06-أغسطس-2015

من مقتنيات "غاليري أيام" (علي حسين ميرزا)

مقولة الكاتب الجزائري الراحل كاتب ياسين أن "اللغة الفرنسية غنيمة حرب" التي راجت بعد انتصار الثورة الجزائرية على الاستعمار الفرنسي في ستينيات القرن الماضي، طبّقها الأمريكيون بحذافيرها على اللغة العربية. قد تكون اللغة هي الغنيمة الوحيدة التي جنتها الولايات المتحدة جراء حملة مكافحة الإرهاب، بعد هجمات 11 أيلول/ سبتمبر وحرب العراق.

اللغة العربية اليوم، في صدارة اللغات الأجنبية التي يسعى الأمريكيون إلى تعلّمها

العربية اليوم، في صدارة اللغات الأجنبية التي يسعى الأمريكيون إلى تعلمها. ويمكن تلمس "الغزوة" اللغوية العربية لأمريكا من خلال الأرقام الإحصائية التي تظهر توجه عشرات آلاف الطلاب الأمريكيين إلى دراسة اللغة العربية، وميلهم إلى القيام بدراسات تسلط الضوء على الثقافة العربية والإسلامية.

إذن، الاهتمام باللغة العربية في الولايات المتحدة لم يعد يخص فقط مراكز الأبحاث الاستراتيجية والجامعات المرموقة. بعد حرب العراق وإطلاق الإدارة الأمريكية ما يعرف باسم "المبادرة اللغوية للأمن القومي"، التي تستهدف تشجيع العاملين في الحكومة على تعلم لغة الضاد، وتوسيع برامج تعليم العربية للتلاميذ الأمريكيين، بدءًا من مرحلة الحضانة في المدارس الابتدائية وصولًا إلى الجامعة. فأقسام اللغة العربية باتت اليوم موجودة في كافة الجامعات الأمريكية. كما أصبحت العربية لغة ثانية اختيارية في المدارس الحكومية، بمعنى أن تعلمها صار بمتناول الأطفال، الذين يرغب أهلهم في إتقانهم هذه اللغة، وخصوصًا أبناء الجاليات العربية والإسلامية في أمريكا.

تقول سالي أحمد مديرة مركز ساوث - نورث  لتعلم اللغات وفنون التواصل في مدينة سبرينغ فيلد جنوب واشنطن، إن عدد الأمريكيين الراغبين في تعلم اللغة العربية يتزايد باضطراد، وأنه تضاعف عدة مرات في السنوات القليلة الماضية. ولم يعد قطاع تعليم اللغة العربية مقتصرًا على البرامج الحكومية لتشجيع تعلم العربية، رغم أن ميزانياتها في السنوات العشر الماضية بلغت مئات ملايين الدولارات، بل أصبح قطاع أعمال قائمًا بذاته، يؤمن آلاف فرص العمل للأمريكيين الناطقين بالعربية، أو المقيمين في الولايات المتحدة.

الفتاة الجامعية القادمة مع عائلتها من السودان، بدأت قبل سنوات بالعمل في معاهد متخصصة في تعليم اللغة العربية لموظفين حكوميين في وزارتي الخارجية والدفاع، وقد قررت هذا العام أن تكون لها مؤسستها الخاصة، حيث صار بإمكانها تعليم عدد أكبر من الطلاب، وبالتالي الحصول على مردود مالي يساوي أضعاف ما كانت تتقاضاه في تلك المعاهد.

ومن العوامل التي ساهمت أيضًا في انتشار اللغة العربية، تزايد عدد الأمريكيين المسلمين، تحديدًا من ذوي الأصول العربية، وما ترافق مع ذلك من تأسيس منظمات وهيئات أمريكية عربية ناشطة على صعيد الدفاع عن الحقوق المدنية للعرب والمسلمين في الولايات المتحدة. ومن أجل تقديم صورة أخرى للعربي والمسلم غير الصورة التي تسعى بروباغندا داعش والجماعات المتشددة إلى ترسيخها في أذهان الأمريكيين عن العرب والمسلمين. من دون أن يعني ذلك إغفال نجاح داعش في إثارة فضول الكثير من الأمريكيين للتعرف أكثر على الإسلام ولغة القرآن. وتسجيل نجاح هذا التنظيم في اختراق الفضاء الافتراضي الأمريكي، وتجنيد العديد من المناصرين، وإقناع المئات للتحول من المسيحية إلى الإسلام، لتنفيذ هجمات على الأراضي الأمريكية، أو التوجه إلى سوريا والعراق للقتال والموت في ظل راية "دولة الخلافة الإسلامية".

تبقى الاشارة إلى أن اتجاه استراتيجية السياسة الخارجية الأميركية في عهد باراك أوباما، في الابتعاد عن بؤر التوتر في الشرق الاوسط، وعدم توريط الجيش الأمريكي في حروب جديدة في المنطقة بعد الانسحاب من العراق وأفغأنستان، قد يغيّر البوصلة اللغوية في واشنطن لتركز أكثر على اللغات الآسيوية كالصينية والهندية والفارسية، خصوصًا بعد توقيع الاتفاق النووي في فيينا، والحديث عن عودة العلاقات الطبيعية بين واشنطن وطهران.