03-يناير-2024
القيادي صالح العاروري

العاروري وحتى اغتيال كان يشغل منصب نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، ومسؤول إقليم الضفة الغربية (Getty)

بعد مطاردة طويلة، اغتالت إسرائيل صالح العاروري، القيادي في حركة حماس، وأحد أبرز وجوه الحركة في الأعوام الأخيرة. وبات اغتيال العاروري، هو الأول في حركة حماس منذ اغتيال أحمد الجعبري عام 2012 في العموم، وعلى المستوى السياسي، هو الأبرز منذ عام 2004 بعد اغتيال عبد العزيز الرنتيسي.

كان صالح العاروري، هو الشخصية الأبرز التي تعرضت إلى تهديدات من الاحتلال، نظرًا لكون هذه التهديدات تسبق عملية "طوفان الأقصى"، وارتبطت في دوره ونشاط حركة حماس بالضفة الغربية.

صالح العاروري، يُعدّ من الجيل الأول الذي بدأ نشاطه السياسي مع حركة حماس، وانطلق من العمل الطلابي باتجاه السياسي والعسكري

نشاط مبكر

وولد القيادي في حماس صالح العاروري، في آب/أغسطس 1966، قبيل أشهر من نكسة حزيران/يونيو 1967، في قرية عارورة شمالي رام الله، وينسب لها.

وفي بداية شبابه، ارتبط صالح العاروري في جماعة "الإخوان المسلمين"، قبل أن يكون جزءًا من نواة الكتلة الإسلامية، التي كانت الحركة الطلابية الإسلامية، التي ظهرت قبل تأسيس حركة حماس بشكلٍ رسمي.

ومطلع ثمانينات القرن الماضي، انتقل الشهيد صالح العاروري، إلى الخليل، للدراسة في كلية الشريعة بجامعة الخليل، وخلال تلك الفترة، أصبح أميرًا للكتلة الإسلامية في الجامعة[1].

الانتقال للعمل العسكري

بعد تأسيس حركة حماس، كان صالح العاروري، من بين أوائل من انخرطوا في الحركة، وساهم في تأسيس جناحها العسكري، الذي أصبح معروفًا باسم كتائب الشهيد عز الدين القسّام، وكان الشهيد صالح العاروري على تماس، مع أول شهداء الحركة في رام الله، أمجد حسن من دير السودان، وعبد الرحمن العاروري، من قريته، والذي كان على تواصل مع قائد كتائب القسّام محمد الضيف، بعد انتقاله للضفة الغربية.

وبعد فترة قصيرة في السجن عام 1991، ساهم العاروري في تنظيم خلية لكتائب القسام في الخليل، ومن بين ما امتلكه، بندقية إم 16، بندقيتان كلاشينكوف، رشاشان من طراز عوزي، مسدسان أو ثلاثة مسدسات 8 ملم و9 ملم وبندقية كاربين واحدة، ويعتقد أن هذه الأسلحة استخدمت بعد ذلك في قتل جندي إسرائيلي. وهو ما لم يعترف به العاروري قط.

واستمر العاروري في توسيع شبكة القسّام في الضفة الغربية، حتى اعتقاله عام 1992. إذ حول للاعتقال الإداري، فشل الاحتلال في انتزاع أي اعتراف منه خلال الاعتقال، وسجن في معتقل الخليل، ومن ثم رام الله[2].

واعتقل صالح العاروري طوال أعوام التسعينات، مع فشل الاحتلال الحصول على أي اعتراف، إذ تم إدانته بناءً على اعترافات الغير، أو التحويل للاعتقال الإداري (اعتقال بملف سري وبدون محاكمة)، حتى عام 2007.

خروج قصير

في بداية عام 2007، خرج صالح العاروري للاعتقال، خلال تلك الفترة، تمكن العاروري من الزواج، بعد خطبة طويلة، كما نشط سياسي، مع فوز حركة حماس في انتخابات المجلس التشريعي، لكن العاروري، المعروف باسم "أبو محمد"، لم يلبث سوى أربعة أشهر خارج الأسر، قبل أن يعود من جديد إلى الاعتقال الإداري.

ومع اعتقاله الإداري منتصف عام 2007، استمر العاروري في الأسر، لمدة ثلاثة أعوام، قبل إبعاده من فلسطين، عام 2010، إذ خرج نحو سوريا، ومن ثم اتجه إلى تركيا، وبقي فيها حتى عام 2014، قبل انتقاله إلى لبنان.

وفي حديث مصدر لـ"الترا صوت"، عايش العاروري في سجون الاحتلال، قال إن "الشيخ صالح كان مترددًا في قبول العرض، لكن بعد استشارته للأسرى وقيادة الحركة، خرج للإبعاد، بحيث كان سوف يساهم في صفقة التبادل، بالإضافة إلى كونه سيتخلص من الاعتقالات التي لن تتوقف له".

getty

عودة إلى الضفة الغربية

بعد خروجه من الضفة الغربية، شغل عضوية المكتب السياسي لحركة حماس، وساهم بشكلٍ فعال في عملية التفاوض على صفقة تبادل الأسرى "الوفاء للأحرار" أو "صفقة شاليط".

ومنذ تلك الفترة، بدأ العمل على تفعيل نشاط المقاوم في الضفة الغربية المحتلة، إذ كان وراء عملية أسر المستوطنين 3 في مدينة الخليل بالتزامن مع إضراب للأسرى في السجون.

المصالحة

في عام 2017، صار العاروري نائبًا لرئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إلى جانب المسؤولية عن إقليم الضفة الغربية في الحركة، بالانتخاب. وفي العام ذاته، كان من أبرز الوجوه التي تدفع باتجاه المصالحة الفلسطينية، ووقع على اتفاقية للمصالحة عام 2017 مع حركة فتح والفصائل الفلسطينية في القاهرة.

ومع فشل الجهود السابقة، كررها مع عضو اللجنة المركزية لحركة فتح جبريل الرجوب، عام 2021، إذ وصل هذا المسار إلى اتفاق على عقد انتخابات عام 2021، قبل قرار رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، إلغاء الانتخابات، بدعوى منع الاحتلال عقدها في القدس.

وفي عام 2018، أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية عن رصد "مكافأة" قدرها 5 ملايين دولار لمن يقدم معلومات عن صالح العاروري.

getty

عودة إلى إشعال الضفة الغربية

منذ عام 2021، والضفة الغربية تشهد حالة نضالية، ظهرت على أشكال كتيبة جنين وعرين الأسود وكتيبة طولكرم وأريحا وطوباس، وغيرها. والاحتلال يتهم العاروري، بأنه من أبرز داعمي هذا التوجه.

ومنذ شهر نيسان/أبريل الماضي، والاحتلال الإسرائيلي يهدد صالح العاروري بالاغتيال.

وفي آب/أغسطس الماضي، قال صالح العاروري: "إن الذي يفكر في الاغتيالات يعلم أن هذا قد يؤدي إلى حرب إقليمية". وبعدها بيوم واحد، وجه رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو تهديدًا للعاروري، بأنه "سيدفع الثمن كاملًا"، ردًا على "تمويله وتوجيهه العمليات في الضفة الغربية".

getty

وفي أعقاب التهديد، نشر صالح العاروري، صورته مرتديًا الزي العسكري، وأمامه قطعة سلاح.

وفي آذار/مارس الماضي، قال صالح العاروري، إنّ صبر حماس على الاعتداءات الإسرائيلية بدأ ينفد، وأنّ الشعب الفلسطيني سيواجه بردٍ قويّ محاولات إسرائيل توظيف شهر رمضان لفرض سياستها في القدس، عبر السماح للمستوطنين بأداء طقوسهم، ودعا لتشكل لجان لمجابهة إرهاب المستوطنين.

وفي أحد التقارير الإسرائيلية، قيل عنه: "أصبح العاروري الشخصية الأكثر كاريزمية في حماس، وهدفه النهائي: هجوم مشترك على إسرائيل من جميع الجبهات"، وذلك قبل عملية "طوفان الأقصى" بأشهر.

ووصفه تقرير إسرائيلي آخر باعتباره "جنرال القيادة المركزية" لحماس، وأضاف: "هو في الواقع يقف وراء العمليات العسكرية واللوجستية والاقتصادية لكتائب عز الدين القسام في الضفة الغربية".

وفي نيسان/أبريل من العام الماضي، وبعد اعتداءات إسرائيلية على المسجد الأقصى، انطلقت رشقة صاروخية كبيرة من جنوبي لبنان، باتجاه شمال فلسطين المحتلة، وكانت كافة التقديرات الإسرائيلية، تدور حول مسؤولية العاروري، عن هذه الرشقة، التي وصف بعدها بـ"مهندس وحدة الساحات"، و"الرجل الذي يسعى إلى إشعال المنطقة".

الطوفان والعاروري

قبل شهر من عملية "طوفان الأقصى"، قال إن إسرائيل ستدفع المنطقة إلى "مواجهة واسعة وشاملة وخطيرة للغاية" خلال الفترة المقبلة. 

وذكر العاروري أن الحكومة الحالية "غير مسبوقة في تاريخ [إسرائيل] وهي خطيرة بكل معنى الكلمة. على الأغلب ستتسبب في صراع واسع النطاق نتيجة الممارسات في المسجد الأقصى وما يخططون للقيام به في الضفة الغربية، وهذا سيحدث على المدى القصير. نحن نتحدث عن عامين إلى ثلاثة أعوام وخلال الفترة المتبقية من عمر هذه الحكومة".

وفي مقابلة أخرى، في آب/ أغسطس الماضي، قال: "هل يتوقع الاحتلال بعد تهديداته بالاغتيال أن نعلن الاستسلام؟ هذه التهديدات لا تخيفنا، وليس لدينا كشعب فلسطيني أي خيارات؛ ومن ثم فإننا لن نتوقف عن المقاومة. لن نستسلم، وشعبنا لا ينوي الاستسلام. ولم يناقشوا قط فكرة الاستسلام من قبل. نحن شعب لم يستسلم لمصيره ولم يقبل بما يفرضه عليه هذا الاحتلال".

وأضاف: "هذه الحكومة الصهيونية تقول لكم إما أن تقبلوا أن تكونوا عبيدًا لنا، أو سنقتلعكم من هذه الأرض. ونقول لهم: ما دامت هذه الحرب ذات طابع استئصالي، فإن الوافدين الجدد والغزاة القادمين من كل مكان في العالم هم الذين سيقتلعون وسيرحلون، كما حدث مع غيرهم من الغزاة والمستعمرين. وسيبقى هذا الشعب".

الاحتلال يهدد العاروري بالاغتيال منذ عدة أشهر

وفي أيلول/سبتمبر، قال العاروري: "المقاومة ليست مجرد تعبير عن الغضب من الاحتلال، بل لها هدف سياسي. الهدف طرد إسرائيل من الضفة الغربية".

وفي وقت سابق، قال موقع "يو إس تودي"، إن العاروري الذي قال قبل عملية 7 تشرين الأول/ أكتوبر: "نحن نستعد لحرب شاملة"، أصبح يتصدر قائمة الاغتيالات الإسرائيلية، وأن هناك مطادرة له.

وأشار مسؤول إسرائيلي كبير، إلى أن هناك محاولات عدة لاغتيال العاروري، لم تنجح أو لم تنفذ.


[1] دلال باجس، الحركة الطلابية الإسلامية في فلسطين: الكتلة الإسلامية نموذجًا، (رام الله: مواطن- المركز الفلسطيني لدراسة الديمقراطية، 2012)، ص 24.

[2] بلال محمد شلش (محررًا)، سيدي عمر: ذكريات الشيخ محمد أبو طير في المقاومة وثلاثة وثلاثين عامًا من الاعتقال، (بيروت: مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 2017)، ص 213، ويرد ذكر العاروري في عدة مواضع أخرى، وبالأخص عن دوره الفاعل والقيادي في سجون الاحتلال.