25-أغسطس-2023
gettyimages

تواصل لندن الانحياز إلى دولة الاحتلال، بذريعة دعم استمرار المفاوضات رغم توقفها منذ أعوام (ألترا صوت)

تسعى بريطانيا إلى منع محكمة العدل الدولية من معالجة مسائل مهمة تتعلق بالقانون الإنساني الدولي، وذلك في مذكرة قدمتها إلى المحكمة بشأن شرعية الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، ورفضها لنظر المحكمة الدولية فيه، وتقديم فتوى قانونية تحدد ماهية الاحتلال القائم.

حيث قدمت بريطانيا الشهر الماضي رأيًا قانونيًا مكونًا من 43 صفحة، اطلعت عليه صحيفة الغارديان، كجزء من مرحلة تقصي الحقائق لمحكمة العدل الدولية قبل الرأي الاستشاري المتوقع من المحكمة بشأن العواقب القانونية لـ "الاحتلال والاستيطان والضم للأراضي الفلسطينية" من طرف دولة الاحتلال الإسرائيلي.

قال محامي بريطاني: "إنها مسألة مثيرة للقلق أن المملكة المتحدة تسعى إلى منع المحكمة من معالجة مثل هذه الأمور المهمة. وهو أمر لن تفعله لو طُلب من المحكمة معالجة قضايا مماثلة، مثل احتلال روسيا للأراضي الأوكرانية"

ويعارض الرأي الذي قدمته المملكة المتحدة الاستماع إلى القضية في محكمة العدل الدولية بالكامل، وهو الموقف الذي تتقاسمه حفنة فقط من الآراء السبعة والخمسين التي أرسلتها الدول الأعضاء والمنظمات غير الحكومية إلى المحكمة.

وقد قوبل بيان المملكة المتحدة باستنكار شديد من قبل الدبلوماسيين الفلسطينيين، وكذلك خبراء القانون الإنساني الدولي الذين يقولون إنه لا يتجاهل حقيقة أن الاحتلال الإسرائيلي راسخ فحسب، بل يتجاهل أن الوضع يتدهور بسرعة.

بودكاست مسموعة

وتعتبر محكمة العدل الدولية، التي يقع مقرها في لاهاي، أعلى محكمة تابعة للأمم المتحدة للتعامل مع النزاعات بين الدول، وتعد أحكام محكمة العدل الدولية ملزمة، على الرغم من أن المحكمة لا تملك سلطة إنفاذها.

ومع ذلك، يُعدّ هذا الإجراء القانوني مهمًا للفلسطينيين ولدولة الاحتلال، لأنه في حين وجدت العديد من هيئات الأمم المتحدة أن جوانب الاحتلال غير قانونية، لم يكن هناك حتى الآن حكم على ما إذا كان الاحتلال نفسه، الذي يمر الآن عامه السادس والخمسين، غير قانوني.

وقد طلب قرار للجمعية العامة للأمم المتحدة، في كانون الأول/ديسمبر، رأيًا استشاريًا من محكمة العدل الدولية بشأن "العواقب القانونية الناشئة عن سياسات وممارسات إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة". وصوتت المملكة المتحدة، إلى جانب إسرائيل والدول الغربية مثل الولايات المتحدة وألمانيا ضده، بزعم أنه سيدفع الطرفين بعيدًا عن المفاوضات.

وبحسب صحيفة الغارديان يعتمد رأي المملكة المتحدة المقدم إلى محكمة العدل الدولية على أربع حجج رئيسية: من بينها أنّ المحكمة ليست مجهزة للنظر في "مجموعة واسعة من القضايا المعقدة المتعلقة بالتاريخ الكامل لنزاع الأطراف"، وأنّ من شأن الرأي الاستشاري أن يتعارض مع الاتفاقيات القائمة بين الأطراف وأطر التفاوض التي أقرتها الأمم المتحدة.

getty

وقال مصدر فلسطيني رفيع المستوى، طلب عدم ذكر اسمه "إن تقرير المملكة المتحدة هو تأييد كامل لإسرائيل. وهم لا يزعمون أن هذا ليس الوقت المناسب للذهاب إلى محكمة العدل الدولية، لأن عملية السلام ناجحة. إنهم يقولون إن الانتهاكات الإسرائيلية التي يشير إليها الفلسطينيون ليست بنفس أهمية أطر التفاوض منذ عقود مضت".

فيما قال دانييل ماكوفر، من شركة هيكمان آند روز للمحاماة في لندن، والذي يتمتع بخبرة واسعة في قضايا حقوق الإنسان: "إنها مسألة مثيرة للقلق أن المملكة المتحدة تسعى إلى منع المحكمة من معالجة مثل هذه الأمور المهمة. وهو أمر أنا متأكد من أنها لن تفعله لو طُلب من المحكمة معالجة قضايا مماثلة... مثل احتلال روسيا للأراضي الأوكرانية".

يذكر أنه أمام الأعضاء مهلة حتى 25 تشرين الأول/أكتوبر للإدلاء بتعليقاتهم على البيانات المقدمة إلى محكمة العدل الدولية. وفي حال قبلت المحكمة طلب الرأي الاستشاري، كما هو متوقع، فستستمر المداولات لمدة عام على الأقل.

زكي وزكية الصناعي

ومن المتوقع أن تتمحور النقاشات والمداولات حول ما إذا كان الاحتلال لا يزال إجراءً "مؤقتًا"، كما بمقدور المحكمة النظر في قضية الفصل العنصري، واتخاذ قرار تكون بموجبه الدول ملزمة بعدم الاعتراف بالاحتلال أو مساعدته.

وانتقدت إسرائيل إحالة الملف إلى محكمة العدل الدولية، حيث وصف مبعوثها إلى الأمم المتحدة، جلعاد إردان، تصويت الجمعية العامة بأنه "وصمة عار أخلاقية تنزع الشرعية عن إسرائيل"، وفق تعبيره.

من المتوقع أن تتمحور النقاشات والمداولات حول ما إذا كان الاحتلال لا يزال إجراءً "مؤقتًا"

يشار إلى أنّ آخر إجراء حاسم يتعلق بفلسطين في محكمة العدل الدولية كان في عام 2004، عندما قررت المحكمة أن جدار الفصل العنصري الإسرائيلي في الضفة الغربية غير قانوني، فيما رفضت إسرائيل الحكم.

وبدأت المحكمة الجنائية الدولية رسميا في عام 2021 تحقيقًا في جرائم حرب ارتكبها أفراد جيش الاحتلال الإسرائيلي، لكن التحقيق يتقدم ببطء. مع الإشارة إلى أنّ أحكام المحكمة الجنائية الدولية ملزمة فقط للدول التي تعترف بولايتها القضائية، وليس من بينها دولة الاحتلال.