28-نوفمبر-2023
صور للرئيس السيسي في القاهرة

(Getty) صور للرئيس السيسي في القاهرة

أيام قليلة تفصلنا عن موعد انتخابات الرئاسة المصرية التي ستمنح ولاية رئاسية مدتها 6 سنوات تنتهي في 2030. حددت الهيئة الوطنية للانتخابات موعد الإدلاء بالتصويت للمصرين بالخارج أيام الأول والثاني والثالث من كانون الأول/ديسمبر المقبل، بينما حددت موعد الإدلاء بالتصويت للمصرين في الداخل أيام 10 و11 و12 من الشهر نفسه. أسبوعان فقط يفصلان البلاد عن مستقبلها لست سنوات مقبلة.

نهاية الأمل أم بدايته؟ أحمد الطنطاوي أنموذجًا

انتهت رحلة الأمل ومغامرة النائب البرلماني السابق أحمد الطنطاوي، بعد مناوشات مع الأمن المصري، ازدادت وطأتها في الأشهر الأخيرة، قبيل عودته إلى مصر في أيار/مايو الماضي، مقررًا نيته خوض الانتخابات الرئاسية المقبلة رافعًا شعار "يحيا الأمل".

أعلن الطنطاوي في المؤتمر الصحفي الذي عقده مساء الجمعة 13 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، في مقر حزب المحافظين بالقاهرة، أنه خارج السباق الرئاسي، رغم أنه لم ينسحب ولن ينسحب، هكذا اختار ألفاظه، مفضّلًا استخدام كلمات أخرى مثل المنع والقمع وعدم السماح، تلك الكلمات التي هي بالأساس دفعة نفسية لمؤيديه وأنصاره، فبغض النظر عن المصطلح الصحيح: انسحاب، منع، عدم سماح، فالنتيجة واحدة.. أحمد الطنطاوي خارج السباق الرئاسي.

يشترط للتقدم بأوراق الترشح لمنصب رئاسة الجمهورية، إما 20 تزكية من نواب البرلمان، أو 25 ألف توكيلًا شعبيًا من المواطنين، موزعين على 15 محافظة على الأقل، بحد أدنى ألف توكيل من كل محافظة، وهو ما فشلت حملة الطنطاوي في استيفائه، أو الأصح مُنعوا من تحرير التوكيلات في مقار الشهر العقاري، وتعرضوا على مدار الفترة المسموح بها لجمع التوكيلات اللازمة، لتضييقات أمنية وانتهاكات واسعة، نتج عنها القبض على أكثر من 130 شخصًا من حملة الطنطاوي، على أقل تقدير، ورغم ذلك فقد تمكنت الحملة من جمع 14 ألف توكيل، أغلبهم من المصريين المقيمين بالخارج، ذلك رغم تضييق السفارات والقنصليات على تحرير التوكيلات للمواطنين.

يشترط للتقدم بأوراق الترشح لمنصب رئاسة الجمهورية، إما 20 تزكية من نواب البرلمان، أو 25 ألف توكيلًا شعبيًا من المواطنين، موزعين على 15 محافظة على الأقل، بحد أدنى ألف توكيل من كل محافظة

ولم يكتفِ الأمن باستبعاد الطنطاوي من مشهد الانتخابات، إنما استفاد من انشغال العالم بالحرب على غزة، وأحال الطنطاوي ومدير حملته الانتخابية محمد أبو الديار ضمن 22 شخصًا إلى المحاكمة الجنائية، في القضية رقم 16336 لسنة 2023 جنح المطرية، بتهمة تداول أوراق تخص الانتخابات دون إذن السلطات عبر دعوة المواطنين لتوقيع توكيلات شعبية لتأييد الطنطاوي.

وفي هذا السياق، أصدرت مؤسسة لجنة العدالة، إلى جانب أربع مؤسسات حقوقية أخرى، بيانًا يدين منع الطنطاوي من الترشح وإحالته للمحاكمة، ويعتبرون الأمر بمثابة مؤشر جديد على عدم شرعية الانتخابات المقبلة، نتاج سياسات وقوانين تم تبنيها على مدار العقد الماضي تتيح للسلطة التنفيذية السيطرة على كافة مؤسسات الدولة واستخدامها لقمع جميع أشكال المعارضة السلمية، تارة باستخدام قوانين مكافحة الإرهاب التي يتم توظيفها للانتقام من المعارضة، وأخرى من خلال مصادرة استقلال السلطة القضائية والهيئة الوطنية للانتخابات، عبر قوانين وتشريعات تم إعدادها خصيصًا لتضمن فوز ساحق للرئيس الحالي والعصف بكل الطرق السلمية للتغيير وطرح وإعداد بدائل سياسية.

وتعاني مصر من انتقادات واسعة فيما يخص السيطرة الأمنية على منظومة العدالة وتسيس القضاء، حيث تراجعت إلى المركز 136 من أصل 142 دولة في مؤشر سيادة القانون لمؤسسة مشروع العدالة العالمية لعام 2023، الذي يعتمد في تقييمه على ثمانية عوامل أساسية منها، سلطة الحكومة وشفافيتها وغياب الفساد والعدالة الجنائية.

رحلة الطنطاوي من "يحيا الأمل" إلى "تيار الأمل"

ذكرتُ في مقال سابق، مع بداية السباق الرئاسي، أن السلطة المصرية الحالية تحاول بكل السبل منع أحمد الطنطاوي من الوصول إلى عتبة الانتخابات كمرشح رسمي، وتسعى إلى حصره في خانة المرشح "المحتمل"، وهو ما حدث، لذا كان من الضروري أن تتحول الحالة الإيجابية التي صنعها الطنطاوي إلى صداع مستمر في رأس السلطة لا يتوقف عند منعه من الترشح، وأن تتحول حملة ترشحه التي ما زالت طوبة لبنة إلى بناء صلب ومشروع سياسي يمثل معارضة وطنية قادرة على مجابهة السلطة وقادرة على فرض الأمل من جديد ونشره بين الشعب بعدما سُلب منه طوال السنوات الماضية.

لعل أذكى ما فعله الطنطاوي في حملته هو اختيار شعار "يحيا الأمل"، الذي جعل مئات الآلاف من المصريين يلتفون حوله من جديد، مؤمنين بالأمل وجدواه، وبإمكانية التغيير السلمي عبر انتخابات نزيهة وعبر آليات التحول الديمقراطي، بعدما سُلب منهم الشارع وحق التظاهر والتجمع السلمي.

تقع على كاهل الطنطاوي وحملته مسؤولية كبيرة تجاه الشعب المصري، فدورهم الآن هو التصدي للسلطة الحالية عبر شكل أكثر تنظيمًا وتأثيرًا ودوامًا. ويقع على كاهل الطنطاوي ري الأمل وتغذيته والحرص على بقائه بعدما أحياه في النفوس، كي لا يُحبط المتشائمون ولا يعود المتحمسون إلى مقاعد المتفرجين مجددًا، فالحالة التي تلت إعلان الطنطاوي خروجه من السباق الرئاسي اتسمت بفقدان الأمل من جديد وتثبيط العزائم، وهي حالة من الواجب محاربتها والتمسك بالأمل والتأكيد على وجود مسارات أخرى وسبل بديلة للمقاومة.

أدرك الطنطاوي ذلك، فأعلن سريعًا نيته لتأسيس مشروعه السياسي المعنون بحزب "تيار الأمل"، وهنا وقع الطنطاوي في خطأين، الأول توقيت الإعلان في خضم حرب غزة، مما أضعف من الزخم حوله، والثاني اختيار لفظ "تيار"، فما زال البعض يحصر الطنطاوي في خانة الناصري الذي خرج من عباءة حمدين صباحي وتلميذه النجيب، وعلى رغم تباين الآراء في العديد من المواقف السياسية، وأبرزها الموقف من النظام السوري، إلا أن الطنطاوي ما زال سجين تلك المنطقة، وباختياره لفظ "تيار الأمل" يعيد إلى الأذهان مرة أخري تجربة "التيار الشعبي" الذي أسسه صباحي بعد الثورة المصرية في عام 2012، فإن وُفق الطنطاوي في اختيار لفظ "الأمل" فإنه أخفق في اختيار لفظ "تيار".

المعارضة تأكل نفسها والأمن يفوز من جديد

إذا عُدنا إلى مشهد الانتخابات الرئاسية الحالي، فالوضع يذكّرنا بالمشهد في انتخابات 2018، إلا أن النظام تعلّم من تجربة الماضي وتعامل هذه المرة بذكاء مبكّر للنجاة من فخ عدم وجود منافسين للرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، فبعد انسحاب المرشح الرئاسي السابق خالد علي من المشهد في عام 2018، أصبح النظام في ورطة من أجل إيجاد مرشح ديكوري لتجميل المشهد لإعطائه الصبغة التنافسية الديمقراطية، قبل أن يدفعوا بالمرشح موسى مصطفى موسى.

في هذه الانتخابات، ولأن الوضع السياسي في مصر مأزوم للغاية، كان على النظام أن يدفع بأكثر من مرشح صوري تداركًا لأخطاء الماضي، فأصبح لدينا هذه المرة ثلاثة مرشحين منافسين للرئيس السيسي، أكملوا أوراقهم واستوفوا شروط ترشحهم بمباركة الأمن وتنسيقه ومساعدته.

تمكّن المرشح الرئاسي عبد السند يمامة، رئيس حزب الوفد، من تجاوز النصاب القانوني بجمع 27 تزكية من أعضاء مجلس النواب، والمرشح الرئاسي حازم عمر، رئيس حزب الشعب الجمهوري، الذي يتابعه على صفحته الرسمية على منصة إكس أقل من ستة آلاف متابع، كانوا أكثر قليلًا من ألفين متابع عندما أعلن عن ترشحه، استطاع، بشكل ما، جمع أكثر من 67 ألف توكيلًا شعبيًا من المواطنين، فضلًا عن 46 تزكية برلمانية، في الوقت الذي لم يُسمح للطنطاوي الذي يتابعه 2 مليون شخص على فيسبوك وقرابة 300 ألف على منصة إكس، بجمع التوكيلات المطلوبة، أما المرشح الثالث فريد زهران، رئيس حزب المصري الديمقراطي، الذي يمتلك حزبه سبعة مقاعد برلمانية، فتقدم بتزكية 30 نائبًا برلمانيًا.

ليس هذا وحسب، بل لم تتفق المعارضة المدنية على قرار مقاطعة الانتخابات الرئاسية أو المشاركة فيها، فجل أحزاب الحركة المدنية الديمقراطية قرروا مقاطعة الانتخابات في ظل عدم وجود أي ضمانات للنزاهة، بينما أصر حزب المصري الديمقراطي بالدفع بمرشحه فريد زهران إلى جانب دعم حزب العدل. هكذا تكتمل خطة الأمن بنجاح لتجاوز الانتخابات الرئاسية المقبلة، يُمنع المرشح الوحيد الجدي الذي له فُرص قوية في النجاح، في حال توفرت ضمانات النزاهة، ويُدفع بثلاثة مرشحين شكليين إلى المشهد، أحدهم محسوب على أحزاب المعارضة (المصري الديمقراطي) ليكون مبررًا للمشككين في نزاهة أو جدية العملية الانتخابية، ونلتقي مجددًا في 2030، إذا لم تستجد في الأمور أمور.