05-أغسطس-2018

إحدى أعداد مجلة "واحد" عن العلاقة بين الفرنسية والعربية (مجلة واحد)

لطالما تعامل المشهد الفرنسي حكومةً وشارعًا، مع الفضاء العربي، خاصّة الشّطر المغاربيّ منه، من منظور كولونيالي، أهّله لأن يراه مجرّد ملحق به لغويًا وثقافيًا. لذلك فهو لم يبذل جهودًا تذكر في تعريب جسور تواصله مع المشهد العربي، الذي توجد أربع دول منه، هي مصر ولبنان والمغرب وتونس، ضمن المنظمة العالمية للفرانكوفونية، التي تأسّست عام 1970.

لطالما تعاملت فرنسا حكومةً وشارعًا مع الفضاء العربي خاصّة المغاربيّ منه، من منظور كولونيالي، باعتباره ملحق به لغويًا وثقافيًا

غير أن تحوّلات موضوعية كثيرة حدث في السّنوات الأخيرة، منها طغيان توجّه الجيل العربي إلى اللغة الإنجليزية، التي باتت تنافس اللغة الفرنسية حتّى في عقر دارها، وانسحاب الرّعيل الأوّل ذي النّزعة الكولونيالية في فرنسا تقاعدًا ورحيلًا، سمح بظهور بعض المبادرات الإعلامية والثقافية المؤمنة بضرورة احترام الخصوصيات اللغوية لـ"الشركاء" العرب.

اقرأ/ي أيضًا: "جدل الثقافة".. النقد في مواجهة أسئلة الكولونيالية وما بعدها

من هنا، عملت وزارة الخارجية الفرنسية نهاية عام 2006 على بعث القسم العربي من قناة "فرانس 24"، التي تخاطب شعوب ما وراء البحار، ملتحقة بذلك بخيار المشهد البريطاني، الذي بادر بإطلاق القسم العربي من "بي بي سي" عام 1938.

في سياق هذا الانفتاح، ظهرت منذ الأول من آذار/مارس عام 2017 مجلّة شهرية باسم "واحد" مكتوبًا بالأحرف الفرنسية، في إشارة إلى عوامل التّقارب، التّي تجمع المشهدين العربي والفرنسي، حتّى أنّها خصّصت ملفّا في أحد أعداها هو "هل الفرنسية لغة عربية؟". رصدت فيه امتدادات لغة فولتير في مفاصل الدّول العربية.

أعداد سابقة لمجلة "واحد" الفرنسية الناطقة بالعربية
أعداد سابقة لمجلة "واحد" الفرنسية الناطقة بالعربية

بلغة عربية سليمة وأنيقة، دأبت المجلّة الوليدة على فتح نوافذ ظلّ معظمها موصدًا على الدّول العربية. مثل "الشّيعة في السّعودية"، و"تاريخ عرب أمريكا اللّاتينية"، و"إفلاس المدرسة العمومية في المغرب"، و"السّعودية من الآباء إلى الأبناء". وفق رؤية نقدية يظهر منها أنها لا تنتمي إلى فصيلة المجلّات الغربية المموّلة عربيًا.

في عدد شهر تموز/يوليو المنصرم، كان التناول جزائريًا، إذ تمّ الدّخول بالقارئ إلى منزل الطبيب النّفساني والفيلسوف الاجتماعي ونصير الثورة الجزائرية فرانز فانون (1925 ـ 1961) في مستشفى الأمراض العقلية بمدينة البليدة. إلى جانب ملفّ عن الغجر في الجزائر، من زاوية أصولهم وطقوسهم وتسمياتهم المحلّية ونظرة المجتمع إليهم.

في الشقّ السّياسيّ، خصّص العدد ملفًّا مستفيضًا عن الواقع السّياسي الجزائريّ، قبيل أقلّ من عام عن الانتخابات الرّئاسية، التي بدأ الصّراع بسببها بين أجنحة السّلطة يعلن عن نفسه مع دخول فصل الصّيف الجاري. خاصّة أنّ تراجع أسعار النّفط في الأسواق العالمية كانت له تأثيرات سلبية في الشّارع والمؤسّسات الحكومية، بحكم أنّ ما يزيد عن 95% من صادرات البلاد تعتمد على البترول.

عدد تموز/يوليو من مجلة "واحد" الفرنسية
عدد تموز/يوليو من مجلة "واحد" الفرنسية

يقول الإعلامي محمّد علّاوة حاجّي لـ"اأترا صوت"، إنّه إضافةً إلى ازدواجية اللغة، تُولي المجلّة مكانةً للصورة، ومن ورائها الفن التشكيلي بكلّ أنواعه. وتُخصّص في كلّ عددٍ أكثر من عشر صفحات لفنّان تُضيء تجربتَه وتوثّقها بعدد من أعماله، "لقد سحبت الأناقة الفرنسية إلى الفضاء العربي باللّغة العربية".

الهدف من مجلة "واحد" الفرنسية، خلق جسر ثقافي وحضاري بين الفرنسيين والعرب بعيدًا عن نظرة الاستعلاء والابتلاع

ويشيد محمد علاوة حاجّي برغبة المجلّة في خلق جسر ثقافي وحضاري بين الفرنسيين والعرب، بعيدًا عن نظرة الاستعلاء والابتلاع، التي تميّزت بها المنابر الفرنسية المتوجّهة إلى ما وراء البحار. يقول: "آن للمسة ونظرة الجيل الجديد في الطّرفين أن تعلن عن نفسها، لتحلّ روح الإبداع محلّ روح الصّراع".

 

اقرأ/ي أيضًا:

العربية تغزو أمريكا

الجزائر وفرنسا.. عواطف مفخخة