18-يوليو-2016

تمتد مياه الإسكندرية من رأس التين حتى أبو قير بـ44 شاطئًا(إيفان دميتري/Getty)

وقفت السيدة الخمسينية أمام أمواج شاطئ النخيل تنتظر جثمان ابنها، الذي توقعت أن يكون منتفخًا وتبدو عليه آثار الغرق، وربما طعنات الأسماك، كانت تتوقع أن تحمله إليها موجة، وتقول: "لا أريد أكثر من أن أدفنه في مكان أستطيع أن أزوره فيه.. أنا مؤمنة بقضاء الله وقدره، ولو مات فالحمد لله على كل شيء، لكن أريد أن أدفنه بيدي وألقي عليه نظرة وداع".

وفقًا لإحصاءات رسمية، فإن 121 شخصًا فقدوا حياتهم خلال 4 أشهر في عام 2013 بشواطئ منطقة "العجمي" بالإسكندرية

كان "محمد" قد نزل البحر مع أصدقائه، وخاض بقدميه بين الأمواج، في مكان هادئ بشاطئ النخيل، لكن الرمال الفائرة سحبته إلى الداخل، واستمرت في سحبه دون أن يلاحظ، حتى فوجئ بدوامة فشل في هزيمتها، واستسلم للموت. هكذا روى أصدقاؤه، الذين كانوا معه، ولم يروه وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة، كان كل شيء هادئًا في "النخيل"، الواقع غرب الإسكندرية بمنطقة العجمي، لم يصرخ "محمد" ولم يستغث، وحتى لو فعل، لم يكن هناك، على الشاطئ قوة إنقاذ تستجيب له وتنتشله حيًا أو ميتًا.

اقرأ/ي أيضًا: صيف 2016 في لبنان.. حر الفساد يحرق السائحين

أين المفاجأة؟.. حاول أصدقاء "محمد" البحث عنه، مشَّطوا الأمواج، والمنطقة المحيطة، استأجروا "لانش" للدخول في أعماق البحر البعيدة، لكن الجسد لم يظهر، ولا يزال البحث جاريًا بمراكب الصيد وفرق الإنقاذ لتحقيق أمنية أمه الأخيرة.. "نظرة وداع".

هذه حكاية من ضمن حكايات كثيرة عن ضحايا شاطئ "النخيل"، الذين امتلأت بذويهم مكاتب صحة العجمي، كل يوم حادث غرق جديد، وشكاوى متكررة وصلت إلى الرئيس، لكن لا ردّ فعل، من يطالب بإغلاق الشاطئ أو على الأقل توفير فرق إنقاذ مدرَّبة لا يفرغ من شكواه حتى يجد من يبلغه بـ"ضحية جديدة" منتفخة انتشلوها من بين الأمواج.

ليس شاطئ النخيل وحده، خاصة بالإسكندرية، تمتد مياه المحافظة الساحلية من رأس التين حتى "أبو قير" بـ44 شاطئًا، عامًا وخاصًا، أخطرها "رأس التين وأبو العباس والعصافرة وسيدى بشر وأبو هيف وميامي والمندرة". ووفقًا لأهالي الغرقى، لا خدمات، ولا رعاية، ولا اشتراطات سلامة وأمان، ولا سواتر ترابية أو مصدَّات أمواج، ولا "مراقب" يتابع من تزل قدماه في "سحب الرمال"، ولا فرق إنقاذ موجودة لانتشال من يتعرَّض للغرق.

اقرأ/ي أيضًا: الليطاني يعاني: من يذبح النّهر؟

تمتد مياه الإسكندرية من رأس التين حتى أبو قير بـ44 شاطئًا، عامًا وخاصًا، وتتكرر بمعظمها حالات الغرق ووفقًا لأهالي الغرقى لا تتوفر رعاية خاصة

وفقًا لإحصاءات رسمية، فإن 121 شخصًا فقدوا حياتهم خلال 4 أشهر في عام 2013 بشواطئ منطقة "العجمي" بالإسكندرية، وفُقِد 20 شخصًا بشواطئ البيطاش وشهر العسل بالإسكندرية خلال أسبوعين. وتزايدت وتيرة الغرقى مع حلول 2016 حتى أطلق نشطاء هاشتاج كان واسع الانتشار، وهو #أغلقوا_شاطئ_النخيل ، الذي سجَّل جميع روايات أهالي الضحايا والناجين حول "مصيدة النخيل".

وتؤكد سيدة موسى، إحدى سكان منطقة الهانوفيل بالإسكندرية، أن الاستغاثات بالمحافظة لإغلاق "شاطئ النخيل" نظرًا لكثرة حوادث الغرق في مياهه مستمرة منذ وقت طويل، أي قبل ثورة "25 يناير"، لكن في الآونة الأخيرة تضاعفت أرقام الغرقى بسبب كثرة القرى السياحية الجديدة، وتزايد أعداد المصطافين، وتضيف: "لا يريد أهالي ضحايا شاطئ الموت أكثر من نظرة أخيرة لأولادهم، خاصة وأن عدد الغرقى منذ عيد الفطر الماضي في تزايد، وسجلنا 15 غريقًا في يوم واحد!".

وعن معاناة الغواصين، تقول: "يفشلون في إيجاد الجثث لانتشالها بسبب دخولها بين الصخور". وتروي سيرة إحدى الحالات: "غرق طالب يدعى عبد الرحمن منصور، وظلت جثته في البحر 21 يومًا حتى لفظتها الصخور على الشاطئ بعد انتفاخها، وضياع أجزاء منها، والسبب في كثرة حالات الغرق، سوء حالة الحواجز وتآكل مصدات الأمواج والبلوكات، وأصبح هناك فراغات بينها لا تمنع مرور الجثث، ولا تقلل قوة الأمواج ما يضعف قدرة الغريق على مقاومة السحب".

اقرأ/ي أيضًا:

صيف المغاربة.. سياحة داخلية ومهن موسمية

إجازة الجزائريين الصيفية.. بين تونس والجزائر