12-يوليو-2016

تلاميذ في مدرسة دينية في غرداية الجزائرية(Getty)

لا يزال النظام الجامعي في الجزائر محافظًا على البعد الاجتماعي في التكفل مجانًا بالطلبة الذين يقترب عددهم من مليون ونصف مليون طالب، دراسة وإيواء وإطعامًا ونقلًا، ولا تخلو الإقامات الجامعية التي يشرف على تسييرها "الديوان الوطني للخدمات الجامعية"، من قاعات للنشاطات الثقافية والرياضية، عادة ما تلجأ الإدارة إلى طلبة موهوبين في هذه المجالات لتنشيطها وتنفيذ البرامج المسطرة.

لا تستطيع إدارة الجامعات الجزائرية عادة التحكم في مساجد الإقامات الجامعية، وهي ليست في الأصل مبانٍ مصممة لتكون مساجد بل حُولت لتكون كذلك

ما لا تستطيع الإدارة التحكم فيه هو مساجد هذه الإقامات، أصلًا هي ليست مبانٍ مصممة لتكون مساجد، بل قاعات بنيت لأغراض أخرى، ثم تنازلت عنها الإدارة لتكون فضاءاتٍ للصلاة، أو استولى عليها الطلبة بالقوة وحوّلوها إلى مصليات، يقيمون فيها الصلوات الخمس، فيما يصلون صلاة الجمعة في مساجد المدينة، ما عدا نسبة قليلة منها فإنها تجمع بين الأمرين.

اقرأ/ي أيضًا: طلبة جزائريون.. ظاهرة العمل في العطل

تتباين الانتماءات السياسية والإيديولوجية للطلبة، بين إسلامي متدين، قد يكون سلفيًا أو إخوانيًا أو صوفيًا، وبين متحرر ينتمي إلى أحد الأحزاب الديمقراطية، أو ليس له في السياسة نصيب، وعادة ما تظهر هذه الميولات من خلال من يقصد مسجد الحي، ويداوم على صلواته ودروسه ونشاطاته الدينية من قيام لليل وإفطار جماعي، ومن يقصد قاعة النشاطات التي تبرمج حفلاتٍ وسهراتٍ فنية.

وقليلة هي المواسم الجامعية التي خلت من التشنج بين الطرفين، إذ كثيرًا ما يعمد الطلبة المنتمون إلى الأحزاب الإسلامية، إلى عرقلة نشاطات هذه القاعات، بحجة أنها تحرّض على التفسخ الأخلاقي بحسبهم، فتنشب معارك بينهم وبين مرتاديها من الطلبة، قد تقتصر على التنابز بالكلام، وقد تتطور إلى مشادات بالأيدي والسلاح الأبيض، تقتضي تدخلًا أمنيًا سريعًا.

هذه المشادات والتجاذبات والتشنجات بين الطلبة الجامعيين، تحدث داخل مساجد الإقامة أيضًا، بسبب محاولة كل طرف من الأطراف الإسلامية الاستحواذ على مقاليد الأمور فيها. يقول أسامة. ش، طالب الحقوق: "يرى كل طرف أن تمكنه من فرض إمام ومؤذن وقيّم ينتمون إليه، هو الطريق إلى فرض أفكاره ورؤاه الدينية، من خلال طبيعة الخطب والكتب المتداولة داخل المسجد، خاصة بالنسبة للطلبة الجدد الذين عادة ما يكونون بعيدين عن الانتماء الحزبي، لكنهم سرعان ما ينتمون بعد احتكاكهم بدعاة هذا التيار أو ذاك".

يشرح أسامة فكرته: "كل طالب جديد بالنسبة لهؤلاء، هو رقم مؤهل لأن ينضاف إلى خزانهم الإيديولوجي، بالتالي لا ينبغي أن يُسمح للطرف الآخر بأن يستحوذ عليه، ويلعب المسجد ساحة مثلى للاقتتال من أجله، كأنه شيء لا عقل ولا قرار له". ويتساءل: "هل دور المسجد أن يدعو لله أم لتيار معين؟ ما معنى أن يسمع الطالب أحاديث تنهاه عن الاحتكاك بهذا التيار أو ذاك، قبل أن يسمع أحاديث تحرّضه على احترام الوقت والإقبال على العلم؟ لماذا لا تعمل هذه المساجد التي يقصدها جامعيون يُفترض أنهم نخبة الشعب، بمنطق المناظرات العلمية، فيكون الجميع مخيّرين، عوض الدسائس والحروب غير المبررة خارج الجامعة، ناهيك عن الحرم الجامعي؟".

تتباين الانتماءات السياسية والإيديولوجية للطلبة وعادة ما تظهر هذه الميولات من خلال من يقصد مسجد الجامعة وممارساته هناك

اقرأ/ي أيضًا: الطلبة الجزائريون.. بين ماض ثوري وحاضر خامل

ينقلنا فيصل بوصيدة، أستاذ الحقوق بجامعة سكيكدة، إلى تاريخ الصراع في المساجد الجامعية بمدينة قسنطينة بالقول: "أغلقت مساجد الأحياء الجامعية في قسنطينة سنة 1994، لأن بعض الشباب من رابطة الطلبة اجتمعوا بعد صلاة العشاء في المسجد للسمر، فاقتحم رجال الأمن عليهم المكان ووجدوا عندهم أكياسًا من الحمص والعدس وآلة للطبخ، على إثر ذلك أصدر الوالي/المحافظ قرارًا بغلقها، ظنًا أنها تحولت إلى بؤرة لتموين الإرهابيين.

سنة 2001، حدثت مشادات بين جماعة "الاتحاد الطلابي الحر" و"الاتحاد الوطني للطلبة الجزائريين" في إحدى الإقامات بسبب حفلة غناء، فقاموا باقتحام المساجد وفتحوها، وبعد ثلاثة أيام من المشادات مع الإدارة أمر الوالي بترك المساجد مفتوحة. في كل الأحياء الجامعية منها "حي زواغي سليمان" الشهير، كان الطلبة يصلّون في الغرف، لكن بعد فتح المساجد رفض سلفيو حي زواغي الصلاة في المسجد، كانت فتواهم تقول إن "المسجد فتح بغير إذن من ولي الأمر، وبالقوة"، ولم نعرف وقتذاك من هو ولي الأمر، مع علمنا أن الوالي سمح بفتحها.

قبل صلاة المغرب خاصة، كان السلفيون يخرجون أفواجًا، لا ليصلوا في المسجد الذي صار مفتوحًا، بل للصلاة في مسجد خارج الحي لم يكونوا يذهبون إليه في سابق الأيام، وكان بعيدًا جدًا، وما زادهم غيظًا أنه بعد أيام من فتح المسجد وتنظيفه وطلائه حمل اسم "مسجد الشيخ محمد الغزالي" الذي كانوا يرونه بعيدًا عن منهج السنة الصحيحة.

ذات يوم أصيب أحد الطلبة بصدمة كهربائية، حملوه في سيارة أجرة، لكنه توفي على بعد أمتار، فغضب الطلبة وحطموا الإدارة، وخلعوا المدير، وشاهدت بأم عيني كرسي المدير يلعب به الطلبة في الأروقة، في اليوم الموالي جاء القرار بتنحية المدير نهائيًا. في تلك الليلة، فوجئنا بأسراب السلفيين تقتحم مسجد الطلبة، لم يتخلف منهم واحد، كانت الفتوى هذه المرة تقول: "طالما أن ولي الأمر قد ذهب، فالصلاة في هذا المسجد صارت جائزة"، وعرفنا يومئذ من هو ولي الأمر".

اقرأ/ي أيضًا: 

خريطة النجاح في تونس تفضح عقود التهميش والإقصاء

جامعة القاهرة.. سحور بنكهة المال السياسي