05-نوفمبر-2015

إنه مجرد مطر! (أنور عمرو/أ.ف.ب/Getty)

لا تشبه بيروت في طوفانها الكبير المناطق الساكنة عند أطرافها. تُمطر فتطوف المدينة من ثم يلتمع وسطها سريعًا، بعدما يتسرب الماء والقمامة المتروكة على الطرقات إلى الأطراف. هنا حيّ السلم، أو فضيحة "الجمهورية". المنطقة الأشهر في ضاحية بيروت الجنوبية، حين تخرج صورتها السوريالية إلى العالم في أوقات كهذه (الشتاء)، بعدما "تُنعم" السماء عليها بخيراتها فتتحول النعمة إلى نقمة حيث لا دولة ترى ولا تُخبر.

يلحظ زائر حي السلم سريعًا عشوائية "التنظيم" المدني حيث تتداخل الطرقات ببعضها

لم يكن الحدث طارئًا على أهل المنطقة، كل ما في الأمر أنها أمطرت. هكذا وبهذا الفعل السنويّ المعتاد، تحولت المنطقة إلى مجرى فرعي للأنهار والمجارير والقمامة السابحة فيها. يلحظ زائر المكان سريعًا عشوائية "تنظيمها" المدني، حيث تتداخل الطرقات ببعضها، فيستعاض عن إشارات السير بالصراخ والشتائم والأيادي الملوّحة من نوافذ السيارات. عليكَ التمهل في السير لكي لا تعلق السيارة في مستنقع ماء عميق ولا تعود قادرًا على إنقاذها من هذه "التغريزة".

تخرج ملاك من بيتها صبيحة يوم ماطر، تدفع بأكياس القمامة المتراكمة عند مدخل البناية بعيدًا حتى تتمكن من المرور. ترفع ثيابها عن الأرض لكي تجتاز "النهر" الممتد إلى آخر الشارع وتصل إلى موقف الباصات. تمرّ ملاك بجيرانها الخارجين إلى أعمالهم ومدارسهم، المشهد لا يُصدّق، تقول. وجوه هائمة تضحك من فظاعة المكان وأخرى تهرول وتتذمّر وتلعن هذه الصبيحة.

تمشي النفايات بمحاذاة أقدام المارّة، أكياس أينما دارت أعينهم، منها قد استقر على الأرصفة وأخرى لا تزال تسرح في مجرى المياه الطويل. تصل ملاك إلى موقف الباصات، فتظهر الفظائع أكثر، السيارات واقفة لا تتحرك، خط سير طويل عالق بمستنقعات المياه. تمشي السيارات على مهل شديد حتى تتمكن من الخروج. ينزل الشباب إلى الشوارع ليدفعوا بالعجلات إلى الأمام. منهم من تكفل بإزاحة النفايات عن الطريق ومنهم من يمسك بأيدي الأولاد ليتمكنوا من الوصول إلى مدارسهم في الأحياء المجاورة. ويطلبون منهم أن يضعوا أكفهم على أنوفهم حتى لا يتنشقوا رائحة العفن الخارجة من المكان.

تعلو أصوات الناس بالصراخ لصاحب الشاحنة الصغيرة المحمّلة بخزانات مياه الشرب. الشاحنة العالقة منذ ساعات في بركة مياه حيث "دُفنت" دواليبها بالوحول. وقف الرجل حائرًا بين أن يُفرغ رزقه الصباحي من الشاحنة حتى يتمكنوا من تخليصها، أو أن ينتظر الفرج من مكان ما ليفتح الطريق أمام الناس. تابعت ملاك طريقها ولم تعرف ما حصل معه. بينما هي في سيارة الأجرة، صرخ شاب لصاحب السيارة بأن يغيّر طريقه لأن الشارع الذي يسلكه يُفضي إلى جبل نفايات كبير، ما اضطره إلى أن يسلك طريقًا أطول بكثير.

اقرأ/ي أيضًا:  لبنان.. الدولة ومخدرات أبو سلة

مضى على ذلك أكثر من ساعة ونصف وملاك تحاول أن تتمالك نفسها، حتى وصلت في النهاية إلى عملها، فبادرها السائق بالحمد لوصولهم سالمين. "لم يكن مشوارًا من البيت إلى العمل، كانت رحلة في البحر، أو بداية تافهة ليوم عمل شاق. أنا متأكدة أن من يُبحرون إلى اليونان سباحة سيصلون قبلنا إذا ما تكرر هذا المشهد الصباحي حين يحلّ الشتاء وتمطر السماء يوميًا. تخيّلي! لم يكن زلزالًا ولا حادثًا طارئًا، هذا الخريف وقد أتى وهذه السماء أمطرت، هكذا بهذه البساطة، سبحنا نحن والنفايات إلى مخارج المنطقة، ولم يحرّك أحد ساكنًا". هو ليس إلا فيلم "حيّ سلّمي طويل"، وللقصة تتمة في الأيام الآتية، رغم أن كل ما حدث، مجرد مطر!

اقرأ/ي أيضًا: النبطية تغرق بنفايات "أمل" وحزب الله