10-أبريل-2023
ukraine war

تواجه الدول الأوروبية تحديًا كبيرًا في توفير الذخيرة لأوكرانيا (Getty)

وُضعت مصانع الأسلحة في بلدان الاتحاد الأوروبي أمام تحدٍّ كبير للوفاء بالالتزام الذي قطعه الاتحاد على نفسه بتزويد أوكرانيا بحوالي مليون قذيفة من عيار 155 ملم خلال السنة الحالية لتحسين موقع كييف في الحرب ضدّ روسيا بعد النداء العاجل الذي وجهه زيلينسكي شهر آذار/مارس الماضي بضرورة تزويد قوات بلاده بالذخيرة الكافية لصد ما وصفه بالعدوان الروسي.

العبء الكبير في تلبية حاجيات أوكرانيا من ذخيرة المدفعية يقع على عاتق 11 مصنعا أوروبيا

لكن التوجه الأوروبي نحو الصناعات العسكرية يأخذ بعدا آخر ، فأخيرا انتبه الأوروبيون، بعد ثلاثة عقود من نهاية الحرب الباردة، إلى أنهم يواجهون ذات المشكلة المطروحة لأوكرانيا والمتمثلة في "توفّر الذخيرة الكافية من العتاد العسكري لمواجهة أي خطر لاندلاع الحرب". فبعد نهاية الحرب الباردة قلّص الأوروبيون الإنفاق العسكري لصالح الإنفاق السخي على برامج وسياسات الرعاية الاجتماعية، الأمر الذي أثر على المخزونات الاستراتيجيّة لبعض دول الاتّحاد الأوروبي، والتي تكاد تنفد حاليًا. .

ويبدو أنّ العبء الكبير في تجديد ذلك المخزون وتلبية حاجيات أوكرانيا من ذخيرة المدفعية يقع على عاتق 11 مصنعا أوروبيا على رأسها مصنع "نامّو" (Nammo) في النرويح الذي يعد أحد أكبر مصانع الذخيرة في أوروبا، حيث تسعى الشركة الأم للمصنع الذي ازدادت وتيرة عمله منذ بداية الحرب في أوكرانيا، إلى إنتاج ما يصل إلى 200000 قذيفة سنويًا بحلول عام 2028، أي ضعف ما كان المصنع ينتجه قبل الحرب بأكثر من 20 مرة.

ومع ذلك تحوم شكوك كبيرة حول قدرة بلدان الاتحاد الأوروبي في كسب تحدي ورهان تجديد المخزونات الاستراتيجية وتلبية حاجيات أوكرانيا من ذخيرة المدفعية، ما قد يدفع تلك الدول إلى الاستعانة بالخارج، وهو خيار تتحفظ عليه عدة دول وترفضه دول أخرى في الاتحاد. علما بأن الحاجة المعبّر عنها من طرف أوكرانيا من الذخائر تصل إلى ما معدله 250 ألف قذيفة عيار 155 ملم كل شهر لصدّ تقدم روسيا. وفي الواقع، نقلا عن تقرير لنيويورك تايمر، سيظل الإنتاج المشترك لجميع المصانع الـ 11 التي تصنع الذخائر في أوروبا أقل بكثير من تلبية احتياجات أوكرانيا.

أصوات من تحت الركام

ولذلك يرى تقرير نيويورك تايمز، أنه "في الوقت الذي تكافح فيه الولايات المتحدة لتلبية الطلب على أنظمة الأسلحة وغيرها من العتاد، يتساءل المسؤولون والمحللون بشكل متزايد عما إذا كانت أوروبا ستكون قادرة على توسيع الإنتاج في قطاعها الصناعي العسكري المنكمش أصلا بما يكفي لتزويد أوكرانيا بالمساعدة التي تحتاجها".

يبدو أن الجواب، حسب نيويورك تايمز، هو بالنفي وذلك على الأقل في المدى القريب.

ولذلك يسعى حلفاء أوكرانيا في الناتو لتلبية الاحتياجات الفورية لكييف من المخزونات داخليا وخارجيا إن أمكن على الأقل في الوقت الحالي. مع الإشارة إلى أن حلفاء كييف يسابقون الزمن الآن لزيادة الإنتاج بأقصى ما يمكن لأن الحرب قد تستمر لسنوات.

وفي هذا الصدد أجرت صحيفة نيويورك تايمز مقابلة مع مورتن برانتزايج ، الرئيس التنفيذي لنامو ، خلال وجوده في واشنطن حيث يلتقي بمسؤولين في الكونجرس الأمريكي والبنتاغون. وفي المقابلة المذكورة وصف برانتزايج الوضعية الراهنة بكونها "حربا حول القدرة الصناعية، ليس فقط لمساعدة الأوكرانيين، ولكن أيضًا لإعادة بناء المخزونات". وأضاف برانتزايج  في ذات المقابلة: "أعتقد أنه كان علينا أن نفهم ذلك من قبل، ونتصرف وفقا له، فلو حدث ذلك لما كنا وصلنا إلى وضعية العجز التي نحن عليها". 

وكان الاتحاد الأوروبي قد وافق في آذار/مارس الماضي على إنفاق ما يصل إلى 2.14 مليار دولار لتمويل مشتريات أوكرانيا من ذخيرة المدفعيّة التي تحتاجها في حربها ضد القوات الروسيّة. حيث من المفروض أن تسمح هذه الخطة بتمكين كييف من الحصول على قرابة مليون قذيفة عيار 155 ملم في غضون 12 شهرا، وتجديد المخزونات الاستراتيجيّة لبعض دول الاتّحاد الأوروبي التي تكاد تنفد.

ukraine war

وكان جابريليوس لاندسبيرجيس وزير خارجية ليتوانيا، التي تعد إحدى أقوى المدافعين عن مساعدة أوكرانيا ومناصرتها قد قال بأنه "من الممكن ألا نتمكن من الوصول إلى ذلك الهدف".

إلا أن الوصول إلى هذا الرقم يعتمد، حسب نيويورك تايمز، إلى حد كبير على مصنع "نامو"، أحد أكبر مصنعي الذخائر في القارة.

ويقع المقر الرئيسي لشركة نامو (Nammo) على بعد حوالي ساعة شمال أوسلو، وهي مملوكة بشكل مشترك للحكومة النرويجية وشركة دفاعية تمتلك فنلندا أغلبية أسهمها، وتنتج وتخزن الذخيرة في تسع دول أوروبية والولايات المتحدة، وتتطلع إلى التوسع في كلتا القارتين. 

وفي هذا السياق قال المدير التنفيذي للشركة: "هناك قرارات عاجلة مطلوبة من الدول ، للاستعداد لتمويل هذه القدرة الصناعية الهائلة المطلوبة". مشددًا على أن ذلك قد "يغدو مستحيلا" بدون عقود طويلة الأجل.

وينطبق هذا بشكل خاص على قذائف المدفعية من عيار 155 ملم، والتي كانت من بين أول الذخائر التي قلصت الدول الأوروبية إنفاقها عليها من ميزانياتها الدفاعية بعد الحرب الباردة؛ فالنرويج ، على سبيل المثال ، لم تطلب أي ذخيرة من مصنع "نامو" منذ أوائل التسعينيات، لكنها عبّرت مؤخرا عن حاجتها إلى ما يصل إلى 35000 قذيفة عيار 155 ملم، بصفقة تبلغ حوالي نصف مليار دولار. 

وتعليقا على ذلك أفاد مسؤولون في الشركة، لم يكشفوا لأسباب أمنية وتنافسية عن إنتاج الشركة الحالي للقذائف من عيار 155 ملم، أن طلبية النرويج ستتطلب ثلاث سنوات للوفاء بها، مع الإشارة إلى أن الطلب ما يزال قيد التفاوض. 

يشار إلى أن الشركة، وعلى مدار العام الماضي، قامت بشراء المزيد من المعدات اللازمة لإنتاج المزيد من الذخيرة عيار 155 ملم، كما أنها تعمل على بناء مصنع جديد أكبر لإنتاج الذخيرة المدفعية من عيار 155 ملم، ولكن هذا المصنع لن يكتمل حتى أواخر عام 2024.

أما شركة نيكستر الفرنسية للصناعات الحربية، فتعمل وفق ما قال دومينيك جيليت، نائب الرئيس التنفيذي فيها، على مضاعفة الإنتاج، ورفع نوبات العمل من نوبة واحدة إلى ثلاث نوبات، وذلك من أجل محاولة مواكبة الطلب في زمن الحرب. 

تحوم شكوك كبيرة حول قدرة بلدان الاتحاد الأوروبي في كسب تحدي ورهان تجديد المخزونات الاستراتيجية وتلبية حاجيات أوكرانيا من ذخيرة المدفعية

وتصنع شركة نيكستر (Nexter) ذخائر مضادة للدبابات والدفاع الجوي عيار 155 ملم، ولكنها تحتاج إلى قطع وإمدادات إذا أرادت مضاعفة إنتاجها، وهو ما دفع نائب الرئيس التنفيذي للشركة الفرنسية إلى التواصل مع شركة نامو النرويجية للحصول على بعض المساعدة من أحد المنافسين.

ونقلت نيويورك تايمز عن نائب الرئيس التنفيذي لشركة نكستر الفرنسية قوله، "عندما غزت روسيا لأول مرة أوكرانيا اعتقد الجميع أنها لن تكون حربًا طويلة ولكن بعد مرور أكثر من عام، أصبحت الأمور صعبة حقًا ضمن ما وصفه ببيئة صناعة الذخيرة في أوروبا".