15-نوفمبر-2016

(Getty) سيزاريا إيفورا

تشبه إلهة النصيحة "أجا"عند الأفارقة الأوائل. لا تنتعل أي حذاء وهي تغني، ربما لأنها الأحذية تزعجها، أو ربما فعلًا كما تقول هي تضامنًا مع نساء وطنها الفقراء وأطفالهن الحفاة، من سيئي الحظ مثلها الذين ولدوا يعانون الفقر واليتم المبكر، مثلها في "الكاب فيردي"، أو الرأس الأخضر، التي كانت مستعمرة برتغالية حتى نهايات الثمانينيات.

لا تنتعل سيزاريا إيفورا الحذاء وهي تغني، تضامنًا مع نساء وطنها الفقراء وأطفالهن الحفاة

اقرأ/ي أيضًا: تارانتينو: لا أعتزم الاستمرار في إنتاج الأفلام

من بين ستة إخوة اختارت أمها أن تضحي بها، واضعة إياها في دار الأيتام لأنها لا تقوى على إطعامهم جميعًا. ورغم ذلك أحاطت بها الموسيقى من كل جانب. بلدها الفقير كان غنيًا بالموسيقى، الموسيقى الأفريقية تلك خليط من موسيقى يمتزج فيها الأفريقي والبرازيلي والبرتغالي، أو بمعنى أدق هي مزج بين موسيقى الفادو البرتغالي، والتانجو الأرجنتيني والإيقاع الأفريقي، فتسمع البيانو والفيولين والجيتار والساكسوفون والكلارينت. إيقاع مبهج يحمل الحزن بين طياته، ممتع لا تستطيع أن تهرب منه.

بدأت سيزاريا تغني في البارات والفنادق، تقول "سيزيه"، كما كانوا ينادونها، إنها بدأت تغني في سن السادسة عشرة لتطرد عنها الحزن في مدينة مينديلو، ميناء البلد الذي ولدت فيه عام 1941. كان الزبائن يدعونها للغناء مقابل كأس من الجونج أو الروم أو الويسكي، وقعت وقتها في حب شاب ملحن وعازف غيتار، أخذها معه لتغني على متن السفن التي كانت ترسو في الميناء.

بفضل بعض التسجيلات الصوتية التي تم الحفاظ عليها بعناية في راديو كلوب، وراديو بارلافينتو، يمكن الاستماع إلى صوتها وهي شابة. صوت أكثر وضوحًا وعذوبة في أغنياتها، وهو عمل شباب دؤوب، بحثوا عن صوتها ذات بين عامي 1959 وعام1961. لكن أبواب العالم لم تفتح لها إلا وهي في السابعة والأربعين، حين اكتشفها الأوروبيون، في عام 1998 سجلت في باريس La diva aux pieds nus، أو الإلهة حافية القدمين، وتتابعت بعدها تسجيل الألبومات مثل Mar Azul ، وMiss Perfumado، برعاية خوسيه دا سيلفا منتجها ومقدمها للعالم، بعد أن أبكته للمرة الأولى حين سمعها، وقد بقي معها حتى نفسها الأخير عام 2011.

لفت سيزاريا العالم لمدة عام كامل 1999-2000، لكنها كانت دائمًا تعود إلى بيتها حيث أحبائها. كان لديها ابنان وحفيدان والبحر. ذلك البحر الذي حمل الثروة لأهل بلادها، لكنه أيضًا كان يمرضهم بالحنين. تجلس ساعات تراقبه دون أن تنزل فيه، لا لشيء سوى أنها لا تجيد السباحة.

اقرأ/ي أيضًا: في حب السينما

عندما رصفت الطرقات، في الرأس الأخضر الأفريقي، كان المستعمرون يمنعون السكان من المشي عليها

عانت من الفقر، ومن قهر المستعمرين، ومن مواسم جفاف طويلة مرت بها بلادها، وعندما رصفت الطرقات كان المستعمرون يمنعونهم من المشي عليها، فكانت تمشي حافية كنوع من الاحتجاج. كانت سيزارايا متفردة، طازجة، طبيبعة لا مجال للتصنع فيها، إلى الحد الذي كان عمل مقابلة معها نوعًا من المغامرة، فهي لا تكمل حكاية تبدؤها وتقول ما يخطر على بالها أيًا كان. كانت تقول عن عينيها أنهما كأخوين ذهب كل واحد فيهما لحاله، واحد أعمى لكنه يمشي، والآخر يرى جيدًا لكنه لا يمشي. كانت سيزاريا تعاني حولًا ومشاكل بصرية. لكنها كانت متعايشة مع ذلك، وكانت تسخر منه بتلك الحكاية. في سفرتها الأخيرة لم تحتج سيزاريا للعودة فقد ذهبت بعيدًا ولم تعد، كان ذلك في أستراليا في كانون الأول/ديسمبر 2011. 

اقرأ/ي أيضًا:

محمود عبد العزيز في الدور الأخير: سلم على الحياة

خالد البوهالي.. المطبخ هو المرسم