18-يونيو-2016

في يوم الثورة على الملك 1952 (Getty)

مع كل فترة انتخابات رئاسية، أو في ذكرى حركة الضباط الأحرار، التي تحلّ بعد شهر، تظهر دعوة شاردة إلى عودة الملكية، وتنصيب وريثها الشرعيّ الملك أحمد فؤاد الثاني، المقيم في باريس الآن، على عرش "المملكة المصرية"، أو مطالبته بالترشح للرئاسة، ويمكن القول إن المطالبة بعودة الملكية قد تحولت في مصر، إلى نوع من الألعاب اللغوية لتسلية الوقت، وفتح نقاشات لا تنتهي، لكن بدون أي أهداف حقيقية من ورائها سوى الإثارة الذهنية.

المطالبة بعودة الملكية قد تحولت في مصر، إلى نوع من الألعاب اللغوية لتسلية الوقت، وبدون أي أهداف حقيقية من ورائها سوى الإثارة الذهنية.

 لكن هذه المرة كان التوقيت مختلفًا، ولم يأت في صيغة دعوة لعودة الملك بل في شكل حنين لأيام الملكية، ومقارنات عابرة بين الآن و"زمان"، حين كان الطفل أحمد فؤاد في شهوره الأولى عندما أطيح بوالده الملك فاروق، وقامت ثورة يوليو بتوريثه العرش لفترة قصيرة "تحت الوصاية" قبل أن ينهي "عبد الناصر" الملكية إلى غير رجعة.

تنتصر أغلب المقارنات لأيام الملكية، فمن وجهة نظر أصحابها، حافظ "قصر الباشا" على الحد الأدنى من العيش الكريم، الذي لم يعد موجودًا الآن في القاهرة، وهو ما روَّجه مقال هزَّ مواقع التواصل الاجتماعي خلال اليومين الماضيين -بعد إعادة نشره- وعنوانه "حقيقة تاريخنا" للإعلامي عماد أديب، وقدمه بجملة "نحن أصحاب أكبر تاريخ معاصر مزور بعيد عن الحقائق".

وأضاف "أديب": "علمونا أن العهد الملكي البائد كان أسوأ العهود التي انتشرت فيها ثلاثية الجهل والفقر والمرض.. هل هذا صحيح؟".

وطرح عدة إجابات على سؤاله: "تقول الإحصاءات إن سعر الدولار الأمريكي عام 1950 كان 35 قرشًا، وإن الجنيه الإسترليني كان سعره 97 قرشًا، وإن الفرنك السويسري كان سعره ثمانية قروش! وكانت المصانع الإنجليزية في مدينتي مانشستر سيتي ويوركشاير تعتمد على القطن المصري في الصناعة".

اقرأ/ي أيضًا: هل تتحول داعش لنسخة أخرى من القاعدة؟

دخل "أديب" مساحة الثقافة: "في زمن الجهل المزعوم ظهر طه حسين، وعباس العقاد، وسلامة موسى، ونجيب محفوظ، وبنت الشاطئ، ومحمد عبد الوهاب، وأم كلثوم، وبيرم التونسى، وزكريا أحمد، والشيخ محمد رفعت، والشيخ على عبد الرازق. وفي عهد الفقر المزعوم، أقام طلعت باشا حرب 43 شركة أساسية في جميع المجالات باستثمارات وطنية ما زالت تمثل قاعدة قوية للاقتصاد الوطني حتى يومنا هذا".

واستشهد على ذلك بقصة: "كان السائح المصري هو أهم سائح في لبنان، حتى إنهم يطلقون على العملة في بلادهم لقب (المصاري) نسبة إلى المصريين".

ومع موجات "الملكية" المتردِّدة تنتشر صفحات على فيسبوك وتويتر عن الملك فاروق، وابنه أحمد فؤاد، ومديح لا ينقطع عن إنجازات محمد علي، وأولاده، بالصور والفيديوهات القديمة، ومذكرات منسوبة للملك، أيًا كان اسمه، تنشر هنا وهناك.

إحدى الصفحات التي تنادي بعودة الملكلية، وتدعى "الشعب المصري يريد رجوع الملك إلى مملكته"، وصل عدد أعضائها إلى ثمانية آلاف، ورغم ذلك تؤكد على وجود شريحة من المجتمع المصري تؤمن بضرورة عودة أحمد فؤاد الثاني لاسترداد ملك عائلة، ويقول أحد أعضائها دفاعًا عن وجهة نظره: "في عهد الأسرة الملكية بنيت دار الأوبرا. وفي عهد مبارك تم حرق مجلس الشورى، في عهد الملك فاروق أنجبت مصر أم كلثوم. وفي عهد مبارك أنجبت مصر روبي وتامر حسني. في عهد الملك فاروق تم إعلان الحرب على إسرائيل، وفي عهد السادات تم إبرام معاهدة السلام. وفي عهد مبارك تم بيع ثروات مصر لإسرائيل، من الأفضل برأيكم؟".

عضو آخر اتهم "التاريخ الموجود في الكتب المقرَّرة من وزارة التربية والتعليم بأنه مزوَّر ويسيء للملك فاروق، بالرغم من إنه باني مصر، وحوَّلها إلى جنة".

وهو ما يتقاطع مع مطالب مالك الصفحة -التي فضَّل أن يستند فيها إلى السنة-مشددًا: "أعط كل ذي حق حقه، وعودة المملكة المصرية ليست حلمًا بعيد المنال، فلقد سبقتنا إسبانيا برجوع ملكها خوان كارلوس ملك إسبانيا من 22 تشرين الثاني/نوفمبر 1975".

واعتبر مالك الصفحة ظهور علم "المملكة المصرية" الأخضر في مناسبات مختلفة أبرزها ثورة "25 يناير" إشارة إلى حنين المصريين وقرب العودة، قائلًا: "ارجع يا ملك إلى ملكك". 

إلى جانب الصفحة الأكبر عددًا، كانت هناك صفحات أخرى انطلقت للفكرة ذاتها، ومن بينها "الصفحة الرسمية للملك فاروق الأول"، و"معا لعودة جلال الملك أحمد فؤاد الثاني ملكا لمصر"، و"عودة الملكية والملك المعظم أحمد فؤاد الثاني".

ويستشهد أصحاب الصفحات في دعوتهم بالأعمال الخيرية التي لم تنقطع من جانب أسرة محمد علي في مصر -وفقًا لقولهم- وآخرها تبرع الملك أحمد فؤاد سرًا للقاهرة خلال حرب أكتوبر 1973، والتبرع لضحايا الزلزال الكبير في 1992.

مع موجات الحنين للملكية في مصر تنتشر صفحات على فيسبوك ع+-ن الملك فاروق الأول وأولاده، مطعمة بفيديوهات وصور قديمة لإثارة النوستالجيا عند الناس

ويدعم مجموعة من الفنانين، الذين عاشوا فترة الملكية واقتربوا من القصر، فكرة العودة، وأبرزهم حسين ومصطفى فهمي.

وصل طرح فكرة الملكية إلى استضافة أحد أبرز وجوه الفترة، التي لا تزال على قيد الحياة، الملك أحمد فؤاد في برنامج "العاشرة مساء"، الذي يقدمه وائل الإبراشي.

وعلق "فؤاد" -بلكنة عربية "مكسَّرة"- عليها قائلًا: "مستحيل، مصر بالنسبة لي ليست قصورًا وممتلكات، إنما بلد وشعب عظيم أكنّ له كل الحب والتقدير".

وأبدى خلال اللقاء غضبه من المسلسلات المصرية حول فترة الملكية، وآخرها "سراي عابدين"، خاصة أنه غير راض عن عدم تصويرها لإنجازات جده الأكبر الخديوِ إسماعيل، وتقديمها كفترة "عربدة ونساء".

اقرأ/ي أيضًا: تاريخ صناعة السلاح في إسرائيل..3 مراحل و3 أهداف

التقط طرف الخيط أحمد المسلماني، مستشار رئيس مصر السابق، فسأل الأميرة فريال، نجلة الملك فاروق، إذا كان شقيقها أحمد فؤاد الثاني يريد العودة إلى مصر أو طرح اسمه للرئاسة؟

تراجعت في مقعدها بفندق البرنس دوجال في باريس، وردَّت بحزن وانكسار: "للأسف، زواج أخي فؤاد من دومينيك فرانس -الملكة فضيلة- أنهى كل الاحتمالات.. ليس فقط احتمالات السلطة.. بل حتى احتمالات المكانة الرفيعة في مصر".

لماذا؟.. قالت: "زوجة فؤاد يهودية تم وضعها في طريق أخي ليتزوجها.. حاولت منع ذلك ولكن المخطط كان أكبر منا.. وتزوج أخي منها.. وأنت تعرف أن اليهودي ينتسب للأم اليهودية.. وهكذا نجح المخططون في أن تصل وراثة العرش إلى أبناء نصف يهود".

اشتبكت "فريال" قليلًا مع فكرة العودة: "نريد أن نعود تدريجيًا إلى مصر، ولكن دون أن يقلق منا أحد".

كان اللقاء خلال سنوات حكم الرئيس الأسبق، حسني مبارك، فاستكملت: "نحترم النظام الحالي، ولا نريد إثارة السيدة سوزان مبارك، لأنها قوية جدًا، ويمكن أن تسبب لنا متاعب".

ووفق مقرَّبين من العائلة الملكية.. هناك من حاول دفع أحمد فؤاد الثاني -الذي يعمل مستشارًا ماليًا واقتصاديًا لشركات أجنبية- للعب دور في غرف الحكم بالقاهرة سواء عن طريق حزب جديد يحمل اسم "الدستورية الملكية" وتحديدًا خلال فترة الفوضى الخلاقة بعد "25 يناير"، كانت أولى خطواتها زواجه من مصرية، وإعادة تقديمه إعلاميًا كوريث للعرش، وهو ما وجد قبولًا لدى عائلات أرستقراطية، وبعض الليبراليين، وورثة الإقطاعيين في الصعيد، لكنه رفض، وبدت الفكرة -من وجهة نظره- أسطورية وغير قابلة للتحقيق.

اقرأ/ي أيضًا:

مساع لإعادة مقاتلين في الحشد الشعبي لجؤوا لأوروبا

نواب سنة وكرد يخشون العودة إلى بغداد