24-أبريل-2016

القاهرة، في جمعة الأرض

1
واهم من يظن لوهلة أن في مقدرته التكهن والتنبؤ بما سيحدث غدًا، بل بعد ساعة واحدة من نشر هذا المقال، لا أحد يدري ما تحمله لنا الأيام أو الساعات المقبلة، سقوط النظام؟ فكرة بعيدة متفائلة ولكن لمَ لا؟ حملة اعتقالات غاشمة؟ فكرة غبية ولكن النظام غبي بالفعل، فلمَ لا؟ مجزرة جديدة تشبه سابقاتها؟ فكرة سوداوية ولكن لمَ لا؟ جر البلاد نحو حرب أهلية؟ فكرة أكثر سوادًا ولكن لمَ لا؟ لا توجد سيناريوهات محتملة، الشارع وحده من سيقرر المصير القادم، هذا الشارع الذي أغضب النظام عندما رفض بيع الأرض فتحول النظام إلى حيوان هائج يطيح في الجميع ولكنه حيوان ذبيح يتخبط بعشوائية ويغرز قرونه في كل من يقع في طريقه وينشر الدماء على كل من حوله ولا يعرف أنها دقائق على السقوط.

الثورة مرادف للوعي، ونحن نمتلك قاعدة كبيرة من الشباب الواعي الذي فتح عيونه على الثورة

شنّ النظام حملة أمنية شرسة على منطقة وسط البلد بالتحديد، حملة أمنية تعكس خوفه ورعبه من "شوية عيال خولات"، حسب وصف بعض الضباط في الجلسات الخاصة، قبضوا بعشوائية على العديد من الشباب المتسكعين على المقاهي. 

اقرأ/ي أيضًا: السودان.. لماذا تخاف الحكومة من الطلاب؟

أغبياء يعتقدون أن مقاهي وسط البلد هي مطبخ الثورة، ولكن الثورة بالتأكيد بلا مطبخ، امتد الأمر إلى القبض على الشباب من البيوت ومطاردتهم في الجامعات، رسالة موجعة يوجهها لنا النظام "انفد بجلدك". لا نعرف لمن نطالب بالحرية، فالأصدقاء كُثر داخل السجون بلا تهمة، لن تأمن أينما كنت، في الشارع، في الجامعة، في المنزل، أصبح الدعاء الأكثر تداولًا على الألسنة "يارب مايتقبضش عليا". دولة يوليو/ دولة الجنرال/ دولة العساكر لديها عداء شخصي لأي مواطن في الفترة العمرية ما بين 16-35 سنة، دولة العواجيز لا تحب الشباب، قاوموهم وقوموهم، ونحن أيضًا لدينا عداء وثأر شخصي معهم، قتلوا وسجنوا وشردوا الأصدقاء، ثأرنا شخصي مع دولة العساكر.

2
جورج أورويل قال لن يثوروا حتى يعوا، ولن يعوا حتى يثوروا، بالتأكيد الثورة مرادف للوعي، ونحن الآن نمتلك قاعدة كبيرة من الشباب الواعي الذي فتح عيونه على الثورة، النظام الحالي لا يدرك أن ثورة يناير أفرزت أجيالًا تختلف عن سابقيها في التفكير وفي كل شيء، ثورة يناير أفرزت أطفالًا كانت أول علاقتهم بالوطن والسياسة هو الدم والقتل والاعتقال، الأطفال الذين تربوا على مشاهد الدم أصبحوا شبابًا جامعيًا يقودون الحراك الطلابي وينظّمون الصفوف، نحن ثورنا فوعينا، ووعينا وسنثور مجددًا.

ولهذا السبب بالتحديد يكره النظام "السوشيال ميديا" فهي الفاضح لكل أفعاله وجرائمه، والمكوّنة لوعي الشباب، لن يستطيع التحكم في ملايين الشباب والمدونيين، لن يستطيع التحكم في الساخرين من أفعاله والمسفّهين من أمره، لن يستطيع التحكم في صانعي الكوميك، وجد الشباب أخيرًا منفذًا جديدًا لهم لا تستطيع السلطة كبته وغلق أفواهه، باختصار لن يستطيع الجنرال أن يصنع أحمد موسى على الفيسبوك.

3
"ربنا يولّي من يصلح" بقتح الياء أو ضمها، من يَصلح للقيادة أو يُصلح البلاد، الجملة الأكثر شيوعًا بين فئات الشعب البسيطة عندما يتحدثون عن شئون البلاد أو عند الحاجة إلى إنهاء نقاش لا يفقهون فيه شيئًا، صارح نفسك قليلًا يا فتى، الإله لن يهبط من عرشه المعظم لينضم لصفك أو لينصر قضيتك التافهة، لن يحدث تدخل إلهي أومعجزة سماوية من أجل بعض المعذبين، انضج يا فتى وانتزع ما تصبو إليه بيديك العاريتين، فالإله ربما يستمتع بالمشاهدة.

اقرأ/ي أيضًا: التنظيمات المتشددة.. قراءة أخرى

أنت مجرد فرد تابع في المنظومة، إما أن تخضع أو تقاوم حتى النهاية

انتهى زمن المعجزات منذ قرون، ولن ينتصر الإله لعبده الطيب الضعيف، لا مكان للضعفاء اليوم، نحن أعلم بأمور دنيانا، ومن الغباء والسذاجة أن نتوقع الحل الإلهي ينزل من السماء، أنت لست بإبراهيم لكي تُلقى في النار دون أن يمسك مكروه، ولست بموسى لكي تعبر البحر، ولست بمحمد لينشق من أجلك القمر، أنت مجرد فرد تابع في المنظومة، إما أن تخضع أو تقاوم حتى النهاية.

4
أنا مثلك تمامًا، لا أعرف جدوى المقاومة، في كل يوم نخسر خسارة جديدة وندفع ضريبة عالية لسنا بمطيقيها، النظام عليه أن يعرف أن الروح مازالت بداخلنا ولم تخرج بعد، وأن الأفكار التي اعتنقناها مازالت تسيطر علينا ونترجمها إلى أفعال، وعليه أن يدرك استحالة الانتهاء منا، الأفكار تنتشر وفي كل ساعة نكسب صديق جديد ينضم لصفوفنا، صديق يراهم عدوًا بغيضًا، في كل ساعة يصبح عددنا أكبر من الساعة التي سبقتها، مع كل سجين جديد يظهر منضمين جدد إلى القضية، ومع كل قتيل تنبت الأرض مئات المناضلين.

الثورة حرب وليست معركة، ننهزم في الكثير من المعارك وننتصر في بعضها، الهزيمة أو الانتصار المؤقت ليس مؤشر للنتيجة النهائية، إنما الأعمال بالخواتيم، ونحن لم نصل إلى الخاتمة بعد، ما زلنا في خطوات الطريق الأولى وسنكمل الدرب إلى آخره، وستنتصر الثورة رغمًا عن الجميع، وإن عشش الخوف وساد الظلام وطال الزمن، الجيل الذي ولد في الحرب يعرف كيف يدير المعارك، سننتصر ولو بعد حين.

اقرأ/ي أيضًا:

أي مستقبل للطفل العربي؟

بين هويتين