21-أغسطس-2022
University of Michigan Library

تبين أن مخطوطة تعود للعالم الإيطالي غاليلو غاليلي (1564- 1642)، وهي عبارة عن رسم تخطيطي للكواكب والأقمار، موجودة داخل مكتبة جامعة ميتشيغن في الولايات المتحدة الأمريكية، تبين أنها مزورة ويعود تاريخها للقرن العشرين فقط.

كانت جامعة ميتشيغن تعتبر المخطوطة من أثمن موجودات مكتبتها وواحدة من "الكنوز العظيمة"

وقد ساد اعتقاد بأن المخطوطة عبارة عن رسالة وجهها غاليلو إلى دوق البندقية بشأن عمله واكتشافاته المتعلقة بالتلسكوب الذي تمت صناعته عام 1609 والذي استخدمه غاليلو لتحديد الأقمار حول كوكب المشتري، بحسب ما نقلت صحيفة الإندبندنت البريطانية.

Galileo Galilei manuscript

وكانت جامعة ميتشيغن تعتبر المخطوطة من أثمن موجودات مكتبتها وواحدة من "الكنوز العظيمة" كونها تعد من نوادر البيانات المكتوبة التي ترصد أجسام تدور حول جسم كبير غير الأرض، ويعتقد بأن الكوكب هي الشمس. وتتضمن المخطوطة أيضًا توقيع غاليلي، بحسب بيان الجامعة المنشور بتاريخ 17 آب /أغسطس من هذا العام.

هذا ويعد غاليلي من أبرز الفلاسفة الإيطاليين وترك بصمة مهمة في التاريخ العلمي لناحية مساهمته في علم الفلك حيث أحدثت اكتشافاته مع التلسكوب ثورة في هذا المجال ومهدت الطريق لقبول أن الكواكب تدور حول الشمس أي نظام مركزية الشمس، وهو ما وضعه في مواجهة مع الكنيسة المسيحية في حينها والتي وضعت قيد الإقامة الجبرية إلى حين وفاته عام 1642 ميلادية.

نسخة مزيفة!

المؤرخ بجامعة ولاية جورجيا، نيك وايلدنغ، كشف عن أدلة تشير إلى أن المخطوطة مزيفة. قامت مكتبة جامعة ميتشيغن بالتحقيق في ادعاءات وايلدنغ لتخلص إلى النتيجة نفسها وتقرر بأن وايلدنغ على حق. وأشارت الجامعة إلى أن "المخطوطة نسخة مزيفة تعود للقرن العشرين"، بحسب ما أفادت صحيفة نيويورك تايمز.

أرسل وايلدنغ بريدًا إلكترونيًا إلى مكتبة جامعة ميتشيغن طالبًا مزيدًا من المعلومات عن المخطوطة كالمصدر وصورة للعلامة المائية للمخطوطة، والمقصود بالعلامة المائية هي تلك الإشارة التي تظهر مثل الظل عند وضع الورق أمام الضوء، وتشير العلامة المائية إلى مكان وتاريخ صنع الورق المستخدم في كتابة المخطوطة المذكورة. حصل وايلدنغ على المعلومات التي طلبها من أمين المكتبة وتعاونت الجامعة للوصول إلى نتيجة حيال المسألة.

التزوير طمس للحقيقة

من جهتها، عميدة مكتبة جامعة ميتشيغن، دونا هوارد، "كان الأمر مؤلمًا للغاية عندما علمنا لأول مرة أن مخطوطة غاليلي لم تكن في الواقع أصيلة"، وأضافت "ولكن بما أن الهدف من وجود أي مكتبة يكمن في توسيع آفاق المعرفة، فإن الجامعة قررت أن تقول الحقيقة وأن تعلن عن أن المخطوطة مزيفة"، وتابعت بالقول "إخفاء هكذا أمر يتعارض مع المبادئ التي ندافع عنها".

Galileo

لا يمس هذا الاكتشاف على الإطلاق باكتشافات غاليلي. لكنه يضع حدًا لمحاولات المؤرخين والعلماء لفهم المخطوطة ومحتواها وسبب إقدام غاليلي على تدوينها بهذا الشكل. وكما يشار إلى أن هذه القضية فتحت المجال أمام نقاشات أكثر حيوية حول الدوافع والأساليب والطرق وراء عمليات التزوير الفني والأدبي، وذلك بغية الفهم أكثر لآليات التزوير ومحاولة مكافحتها في المستقبل كونها تؤثر في التاريخ وتطمس الحقيقة.

الحكاية الطريفة

توصل وايلدنغ إلى اكتشافه عندما كان يتأمل صورة المخطوطة عبر الإنترنت. بدت له المخطوطة غريبة بعض الشيء ويصعب أن يعود تاريخها إلى أكثر من 100 سنة، فطريقة كتابة الأحرف وتشكيلها وصياغة الجمل والحبر المستخدم يظهر وكأنه حديث نسبيًا لكانه كتب منذ أشهر فقط، وقد توصل كذلك إلى عدم وجود سجل للمخطوطة في الأرشيف الإيطالي. يقوم وايلدنغ أيضًا بتدريس مادة التزوير الأدبي في جامعة فيرجينيا، ويعمل على كتابة سيرة حياة غاليلي، وكان قد كشف سابقًا عن زيف مخطوطة علمية أخرى منسوبة إلى غاليلي بكونها نشرت عام 1910 عنوانها Starry Messenger.

وأما عن كيفية وصول المخطوطة الحالية إلى المكتبة، فتشير المعلومات إلى أن الكاردينال الإيطالي،  بييترو مافي، قد حصل عليها من توبيا نيكوترا وهو مزور ذائع الصيت في مدينة ميلانو. وتذكر المعلومات إلى أن الكاردينال، المتوفى عام 1931، وعند حصوله على المخطوطة، قام بمقارنتها بمخطوطتين أخريين بحوذته واستنتج أن التوقيع مماثل بين المخطوطات جميعها. في هذا الصدد يشير المؤرخ نيك وايلدنغ بالقول "حالما سمعت باسم توبيا نيكوترا شعرت بالريبة". وكانت قد ظهرت المخطوطة لأول مرة في مزاد علني عام 1934، عندما اشتراها رجل أعمال من ديترويت يدعى ترايسي ماكريغور، وقام بمنحها لجامعة ميتشيغن عام 1938 بعد وفاة مالكها الكاردينال ببيترو مافي.

معمل للتزييف

ريبة وايلدنغ كانت في محلها. أثناء بحثه عن هوية توبيا نيكوترا، توصل وايلدنج إلى أن نيكوترا بدأ في تزوير رسائل ومخطوطات موسيقية وبيعها بهدف إعالة عشيقاته السبعة. وقد أدى تحقيق في مخطوطة مشكوك بأمرها للموسيقار العالمي ولفغانغ موتسارت، حيث قامت الشرطة بمداهمة شقته في ميلانو عام 1934، وعثرت على "مصنع تزييف" ووجدت بداخله أوراق ممزقة من كتب قديمة ومزيفة عائدة لكل من لورينزو دي ميديشي وكريستوفر كولومبوس وليوناردو دافنشي وإبراهام لينكولن ومارتن لوثر وجورج واشنطن وشخصيات تاريخية أخرى.

عرف نيكوترا بكونه أكثر مزور للتوقيعات كفاءة، وكان غير الإنتاج حيث قام يتزوير الكثير من الأعمال الفنية والمستندات في مختلف التخصصات. جنى نيكوترا ثروة من أعماله، وقام باستئجار سبع شقق في مدينة ميلانو، حيث أسكن في كل شقة عشيقة من عشيقاته. قام نيكوترا بالاحتيال على العديد من المؤسسات وباعهم مخطوطات مزيفة وكما كان يتخذ أسماء مستعارة ويقوم يتزوير هويتها الشخصية في كل مرة. قبض عليه في عام 1934 وحكم بالسجن لمدة عامين ودفع غرامة مالية.

وأشار العديد من العلماء والمؤرخين إلى احتمال وجود مستندات مزيفة أخرى ضمن مجموعات تعد ثمينة محفوظة مكتبة ميتشيغن وغيرها من المكتبات العالمية التي تعنى بحفظ هذه المستندات الثمينة مما يوجب التحقق منها بطرق علمية ودقيقة. من جانب أخر، علقت دونا هوارد على المسألة من خلال منظور مختلف قائلة "عملية التزوير وطبيعة المخطوطة وجودتها جيدة حقًا"، وأضافت "يضعنا هذا الاكتشاف أمام مخطوطة مزورة لكن مذهلة بذاتها من بعض الجوانب".

وبحسب جامعة ميتشيغن فالمخطوطة لا تزال ذات قيمة، لأنها ستستخدم في المستقبل لأغراض البحث العلمي والتعلم والدراسة في مجال التزوير والخداع والاحتيال الفني والأدبي كونها مادة حية، وكذلك كون هناك ضرورة ملحة لمكافحة نظام الاحتيال المستمر طالما جدت الحياة البشرية.

باحثة أمريكية: هناك بالتأكيد المزيد من عمليات التزوير

وفي هذا السياق، علقت الأستاذة بقسم التاريخ في جامعة هارفارد، هانا ماركوس، وهي تعمل حاليًا على إصدار كتاب يحتوي على مراسلات غاليلو غاليلي، علقت بالقول على القضية "هناك بالتأكيد المزيد من عمليات التزوير". أثنت ماركوس على اكتشافات وايلدنغ، لكنها أشارت بالقول "لا يعني هذا أن ننظر إلى كل المخطوطات بنظرة شك، لكن بالتأكيد كل مخطوطة يجب تحليل أصالتها وقراءتها بتمعن".