13-يناير-2016

رفض طلاب مصر دخول "حظيرة التعليم العالي"(مصطفى الشامي/الأناضول)

كان أشرف الشيحي، وزير التعليم العالي المصري، متناسقًا مع ذاته وسياسة الدولة حين جلس اتحاد طلاب مصر المنحلّ أمامه بمقر الوزارة، وطلبوا منه أن يجلس أحدهم على كرسي بجواره فقال لهم: "ماحدش هيقعد هنا جنبي.. أنا الوزير.. وإن كان عاجبكم".

هل تحتاج مصر إلى وزارة تعليم عالٍ؟ هذه الوزارة التي تأسست عام 1961 بقرار رئاسي لاحتواء الجامعات

بدا المشهد معبرًا أكثر مما ينبغي، حتى الذين علقوا لم يصلوا إلى نفس المستوى من العبث، أحدهم قال: "سيادة الوزير بيحب يقعد جنب الشباك"، أمّا التعليق الذي كان أكثر إسقاطًا على الواقع، فكان "الوزير عايز يستريح على كل الكراسي لوحده".

أن تقف في طريق اتحاد طلاب غاضب، يعني ذلك أنه سيهزمك، سيكسرك، لن يحنو عليك أو يرحمك من سخريته وربما يلتقط معك صور "سيلفي"، كما صرّح الوزير بأنهم طلبوا منه، قبل أن تدخل المتحف مع تماثيل الشمع وسيوف الحرب وجثث الفراعنة المحنطة.

من السهل أن تتعامل مع الوزير الشيحي، الذي رفض اعتماد أوراق اتحاد طلاب مصر، على أساس أنه رجل عنيد، وجد نفسه في قلب الأحداث بعد قضية صنعها وفشل في إدارتها بارتباكه، وقلة خبرته، فالوزراء في مصر مصابون بمرض خبيث اسمه "الفساد الغشيم"، زمن الفساد الجميل انتهى مع وزراء حسني مبارك، وترك مخلفات غير صالحة للاستعمال الآدمي في دواوين الوزارات ومقارها، منتهية الصلاحية.

لكن عندما تتأمَّل الصورة من قريب ستكتشف أنه ليس عنيدًا، ولم يختر ظروفه، إنما الظروف هي التي اختارته، و"فرمته" تحت عجلاتها، وصوَّرته كرجل وجد نفسه، فجأة، معلَّقًا في الجو، ومطلوب منه أن يطير، ويكون له دور، ويصنع أعداء، ويحاربهم، ويقضي عليهم، ثم كانت المفاجأة، هو مجرد أداة تتلقى تعليمات، فلا أحد يسانده ولا أحد يريد له أن ينجح، أملوا عليه قرارات لتأخير تنصيب اتحاد طلاب مصر لما بعد ذكرى 25 يناير لا أكثر.

مطلوب منه أن ينفذ الأوامر فقط ليكون بحجم المنصب، لقد حمَّلوه أكثر من قدرته على التحمل. لا يحتاج الوزير إذًا أن تشتبك معه، فقد أثبت أنه لا يملك من أمره شيئًا بعدما خسر كل معاركه، ولا يزال في مكتبه إلى الآن وزيرًا بلا أنصار. الاشتباك الآن مع فكرة وزارة التعليم العالي، الفكرة لا الوزارة.

هل تحتاج مصر إلى وزارة تعليم عالٍ؟ السؤال يحيلك إلى حكايات من وزارات أخرى لا بد أن تقرأها قبل أن تعود إلى الوزارة التي تأسست عام 1961 بقرار رئاسي لاحتواء الجامعات.

"خرفان" فاروق حسني

في حوار صحفي قبل أكثر من سبع سنوات، سأل عبد الله كمال، رئيس تحرير روز اليوسف الراحل، فاروق حسني، وزير الثقافة، الذي جلس على كرسيه ثلاثة وعشرين عامًا، عن حقيقة مقولته "أدخلت المثقفين في حظيرة وزارة الثقافة"، فرد عليه: "نعم قلت، ولمعلوماتك، قلت أشياء أخرى أجمل بكثير، فلماذا الإصرار على ترديد جزئية كهذه بالذات؟ أنا أقول لك: لأن البعض يريدون إخافتي، وأنا أقول لهم لست هذا الشخص. أنا لست الوزير الذي يمكن أن تخيفه مجموعة من عشاق الجلوس على المقاهي.

وماذا أقصد بهذه المقولة التي يبدو أنها غاظتهم كثيرًا؟ المعنى واضح. قمت بإدخال المثقفين في حظيرة وزارة الثقافة. ومالها حظيرة الوزارة؟ عيبها ايه هذه الحظيرة السخية معهم؟ أليست هي التي تدفع لهم الأموال وتفتح بيوتهم؟ أليست هي التي تعطيهم النقود التي يشترون بها أقلامًا يستخدمونها في الهجوم علينا؟ كيف كانوا سيحصلون على ثمن الورق الذي يملؤونه بالنقد الهدام للوزير وكل الأنشطة التي لم يسبق أن قام بها أحد والحظيرة التي يأكلون منها؟ وقل لي أنت: من يدفع نفقات التفرغ؟ الحظيرة، ومن يتحمل تكاليف سفرهم ومؤتمراتهم ومعارضهم ونشر كتبهم وشراء مسرحياتهم وموسيقاهم".

فاروق حسني يذبح المثقفين، يعترف أنهم دخلوا "حظيرة الدولة"، التي كان مسؤولًا عنها، بل كانت مسؤوليته الأولى لكي لا ينقلبوا على الرئيس أو يهاجموه، وتقاضوا أموالًا هائلة من جيوب دافعي الضرائب مقابل أن يكونوا خرافًا مستأنسة، وفي ذلك العهد تحوَّلت وزارة الثقافة إلى منظمة حكومية لتمويل المثقفين بطرق مشروعة لا تمويل الثقافة.

ما الهدف من هذه الوزارة إذًا؟ أن تسيطر الدولة على المثقفين، تشتريهم، وتمنعهم من مهاجمتها، فأن تكون معنا أفضل من أن تخدم معسكر الأعداء، والدولة كانت تعرف جيدًا أن الثورات تبدأ من ندوات الكتب ومناقشات المثقفين على التلفزيون وفي وسط البلد وديوان الوزارة بالزمالك.

تلفزيون صفوت الشريف

قال صفوت الشريف: "أنا آخر وزير للإعلام في مصر"، ولم تتحقق نبوءته. رجل المخابرات كان يعلم خطورة وزارة الإعلام، أنت في وزارة تحكم عقول المصريين، ولديك مبنى يمكن لمن يديره أن ينقلب على الرئيس، ويدعو لنظام جديد ببيان يذاع على التلفزيون المصري.

كان صفوت الشريف يدير وزارة الإعلام بالشرائط الجنسية، النكتة تقول إنه يحمل في درج مكتبه شريطًا لكل مواطن

داهية وصاحب صفقات مشبوهة ويدير الإعلام بالشرائط الجنسية، النكتة تقول إنه يحمل في درج مكتبه شريطًا لكل مواطن، والقصة الحقيقية تتجاوز النكتة فقد كان يجذب إلى "ماسبيرو" مئات الصحفيين والمذيعين المعارضين، والمؤلفة قلوبهم، وطالبي القرب من النظام، يصرف لهم مكافآت وحوافز بالملايين، يكسر عينهم، ويضمن أنهم لن يتمرَّدوا عليه، وبعضهم له شرائط وصور عارية، انتظر أن يذيعها ويكشفها في اللحظة المناسبة حين يكسر أحدهم الخط الأحمر، أو ينحرف عن الطريق المرسوم له.

فلسفة صفوت الشريف هي "الجنس أقصر طريق للحصول على المعلومة"، تعلمها من أستاذه صلاح نصر، صاحب فضيحة المخابرات الشهيرة في زمن عبد الناصر، والكلام للكاتبة المصرية اعتماد خورشيد، تقول: "تعوّد أن يصور النجمات خلال ممارسة الجنس، ومنهن سعاد حسني، ويصور المذيعين، يزرع لهم الكاميرات في أي مكان بطريقته ويدسّ عليهنّ عاهرات للحصول على شرائط يساومهم بها فيما بعد، وأكثر من ذلك أنه صوّر حسني مبارك عاريًا وهو يمارس الجنس مع عدد من النساء".

لماذا اتجهت "الإعلام" إلى مصيرها، الإلغاء؟ لأنك أمام وزارة بلا قيمة، تستنزف ميزانية ضخمة في هدايا، ومكافآت، وعطايا لتجنيد صحف وصحفيين وقنوات ومذيعين، وهناك جهات أخرى مثل "اتحاد الإذاعة والتلفزيون" ومدينة الإنتاج الإعلامي والمجلس الأعلى للصحافة تلعب دورها. خلاصة الكلام، وزارة الإعلام "غطاء" لعمليات توجيه الإعلاميين، وإدخالهم "حظيرة صفوت الشريف".

"طلاب" أشرف الشيحي

بعد كل هذا، هل تحتاج مصر إلى وزارة تعليم عالٍ؟، السؤال الأدق، لماذا تحتاج مصر إلى وزارة تعليم عالٍ؟، القانون يقول إن كل جامعة مستقلة لها رئيس هو وحده المسؤول عنها ويمكن أن تخالف قرارات الوزارة بقرارات خاصة تسري على طلابها وحدهم، ستقول إن "التعليم العالي" دورها أن تمسك كل الخيوط بين يديها، سأقول لك: وهل هذا مطلوب؟

في مصر، انفجرت وزارة الإعلام، انسحبت وزارة الثقافة من حرب الدولة والمثقفين، والطلاب رفضوا دخول الحظيرة، فانسفوا وزارة التعليم العالي

بالطبع لا، أن تمسك الحكومة بكل الخيوط يعني أن تستبد، ويتحكم الوزير في الطلاب والجامعات كما لو كانت "عزبة"، فالوزارة التي تأسست عام 1961 بقرار رئاسي لاحتواء الجامعات لا لسبب آخر، لا تريد الآن أن تسحب نفسها من ساحة الحرب، و"احتواء الجامعات" مصطلح فخم ينفصل إلى جزئين: السيطرة على الطلاب، وتجنيد الأساتذة.

فشلت وزارة التعليم العالي في الأولى، قائمتها الطلابية "صوت طلاب مصر" سقطت في الانتخابات، والأساتذة يمكن أن تكون لهم نقابة مستقلة تدافع عنهم لا تدخلهم الحظيرة. السؤال الآن، ما الفرق بين وزارة "الشيحي" ووزارتي فاروق حسني وصفوت الشريف؟ انفجرت وزارة الإعلام بمن فيها، انسحبت وزارة الثقافة من الحرب الدائرة بين الدولة والمثقفين، أو يمكن أن تقول إن المثقفين لم يعودوا في حاجة إلى حظيرة.. والطلاب رفضوا دخولها..انسفوا "التعليم العالي".

اقرأ/ي أيضًا: 

جامعة الأزهر.. "عزبة" عبد الحي عزب!

معركة إخوانية - إخوانية على جثة اتحاد طلاب مصر