03-يناير-2016

صورة لأثر القصف الأسدي على ريف دمشق (Getty)

يتخذ نظام الأسد في سوريا من سياسة الحصار والتجويع أداة للقضاء على سكان بعض البلدات للتخلص من قاطنيها لاسيما تلك التي تخضع لسيطرة المعارضة السورية المسلحة، وتعيش العديد من البلدات السورية المُحاصرة كارثة حقيقة أدت إلى هلاك العديد من أبنائها جوعًا، كما حدث ولايزال في مخيم اليرموك ومدينة الحجر الأسود وغيرها من المناطق المُحاصرة من قبل النظام السوري.

تعيش منطقتا مضايا والزبداني بريف دمشق حصارًا شاملًا فرضه النظام منذ تموز/يوليو 2015 حتى اللحظة، نفدت معه جميع المستهلكات الغذائية

تعيش منطقتا مضايا والزبداني بريف دمشق حصارًا شاملًا فرضه النظام منذ تموز/يوليو 2015 حتى اللحظة، نفدت معه جميع المستهلكات الغذائية، والذي دخلت فيه البلدتان مجاعة كبرى أودت بحياة العشرات من سكانها جوعًا مع استمرار العدد في تزايد يومي، إضافة إلى حالات الإغماءات اليومية التي تقدر بالعشرات نتيجة نقص التغذية وعدم تناول الطعام منذ أيام بحسب الدكتور محمد دياب يوسف مدير الهيئة الطبية بمضايا.

أظهرت الاستغاثات التي أطلقها سكان مضايا، البالغ تعدادهم أربعين ألفًا، حجم المعاناة وطريقة سير الحياة اليومية بها، من خلال صور ومقاطع فيديو بُثت على وسائل الإعلام، يظهر فيها تحول أجساد السكان إلى هياكل بشرية، نتيجة عدم تناول الطعام منذ أيام عدة، ومع تجاوز الحصار حاجز الستة أشهر وانقطاع الغذاء بشكل كلي، يعتمد من بقي على قيد الحياة على وجبة أساسية وهي الماء المغلي المخلوط بقليل من الملح والبهارات، التغذي على الحشائش، النبش في القمامة، نهاية بذبح القطط وأكلها وذلك بحسب القيادي بحركة أحرار الشام أسامة أبوزيد الذي خرج مؤخرًا من الزبداني ضمن الصفقة الأخيرة التي تمت بين المعارضة السورية المسلحة والنظام.

يتوافر بعض الغذاء في البلدة بشكل ضئيل توسطت فيه أسعار المنتوجات الغذائية بمبلغ 70 دولارًا، بينما وصل كيلو الأرز مبلغ 115 دولارًا وهو غير متوفر أيضًا بحسب المسؤول الغذائي حسن الدبس.

اتفاق الزبداني-الفوعة.. الحصار باقٍ ويتمدد

في الخامس من آب/أغسطس 2015، توسطت الأمم المتحدة لعقد اتفاق بين المعارضة السورية المسلحة "حركة أحرار الشام" من جانب، ووفد إيراني -نيابة عن النظام السوري وميليشيات حزب الله اللبناني- من جانب آخر تم الاتفاق على بنوده في تركيا، والذي قُسم إلى مرحلتين، مرحلة أولى تبدأ من لحظة توقيع بنود الاتفاق، وثانية تبدأ مع انتهاء المرحلة الأولى، على أن يبدأ كلا الطرفين هدنة لمدة ستة أشهر شملت مناطق عدة من بينها الزبداني، مضايا، بقين وسرغايا بريف دمشق "التي تخضع لسيطرة الجيش النظامي السوري ومليشيات حزب الله"، وشمالاً قريتي كفريا والفوعة بمحافظة إدلب وريفها المواليتين للنظام "والتي تخضع لسيطرة المعارضة المسلحة".

تَضمن الاتفاق نقاطًا عدة تبدأ من وقف إطلاق النار بين الطرفين لتبدأ هدنة إنسانية، يخرج فيها المقاتلون السوريون من منطقة الزبداني مع الراغبين من عائلاتهم في الخروج معهم، وخروج خمسمائة معتقل سوري من النساء والأطفال من سجون النظام السوري مقابل خروج عشرة آلاف شخص من قريتي كفريا والفوعة المواليتين للنظام، إضافة إلى أحد الشروط الأساسية وهو إيقاف الخطوات العدائية المتمثلة في إغلاق الطريق الإنساني إلى الفوعة وكفريا، أو إغلاق منافذ مضايا وبقين وسرغايا.

لكن الشرط الخاص بفتح الطريق أمام المساعدات الإنسانية لم يدخل حيز التنفيذ مع استمرار حصار النظام ومليشيا حزب الله لمنطقة مضايا رغم كونه من ضمن بنود المرحلة الأولى، ليزيد من سوء الحالة الإنسانية.

يعتمد من بقي على قيد الحياة في مضايا على وجبة أساسية تتكون من الماء المغلي المخلوط بقليل من الملح والبهارات

يتوقع أن تزيد المعاناة خلال الأيام والأسابيع القادمة مع عدم وجود ما يؤكل وحتى لندرة الحشائش التي يتغذى عليها السكان في ظل حصد الجوع لأرواح جديدة بشكل يومي، إضافة إلى ما يزيد الجوع غصة وهو البرد والصقيع إذ بدأت الثلوج في التساقط ووصلت درجة الحرارة ما دون الصفر في تلك المناطق.

لماذا الزبداني والفوعة؟

على الرغم من البعد الجغرافي بين الزبداني والفوعة إلا أن هناك قربًا استراتيجيًا وسياسيًا نتيجة تقدم المعارضة السورية المسلحة بتلك المناطق الذي دفع النظام إلى هذا الاتفاق لتأمين الحدود الجنوبية والجنوبية الغربية مع لبنان، إضافة إلى رفع سيطرة المعارضة المسلحة عن قرى ريف إدلب ذات الأغلبية الشيعية الموالية لبشار الأسد، وجعلها مقابلًا لمقابل مع مضايا والزبداني.

كانت منطقتا الزبداني ومضايا من أوائل المناطق التي نادت صراحة بإسقاط النظام السوري مع بداية اندلاع فتيل الثورة السورية، وتعرضت للاجتياح البري مبكرًا من قبل آليات النظام في 17 تموز/يوليو 2011، ثم في 15 تشرين الأول/أكتوبر من ذات العام أيضًا، إضافة إلى الاشتباكات التي حدثت على أرضها والقصف الذي تعرضت له وخلف نسبة تدمير للمنازل تقدر بـ98% حسب بيان أصدره المجلس المحلي بالزبداني.

اقرأ/ي أيضًا:

سيرة نوستالجية للثورة السورية

لماذا نختلف حول سمير القنطار؟