04-مايو-2021

من العرض

ترتبك رؤية المتلقي للعمل الإبداعي، بشكل عام، دون الإمساك بخيوط تؤدي الى مصادر العمل الفني، وممَ تكوّن، وكيف قدحت الفكرة.

مسرحية المخدة هي سلسلة من النصوص مختلفة الهيئة، لكنها تبدأ وتنتهي بصريًا. بدأت بمعرض المخدة للنحات أحمد البحراني وانتهت بالعمل المسرحي، وبين النصين البصريين، نص سردي هو جسر بين الفنون كتبه سعد هدابي بهيئة نص مسرحي، كان مفترضًا أن يُخرجه منتظر سعدون لفته كما هو. لكن، التحولات التي شهدها النص، بما تحمله من سلبيات وإيجابيات، تُحسب لمنتظر وفريقه، فكما كان نص سعد هدابي تنويعًا على معرض البحراني، فإن النص المُنتج بصريًا ليس لسعد هدابي إنما تنويعات عليه، احتملها النص الاصلي أحيانًا وتسربت أحيانًا اخرى.

المسرح ليس صورة عن المجتمع إنما هو رؤية توجه المجتمع وتواجههُ

يواجه المخرج منتظر سعدون لفته المجتمع بقسوة ناتجة عن تشظي وحنق عمره عمر الإنسان منذ أول حركة ذهنية له. وهي دعوة لمواجهة الاستقامة السوداء وإحداث تغيير جذري للقيم الشائعة من خلال صرخة البطل "ليل المخدة لو حلم لو لغم" وهي صرخة كل فم نحو الخلاص بشكل من الأشكال "حلم" أو "لغم" وترسم هذه الفكرة مسارًا حقيقيًا يقترب من الواقع ويحتك به ويُعريه ولكنه فنيًا يعود خطوةً إلى الوراء من خلال مفهوم الثنائيات وهو مفهوم قديم والعودة له  هي عودة إلى الخلف ولا مبرر لذلك فنيًا، وإن كان المجتمع مبني على ذلك فلا حاجة لتكراره على الخشبة، فالمسرح ليس صورة عن المجتمع إنما هو رؤية توجه المجتمع وتواجههُ.

اقرأ/ي أيضًا: عمر المعتز بالله.. مسرح صنع في مصر

من الرؤى المحسوبة على الخطوة الخلفية أيضًا، العودة إلى مفهوم المركز-الهامش والتأسيس له من خلال ممثلين اثنين في مسرحية مونودراما، وهنا لا بد من الإشارة الى أن ذلك ممكن فهناك ضبابية في مفهوم المونو، وأحيانًا يُشار بأنها مسرحية يُمثلها شخص واحد فقط وهذا خاطئ بالطبع، فإشارات باتريس بافي في كتابه معجم المسرح تُبين إمكانية وجود أكثر من ممثل في العرض المونودرامي مع الحفاظ على فردانية الفعل، فالمونو يخص الفعل وليس عدد الممثلين كما تُفسر رياضيًا. يقول بافي: إن العرض المونودرامي يخدم رؤية وحيدة حتى لو تعددت شخصيات العرض. ويذهب الى ذلك أيضًا ستانسلافسكي عندما أخرج مسرحية هاملت، دعا الى إفهام الجمهور بأنه ينظر الى المسرحية بعينيّ هاملت، وأن الملك والملكة والبلاط ليسوا ظاهرين كما هم في الحقيقة إنما كما يظهرون لهاملت.

عودة السلطة إلى عمل منتظر سعدون لفته أكسبته بعض اللعب بها من خلال تحريك المركزية من ممثل لآخر بين مشهد ومشهد وهي لعبة ذكية وحديثة رغم قِدَم المفهوم.

لمَ لا نعتبر هذا العرض كلاسيكيًا من خلال المفاهيم التي تُشبع العمل وتقدم ذكرها؟ الجواب سهل، لأنها لا تُشكل سوى جزء بسيط من عمل مُتقن أبدع منتظر وفريقه بصياغته، عمل زاخر بالصور الفنية. يمكن بسهولة ملاحظة بساطة النص، لكن صعب جدًا توجيه الذهن إلى الصورة والقول إن النص البصري للمعمل أقصى النص السردي وهذا ما نجح به منتظر سعدون لفته عمدًا أو سهوًا.

هذه إشارات بسيطة نحو نقاط مضيئة من عمل فني أحببته وواكبت بعض عروضه التجريبية، ثم العرض النهائي، ووقفت على كثير من التكوينات الأولى لمشاهده. أردت فقط أن أُشاكس أصدقاء مبدعين كي استفز ما بداخلهم من إبداع فيكون قادم أعمالهم أفضل، وإلّا فإن العمل زاخر بالإيجابيات ويمكن بسهولة لأي منصف الوقوف عليها.

 

اقرأ/ي أيضًا:

العراق.. سينما بطعم اليُتم

تحرير الأسدي.. ميراث خشبة مسرح الإغريق