24-مارس-2022
غرافيتي على تمثال الإسكندر المقدوني

غرافيتي على تمثال الإسكندر المقدوني

ربما يجدر بنا أن نلوم أنفسنا أيضًا، نحن الذين ندعي أننا نكتب تحليلًا سياسيًا، ونعتقد أننا نعرف خبايا نفوس القادة والجنرالات، ونزعم أننا قادرين على كشف ما يضمرونه من خلال قراءتنا لما يعلنونه. أن ينتهي كاتب في تحليله إلى خلاصة مفادها أن بوتين سينتصر في هذه الحرب، وسيعقب انتصاره تراجع في سطوة الغرب وهيمنته على العالم، فهذا أقرب لأن يكون تشجيعًا لنفسه ولقرائه على استساغة طعم الدم وتقبلًا للعوز والفقر والحاجة التي من المتوقع أن تضرب قارات بأكملها، بصرف النظر عن نتيجة هذه الحرب. التحليل المخالف لهكذا تحليل يقع أيضًا في الجانب نفسه من المهزلة. انتصار زيلنسكي على بوتين لن يؤدي إلى إعادة إحياء من ماتوا، وتأمين الغذاء لمن جاعوا، وعودة الذين هاموا على وجوههم في دنيا الله الواسعة. انتصار أمريكا على بوتين أيضًا لا يعني في أي حال من الأحوال، أن الشعب الأمريكي، القاطن في مجرته البعيدة، سينعم بحياة أكثر رفاهًا مما كانت عليه حياته قبل اشتعال الحرب. هذا النصر، كائنًا من كان المنتصر، هو هزيمة لإنسانيتنا. والتهليل له لا يعدو كونه سلوكًا قابيليًا يعلن استعداده التام لقتل أخيه الذي فضله الإله، عله يصبح مفضلا لدى الإله نفسه بعد موت الأصيل.

ما النفع الذي سيعود على مزارع روسي أو صانع صيني أو صاحب متجر سعودي لو أن الصين وروسيا نجحتا في تصدر الدول المهيمنة على وعي العالم وخياله بدلًا من أمريكا؟

ما النفع الذي سيعود على مزارع روسي أو صانع صيني أو صاحب متجر سعودي لو أن الصين وروسيا نجحتا في تصدر الدول المهيمنة على وعي العالم وخياله بدلًا من أمريكا؟ هل سينعكس ذلك تحسنا في مستوى معيشته؟ يمنحه وقتا أطول يستطيع أن ينفقه مع أطفاله وزوجته؟ يخوله امتلاك سيارة أفضل من تلك التي يقتنيها الآن؟ كل هذه الأوهام لا مكان لها في عالم الوقائع. ملايين الأمريكيين، المهيمنين على العالم، يفترشون شوارع المدن، ولا يملكون وصولًا إلى المياه النظيفة، وجلهم لا يمتلك هاتفا ذكيًا، ولا أحد منهم ينعم بإنترنت مجانية يقدمها له مواطنه إيلون ماسك.

ثم إن الإمبراطورية السوفييتية كانت حتى الأمس القريب قادرة على السيطرة على عقول عشرات الملايين في أرجاء العالم، هل كان أفراد الشعب السوفييتي ينفقون ساعات من أيامهم وهم يتناولون إفطارهم؟ هل كانوا يسبحون لساعتين يوميًا كما يفعل الرئيس الروسي كل يوم؟ وهو الحالم باستعادة مجد السوفيات والقياصرة، هل كانوا يشاركون في مباريات الجودو؟

الهيمنة الغربية على العالم جائرة طبعًا. إنما هل يحسب السريلانكيون الذين تعاونوا مع الصين أن الإمبراطورية الطموح أقل جورًا من الإمبراطورية الأمريكية؟ هل أبقت هذه الإمبراطورية الطامحة لقيادة العالم أحدًا في مناجم الكوبالت في الكونغو الديمقراطية لم تسلبه حقه في أن يكون بشريًا؟

كان في وسع العالم، أن يستعيد بعضًا من القيم الإنسانية التاريخية، من قبيل الإصرار على تشجيع المحلي، أكان هذا المحلي منتجًا حرفيًا أم مطبخًا عريقًا

كان في وسع العالم، لو تعقل قليلًا، أن يقترح بدائل للهيمنة الغربية الجائرة، على شعوب دولها وعلى شعوب العالم أجمع، من قبيل تحسين شروط الحياة واقتراح مزيد من التعاون بين الناس في الدول التي يحكمها معارضو هذه الهيمنة. كان في وسع العالم، أن يستعيد بعضًا من القيم الإنسانية التاريخية، من قبيل الإصرار على تشجيع المحلي، أكان هذا المحلي منتجًا حرفيًا أم مطبخًا عريقًا. بدلًا من التهافت على ماكدونالدز وبرغر كينغ في عواصم الاعتراض على الهيمنة الأمريكية، والانصياع لموجبات حمى البوتوكس والكولاجين التي تضرب هذه العواصم ولا ينجو منها رؤساء هذه الدول الذين يضعهم البعض في مرتبة الأبطال.

مع ذلك، ورغم كل هذا الوضوح إلا أننا، كتابًا وصحافيين ومهتمين بالشؤون العامة، ننساق وراء الأوهام الإسكندرية (نسبة للمقدوني)، ونحسب أن قتل الناس وتغيير معالم الحضارات والمدن، وقطع سبل العيش على الناس، من الشؤون التي يفترض أن نحتفي بها ونهلل لأبطالها.