08-ديسمبر-2016

أشرف عبد الباقي في أحد مواسم تياترو مصر

بعد "25 يناير" انسحب المواطن المصري من الشارع، والسينمات، وهجر الحياة العامة، إلى البيت، فتراجع نجوم الأفلام إلى الدراما، حيث بيزنس مسلسلات وفوازير رمضان، وكذلك، عاد المسرح إلى شاشة التليفزيون، وأنتجت مسرحيات لا تتطلب مشاهدتها حجز كرسي في المسرح، ودفع تذاكر ذات أسعار عالية، أعلى من مستوى الطبقة المتوسطة محدودة الدخل، ولا ارتداء ملابس أنيقة. 

بعد "25 يناير" انسحب المواطن المصري إلى بيته ليشاهد الأفلام والدراما

كان لا بد أن يفتح مساحة جديدة لإنقاذ ما بقي لخشبة المسرح من وجود، فقد كانت تخسر يوميًا مهما أنفقت وزارة الثقافة المصرية لإنتاج مسرحيات كبرى، وتعاني ركودًا يهدد بقاء الصناعة. 

اقرأ/ي أيضًا: ضياء العزاوي يطلق صرخته في الدوحة

كانت "الملك لير" بطولة يحيى الفخراني آخرها، لكنها حققت نسب مشاهدة متوسطة وفقًا لتقارير البيت الفني للمسرح، ولا تزال تذاكر باقي المسرحيات لا تغطي التكاليف، إضافة إلى أنها لم تعد كوميدية، ووفقًا لسامي طايع، أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة، فإن الجمهور يتجه الآن إلى الكوميديا بسبب "كآبة القاهرة".

معادلة "طايع" دفعت أشرف عبد الباقي إلى العودة إلى أمسيات التلفزيون، ولكن هذه المرة بصيغة "المسرحيات" المنفصلة المتصلة عبر "تياترو مصر"، الذي عرض منذ بدايته على فضائية "الحياة".

"عبد الباقي".. التجربة الأولى

قدم أشرف عبد الباقي في "تياترو مصر" شبابًا مغمورين أصبحوا نجومًا مطلوبين في السينما، ومنهم علي ربيع، ومحمد عبد الرحمن و"أوس أوس" قبل أن ينفصل عن شركة "فيردي"، المنتجة للعمل، التي حاولت استقدام نجومًا من "أهل الوسط" لحلّ محله، ومنهم الكوميديان أحمد رزق، إلا أنه اعتذر بعد توقيع العقد، وجاء بيومي فؤاد وهالة فاخر، وأصبحت العروض تمتلئ عن آخرها في مسرح جامعة مصر بضاحية "6 أكتوبر".

قصد "عبد الباقي" أن يستثمر الثورة لحسابه، فهي، وفق قوله، بيئة خصبة لاستيعاب تجارب جديدة. ويقول: "عروض (مسرح مصر) متوافقة مع بيت العائلة، حيث إنها تراعي قيم الأسرة، ولا تقدم محتوى جارحًا أو خادشًا للحياء العام، لذلك أصبحت مسرحيات لجميع أفراد الأسرة.. دون خوف أو قلق من أي لفظ طائش". سوق الإعلام في مصر شغوف بالتقليد، إذا قدّمت قناة سلعة تنتقل السلعة ذاتها إلى جميع القنوات كعدوى لا بد أن تصيب الجميع حتى تبور. من هنا، دفع نجاح التجربة عددًا من المنتجين لاستثمارها. 

هدفت "قناة النهار" من وراء تجاربها في المسرح المتلفز إلى إحياء المسرح المصري!

البداية عند قناة "ام بي سي مصر"، التي أنشأت فرقة مسرحية لإحياء مسرح التلفزيون من خلال عدد من المسرحيات، قام ببطولتها الكوميديان سامح حسين، وتحركت قناة "الحياة" أيضًا لإنشاء فرقة لتقديم مسرحيات من بطولة ممثلين شباب بقيادة هالة فاخر وبيومي فؤاد، المنطلق إلى قمة الكوميديا مؤخرًا. 

اقرأ/ي أيضًا: عزّوز عبد القادر.. أن تسحب أفريقيا إلى المسرح

تماشيًا مع المعركة، ووفق التطورات الضخمة التي تشهدها قنوات "النهار" المصرية، قدَّمت أوّل مسرحية من إنتاجها ضمن برنامجها الجديد "مسرح النهار"، الذي استأجر مسرح نقابة الممثلين المصرية بجاردن سيتي لأجله. وتنطلق تجربة "مسرح النهار" بنجوم من أهل الوسط أيضًا، وهم انتصار، وأحمد صيام، وإدوارد، ودينا الشربيني وأحمد فلوكس، فيما تتطابق فكرته مع "تياترو مصر"، و"مسرح مصر"، ويقول عمرو الكحكي، منسق قنوات النهار، إن الهدف من وراء إعادة التجربة بشكل جديد هو إحياء المسرح المصري. 

وكالات الإعلان تتحدث

ما وراء تصريح "الكحكي" قصص وحكايات وتفاصيل من حرب وكالات الإعلان، حيث إن هذا اللون من المحتوى المسرحي، المقدّم على شاشة التلفزيون، أصبح جاذبًا للإعلانات على القنوات الفضائية بعد تجربة باسم يوسف في "البرنامج". 

"السوق يطلب البرامج التفاعلية"، هكذا يؤكد مسؤولي شركات الإعلان، وتفسير ذلك أن تقارير إعلانية أثبتت أن مزاج المشاهد المصري أصبح محبطًا بعد الثورة بسبب مشاهد القتل والدم والدمار والاشتباكات الطاغية على الشاشة، وهو ما يدفع الكفة إلى الميل باتجاه الكوميديا. 

تقارير "قياس الرأي العام" دفعت محمد عبد المتعال، رئيس شبكة قنوات الحياة في ذلك الوقت، إلى إطلاق تجربة "تياترو مصر"، وعرض المسرحيات على خشبة المسرح في وجود جمهور، ثم إذاعتها على القناة بـ"إخراج تلفزيوني" وليس "بثًا مسرحيًا"، وحين انتقل إلى إدارة شبكة "إم بي سي مصر" نقل التجربة معه مستعينًا بالفريق الذي كان يعمل معه بقيادة أشرف عبد الباقي، ولكن باسم آخر هو "مسرح مصر"، وحقق تفوقًا من حيث نسب المشاهدة والنجاح على عرض "الحياة"، الذي أصبح باهتًا برحيل حزمة نجومه. 

المسرح المصري المتلفز أشبه ما يكون بمسلسلات "سيت كوم"

كان "عبد المتعال" بخبرته في "تلفزة المسرح" -إذا جاز التعبير- قادرًا على استنساخ التجربة، وتقديمها بحملة إعلانية ضخمة في جميع محافظات مصر، جعلت مسرحياته الأقوى خلال الأعوام الماضية، وتحقيق أرباح غير مسبوقة منذ 2011.

مشهد النهاية

ينطلق "مسرح النهار" بفكر جديد يتلاءم مع التطوير الضخم الذي شهدته القناة، وحاولت محاكاة الحملة الإعلانية الضخمة الخاصة بـ"مسرح مصر"، ووفرت ميزانية ضخمة ليخرج عرضها بشكل أكثر إبهارًا من "الحياة" و"إم بي سي مصر"، حيث إن عودة النهار بهذا الشكل يكمن وراءه رغبة في السيادة على القنوات، ليس على مستوى المنوعات فقط، إنما على مستوى السياسة أيضًا.

اقرأ/ي أيضًا: سيزاريا إيفورا.. إلهة سمراء تغني حافية

وصلت المعركة إلى حد اتهام محمد عبد الغفار، مدير فرقة "تياترو مصر"، للفرق الأخرى من القنوات المنافسة بتشغيل لجان إلكترونية لمهاجمة مسرح "الحياة".

العرض الأول من "مسرح النهار" بعنوان "الحب في قلب هضبة الهرم"، وتفتح القناة أبواب المسرح للجمهور مجانًا في أول أيام العرض كنوع من أنواع الدعاية، ويحمل العرض التالي عنوان "فضفضة". 

ويقول الناقد السينمائي باسم صادق، إن الفكرة ليست جديدة، وقدمت عام 1960 على يد المخرج السيد بدير، الذي كان يقدم عرضًا مسرحيًا كل أسبوعين، وشهدت تلك المرحلة تفوقه، وتم تأسيس مجموعة فرق مسرحية تابعة للتلفزيون، ولا تزال هناك فرقة تابعة للأوبرا المصرية. 

ويحلل "صادق" الظاهرة: "لن تستمر طويلًا، وتعدد التجارب سيخلق تشبعًا لدى المشاهد لن يسمح باستمرارها أو استحداث تجارب أخرى، خصوصًا أن المضمون كله كوميدي، ومتقارب، ولا تجربة (متفوِّقة) حتى الآن". ويشبه الناقد السينمائي الفكرة بـ"تجارب مسلسلات السيت كوم، التي أخذت دورتها منذ سنوات وملأت القنوات.. ثم اختفت نهائيًا".

اقرأ/ي أيضًا:

خالد البوهالي.. المطبخ هو المرسم

في حب السينما