تتصارع طهران وموسكو على ملف إعادة إعمار سوريا (Getty)

لم تعد بلدة "السيدة زينب" في ريف دمشق ذات قيمة دينية فقط لإيران؛ بل أصبحت تحمل قيمة سياسية واقتصادية بعد أن استضافت معرض إعادة إعمار سوريا خلال الأسبوع الماضي، بمشاركة إيرانية هي الأوسع.

يثير معرض إعادة إعمار سوريا مسألة إعادة التطبيع المحتملة للعلاقات مع نظام بشار الأسد على الرغم من جرائم الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان طوال السنوات الماضية

المعرض الذي استمر حتى 21 من أيلول/سبتمبر الجاري، بالقرب من البلدة التي تضم مقامًا شيعيًا لعب دورًا مهمًا في مساعدة إيران على حشد الميليشيات الأجنبية في سوريا، بالتزامن مع الإعلان عن الاتفاق على تشكيل لجنة صياغة الدستور السوري، إذ يرفض الغرب المشاركة في إعادة الإعمار دون مواصلة العملية السياسية وبدء عملية انتقال سياسي.

اقرأ/ي أيضًا: خطة إعادة إعمار سوريا.. منفعةٌ للحلفاء وإمعانٌ في التمييز والاضطهاد

وانطلقت فعاليات معرض "إعادة إعمار سوريا" بدورته الخامسة في العاصمة  دمشق، بمشاركة نحو 270 شركة من 29 دولة عربية وأجنبية، خاصة من روسيا وإيران.

تحذير أمريكي ومعارضة أوروبية

أقيم معرض إعادة الإعمار برعاية "اتحاد غرف الصناعة السورية" و"اتحاد غرف التجارة السورية"، إلى جانب منظمة غير حكومية يُزعم أنها مؤسسة أمريكية تأسست عام 1979 وتُدعى "إي سي تي" ولا تتوفر أي معلومات عن "إي سي تي" على الإنترنت، مما يشير إلى أن مصداقيتها مشكوك فيها في أحسن الأحوال.

وكانت الولايات المتحدة قد أعلنت رسميًا عن معارضتها لمشاركة الشركات ورجال الأعمال في معرض "إعادة إعمار سوريا"، كما أن العقوبات الأمريكية تمنع تعامل أي مواطن أمريكي اقتصاديًا مع نظام الأسد. وقالت الخارجية الأمريكية في بيان: "لا تشجع الولايات المتحدة مطلقًا الشركات التجارية والأفراد على المشاركة في معرض إعادة إعمار سوريا. إذ إن أي شكل من أشكال التمويل أو المعاملات، سواء كان استثمارًا أجنبيًا أو متعلقًا بإعادة الإعمار، من المرجح أن يتم توجيهه عبر شبكات عملاء النظام، ما يعود في النهاية بالنفع على النظام والحفاظ عليه".

واتهمت الخارجية الأمريكية نظام الأسد باستخدام "هذه الشبكات الاقتصادية والتجارية لدعم استمرار الصراع في سوريا، الذي أدى إلى مقتل مئات الآلاف من السوريين وتشريد الملايين". وتابعت الخارجية الأمريكية أنه "ومثلما كان الحال في معرض دمشق التجاري الدولي، فإننا سنراقب مشاركة الشركات الأجنبية".

وكانت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، قد أكدت أنه لا مجال للمشاركة في إعادة إعمار سوريا قبل التوصل إلى حل سياسي في البلاد.وقالت ميركل في مؤتمر صحفي عقدته في مدينة بياريتس الفرنسية في ختام قمة "مجموعة السبع" الكبرى، في 26 من آب/أغسطس، إنه لا تزال هناك فرصة أمام العملية السياسية في سوريا، وتحدثت عن وجود تقدم في تشكيل اللجنة الدستورية السورية.

وأضافت، حسب ما نقلت عنها وكالة الأنباء الألمانية (د ب أ)، أن "مثل هذه العملية (اللجنة الدستورية) يمكن أن تبدأ قريبًا، فالأعمال التحضيرية أحرزت تقدمًا على نحو واسع النطاق، وبينت أنه "من دون هذه العملية من غير الممكن التفكير في مساعدة سوريا بإعادة الإعمار".

وكانت المستشارة الألمانية صرحت منتصف العام الماضي أن بلادها لن تشارك في إعادة إعمار سوريا ما لم يتحقق فيها حل سياسي. وسبق أن أعلنت "الدول السبع الكبرى"، في نيسان/أبريل 2018، أنها لن تشارك بإعادة إعمار سوريا دون انتقال سياسي ذي مصداقية لنظام الحكم، وتضم تلك الدول كلًا من الولايات المتحدة وكندا واليابان وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا.

وتقدر الأمم المتحدة حاجة سوريا إلى 300 مليار دولار على الأقل لإعادة إعمار البنى التحتية في البلد. بينما قال النظام السوري منتصف نيسان/أبريل من العام الماضي، إن "إعادة البنية التحتية تكلف 400 مليار دولار على الأقل، ويلزم لهذا وقت من عشرة إلى 15 عامًا".

هل تتنافس روسيا وإيران على إعادة الإعمار؟

برز التنافس الإيراني – الروسي اقتصاديًا في سوريا من خلال محاولة موسكو وطهران الحصول على أكبر وأهم الاستثمارات الاقتصادية في قطاع النفط والاتصالات والثروات المعدنية، وذلك تسديدًا لفواتير التدخل العسكري إلى جانب النظام، حسب ما صرح الإيرانيون أكثر من مرة.

ففي عام 2018 شاركت شركة روسية واحدة في المعرض مقابل 11 شركة إيرانية و41 شركة لبنانية، حيث تركز موسكو على المكاسب قصيرة الأجل في حين تسعى طهران للاستئثار بعقود إعادة الإعمار طويلة الأمد والتي سيتعيّن على نظام الأسد تسديدها خلال خمسة وعشرين عامًا.

وتتخوف موسكو من عدم مشاركة الدول الغربية بإعادة إعمار المناطق السورية الواقعة تحت سيطرة نظام الأسد، كونها لا تستطيع بمفردها أن تحمل ملف إعادة الإعمار في سوريا، بسبب خضوعها لعقوبات اقتصادية من أمريكا والاتحاد الأوروبي منذ عام 2014.

ولذلك تسعى روسيا من خلال طرح ملف إعادة اللاجئين السوريين من أوروبا وتركيا ولبنان والأردن في اجتماعات أستانا، إلى جذب الأموال الأوروبية إلا أن مساعيها لم تنجح سوى في لبنان الذي رحب بمقترح موسكو لإعادتهم رغم تحذيرات الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي. 

رئيس الوفد الروسي المشارك في معرض إعادة الإعمار قال إن الجانب الروسي "يعير اهتمامًا كبيرًا لهذا المعرض، لأنه دليل واضح لبذل كل الجهود لإعادة الإعمار في سوريا، وروسيا جاهزة لمشاركة فعالة في إعادة الإعمار"، لافتًا إلى "وجود عشر شركات روسية تشارك في المعرض، وهذه الشركات تمثل سبعة أقاليم روسية، في مجالات مختلفة كالنفط والثروات المعدنية والأدوات الكهربائية والمنتجات الكيماوية وغيرها من المنتجات".

وشاركت روسيا وإيران بأجنحة واسعة في المعرض، ويعاني البلدان من عقوبات اقتصادية دولية، ما يرجح محدودية مشاركتهما في إعادة الإعمار، وقال معاون وزير الإسكان في حكومة النظام محمد سيف الدين، لصحيفة الوطن الموالية، إن المشاركات في المعرض كانت من خلال 389 شركة تمثل 31 دولة، مشيرًا إلى أن "سوريا ستستفيد من تجارب هذه الدول والشركات وتعرض ما لديها، وذلك بهدف المساهمة في عملية إعادة الإعمار".

وأشار إلى أن ما يميز الدورة الحالية للمعرض هي التقنيات الحديثة التي تم عرضها، والمشاركة الفعالة لبعض الدول بأجنحة واسعة، مثل إيران وروسيا. وبين "سيف الدين" أن المشاركة الروسية كانت فردية في العام الماضي، أما اليوم فيوجد جناح كامل، لافتًا إلى أن المعرض يعطي فرصة للاطلاع على أحدث تكنولوجيا ومواد ومعدات إعادة الأعمار.

تعزيز النفوذ الإيراني

 يرى مراقبون أن مؤتمرات إعادة الإعمار وغيرها من المشاريع الاقتصادية تعتبر إحدى الوسائل التي يمكن لإيران استخدامها لضمان منفذ إلى لبنان، وتعزيز نفوذها على دمشق، وصياغة مستقبل البلاد. وتصبح هذه النوايا الاستراتيجية حتى أكثر وضوحًا عندما يلاحظ المرء أن مثل هذه الفعاليات غالبًا ما تكون برعاية "الحرس الثوري الإسلامي" الإيراني.

وبحسب مدير عام مؤسسة الباشق المنظمة للمعرض، فإن "المشاركة الإيرانية في المعرض هي الأضخم خارج إيران منذ عشرين عامًا، والوفد الإيراني المشارك يمثل 84 شركة من كبرى الشركات الإيرانية في الصناعة والتكنولوجيا والإلكترونيات".

ويضيف المراقبون أن السوق السوري أحد أفضل الخيارات المتاحة أمام طهران للتخفيف من حدة العقوبات الأمريكية المفروضة عليها. وفي هذا السياق، ذكر رئيس "منظمة التنمية التجارية الإيرانية" محمد رضا مودودي في الرابع من آب/أغسطس أن "الصفقات الاستثمارية طويلة المدى مع دمشق توفر لإيران سوقًا تجارية مستدامة".

وفي سياق التحضير للمعرض، اجتمع حوالي 300 رجل أعمال إيراني يمثلون العديد من الشركات في طهران في 4 من آب/أغسطس لحضور "مؤتمر فرص الاستثمار والتجارة في سوريا" الذي نظّمته مؤسسة الباشق لتنظيم المعارض والمؤتمرات، وهي شركة معارض تجارية سورية متخصصة في قطاع البناء تولّت إدارة معرض إعادة إعمار سوريا.

اقرأ/ي أيضًا: المأساة السورية وأوهام الحل السياسي

معرض للتطبيع مع الأسد

كشف موقع "مونيتور" الأمريكي أن ممثلين عن مجموعة من القطاعات مثل الطاقة، الصحة، الزراعة، التعليم، الاتصالات، العقارات، النقل، الأمن، تكنولوجيا المياه وتكنولوجيا المعلومات شاركوا في المعرض. وهم من إيران والصين وإيطاليا، إلى جانب شركات من لبنان والعراق وعمان والإمارات العربية المتحدة، مما يثير مسألة إعادة التطبيع المحتملة للعلاقات مع نظام بشار الأسد على الرغم من جرائم الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان طوال السنوات الماضية.

لم تعد بلدة "السيدة زينب" في ريف دمشق ذات قيمة دينية فقط لإيران؛ بل أصبحت تحمل قيمة سياسية واقتصادية بعد أن استضافت معرض إعادة الإعمار خلال الأسبوع الماضي

وشوهدت علامات على هذا الاعتراف بشرعية الأسد بعد استعادة النظام للأراضي بسرعة واستقراره للسلطة على مدار العامين الماضيين بمساعدة من روسيا وإيران لاسيما من خلال دراسة جامعة الدول العربية ملفًا لإعادة النظام إلى مقعده فيها.

 

اقرأ/ي أيضًا:

خرائط موسكو في ملف "إعادة إعمار" سوريا.. هنا طهران بعيدًا عن الجولان

كيف حصل حلفاء الأسد على 18 مليون دولار من الأمم المتحدة؟