25-نوفمبر-2019

قد يقود الصراع بين الجنرالين موريتانيا إلى أزمة سياسية (تويتر)

تسبّبت عودة الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز إلى موريتانيا بجدل سياسي كبير حرّك مياه السياسة الرّاكدة، بعد ما طالبت مجموعة من الأحزاب بتقديمه إلى المحاكمة بدعوى الفساد، هذا فضلًا عن حدوث بوادر انقسام في حزب الاتحاد من أجل الجمهورية "الحاكم" بسبب الخلاف حول من ينبغي أن يرأس الحزب في ظل وجود رئيس جديد منتخب للبلاد من المفترض حسب أنصاره أن يكون مرجعية  الحزب الحاكم، في مقابل جناح آخر متمسّك برئاسة الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز للحزب باعتباره "الزعيم المؤسّس".

تسبّبت عودة الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز إلى موريتانيا بجدل سياسي كبير حرّك مياه السياسة الرّاكدة، بعد ما طالبت مجموعة من الأحزاب بتقديمه إلى المحاكمة بدعوى الفساد

 من شأن هذه الوضعية، حسب مراقبين، أن تقود إمّا إلى: وجود رأسين في مشهد القيادة، وهذا السيناريو إن حصل سيكون سابقة تاريخية في موريتانيا، أو إلى نشوب صراع بين أقطاب الحُكم: قطب داعم للرئيس الحالي محمد ولد الغزواني يتكوّن حتى اللحظة من قيادات الصف الثاني في حزب الاتحاد من أجل الجمهورية وقطاع عريض من كتلة الحزب داخل البرلمان الموريتاني، في مقابل قُطب الرئيس السابق ويتكوّن حتى الآن من قيادات الصف الأوّل في الحزب الحاكم وبالتحديد لجنتُه التسييرية.

اقرأ/ي أيضًا: جنرالا موريتانيا.. هواجس ولد عبد العزيز تغذي طموح ولد الغزواني

هل يتّسع مقعد الحكم لرئيسين؟

يبدو الرئيس الموريتاني السابق محمد ولد عبد العزيز مصرًا على لعب دور سياسي في الحياة السياسية الموريتانية بعد انتهاء فترة حُكمه، وهو ما بدا جليًا في اجتماعه العلني بقادة الحزب الحاكم لوضع مسطرة عمل للحزب تمهيدًا لعقد مؤتمره العام وتفعيل هياكله. لكن إرادة ولد عبد العزيز في العودة للمشهد السياسي تصطدم بمجموعة من العقبات تفرضها شروط اللعبة السياسية، وفي مقدمتها عدم احتمال قسمة السلطة الفعلية على اثنين. فالرئيس الحالي والمحيطون به يخشون غاية الخشية أن يكون ولد الغزواني، في نظر الشعب، مجرّد محكوم به ولو افتراضًا، ويعتبرون وجود سلفه بما يحمله من رمزية وطموح سياسي في رئاسة أكبر حزب في البلد تشويشًا عليه وضربًا لشرعيته وصورته كرئيس فعلي للبلاد.

الاجتماع الذي عقده الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز مع قيادة حزب الاتحاد من أجل الجمهورية أثار امتعاض عدد من أعضاء الحزب ونوابه في البرلمان، وقد كان النائب البرلماني السابق الخليل ولد الطيب في صدارة من عبّروا عن امتعاضهم من الخطوة ودعا إلى اجتماع عاجل في منزله حضره من يوصفون بداعمي ولد الغزواني في الأغلبية والموالاة، وقد وصف ولد الطيب اجتماع ولد عبد العزيز باللجنة التسييرية للحزب بالاجتماع المستفز، قائلًا بأن ولد عبد العزيز "لا يملك صفة تخوّله المشاركة في الاجتماع"  ومؤكّدا في السياق نفسه أنّ ذلك الاجتماع سيقود إلى احتقان سياسي داخل الموالاة.

 على إثر هذه التصريحات توقّع مراقبون تفاقم الأزمة بين محور داعمي الرئيس السابق ومحور داعمي الرئيس الحالي داخل الموالاة، وكان لافتًا للانتباه دعوة بعض البرلمانيين لكتلة حزب الاتحاد والأغلبية داخل البرلمان للاجتماع واتخاذ موقف موحّد حول البيان الذي صدر عن اجتماع ولد عبد العزيز باللجنة التسييرية لحزب الاتحاد، لكن هذا الاجتماع لم يُكتب له الانعقاد نتيجة تدخّل جهة ما على الخط، لتأجيل حالة الاحتقان السياسي داخل صفوف الموالاة، وربما تكون هذه الجهة الرئيس محمد ولد الغزواني نفسُه الذي لم يُعلن بعد توجهاته النهائية بشأن مصير حزب الاتحاد من أجل الجمهورية. فهو من ناحية فضّل الترشح لانتخابات حزيران/يونيو الفارطة مستقلًا وصرّح أكثر من مرّة بكونه يقف على مسافة واحدة من جميع الأحزاب، لكنه في المقابل اتخذ مجموعة من الخطوات، خاصة في التعيينات، تشير بحسب البعض إلى تمسّكه بالحزب.

اقرأ/ي أيضًا: فوضى أحزاب موريتانيا.. تعددية غير ديمقراطية

درج التقليد السياسي في موريتانيا على أن الحزب الحاكم يزول بذهاب الرئيس الذي جاء به وفي أحسن الأحوال يتحوّل إلى مسمى حزبي دون قاعدة شعبية ودون داعمين سياسيين وماليين من الحجم الكبير، ونفس الأمر ينطبق على الرؤساء السابقين، وذلك لأن الحزب الحاكم في موريتانيا يتشكّل ليُمثّل التوازنات التي جاءت بالرئيس. ولمراعاة تلك التوازنات في تقسيم المناصب وبعبارة أخرى تقسيم الغنائم السياسية المرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالسلطة التنفيذية ممثّلة في رئيس الدولة. وبناء على هذه "الحقيقة التاريخية والسوسيولوجية" سيكون من الصّادم بقاء حزب الاتحاد من أجل الجمهورية في كامل فعاليته السياسية وبرئاسة رئيس سابق غير الرئيس الحالي.

درج التقليد السياسي في موريتانيا على أن الحزب الحاكم يزول بذهاب الرئيس الذي جاء به وفي أحسن الأحوال يتحوّل إلى مسمى حزبي دون قاعدة شعبية

قوى مُعارِضة تُصعّد ضد الرئيس السابق وتُطالب بمُحاكمته

رجوع ولد عبد العزيز إلى موريتانيا بعد سفر دام نحو أربعة أشهر لم يمرّ بشكل عادي. فقد دعت مجموعة أحزاب ائتلاف قوى التغيير الديمقراطي وعدد من الشخصيات والناشطين إلى تقديم ولد عبد العزيز للمحاكمة لمحاسبته على ما أسموها "بعشرية الجمر لحكم محمد ولد عبد العزيز" التي اتسمت حسب بيان أحزاب ائتلاف قوى التغيير الديمقراطي "بكل صنوف الفساد المادي والمعنوي". فهل تُشكّل قضايا الفساد المرفوعة على ولد عبد العزيز ورقة ولد الغزواني الرابحة لتحييد سلفه وإرغامه على التنازل عن طموحه السياسي؟

 

اقرأ/ي أيضًا: 

موريتانيا بين جنرالين