20-ديسمبر-2021

كاريكاتير لـ بارت فان ليوين/ هولندا

في سعينا للفرح نتساءل كيف لنا أن نجد المتع وكيف نعيشها في هذه الحياة المرصوصة. كمهاجرين أو ناجين من الموت، أو حتى كمواطنين هانئين بسلطة القانون تبدو المتع منة من النظام الكوني علينا. نحن نستمتع إذا كان بمقدورنا ان نحظى بعطلة صيفية، أو إذا ما ابتعنا ثيابًا مصممة من دور الأزياء، أو تناولنا وجبة في مطعم مرموق، أو إذا ما التقينا بحبيب بعد نهاية يوم عمل طويل.

يظهر إيلون ماسك الآن على شكل وريث انتصار التكنولوجيا الغربية والأفكار المستقبلية على الفلسفة

غير أن القاسم المشترك بين من نكون وبين تلك المتع هو متى نستمتع وبأي ظرف. هو الوقت إذا، وقت المتع، هذا الوقت القليل المتبقي والمختلس غالبًا، بعد ان يكون النهار قد برى أجسادنا، أو بعد أن حالفنا الحظ في نجاتنا من مجزرة أو في وصول زورق النجاة الى ضفة ما. في خضم تكاثر المتع تلك في شح الوقت وإشاحة الموت وجهه عنا لبرهات، يأتي إيلون ماسك حاملًا مشاريعه المستقبلية التي تبشرنا بمتع كبرى.

اقرأ/ي أيضًا: إيلون ماسك: كم سيدفع أثرى رجل في العالم من الضرائب في 2021؟

في هذا العالم نلتئم في ذاتنا في صورتين، على ما ينحو الفيلسوف ويلفريد سيلارز، الصورة الجلية (manifest image) والصورة العلمية. الصورة الجلية هي تلك التي بنيناها عن أنفسنا بمساعدة الفلسفة. وهي صورة تستمد احالاتها من جدلية التنوير، اللحظة التي بدأ الانسان الالتفات الى ذاته، وهي بمعنى ما صورة ملازمة لا مفر منها لنتعرف على أنفسنا كبشر، كأفراد. وهذه الصورة ليست تمامًا انعكاسًا لمساحتنا الانطولوجية التي تلحظ وجودنا في هذا العالم بقدر ما هي، في العمق، صورة معيارية تمكننا من رؤية أنفسنا كمؤثرين عقلانيين في هذا العالم، ومن دونها لا نستطيع ان نتعرف على أنفسنا كبشر. أما الصورة الثانية، فهي الصورة العلمية، صورتنا عن أنفسنا كنظام فيزيائي معقد. صورة مستمدة من خطابات علمية كالفيزياء، علم الأحياء، الفسيولوجيا العصبية، والعلوم الاستعرافية. الصورة الجلية كانت دائمًا تتفوق على تلك العلمية بخصائص عملاتية تمكننا من تحديد أهدافنا العقلانية في الحياة. منذ بضعة عقود ومع تنامي تقدم التكنولوجيا وسيطرتها على نواحي حياتنا كافة، بدأت الصورة العلمية تتقدم إلى حيز بدأ يوائم الصورتين في الإطار ذاته ويموضعهما وخصائصهما في بناء موحد للذات. 

يظهر إيلون ماسك الآن على شكل وريث انتصار التكنولوجيا الغربية والأفكار المستقبلية على الفلسفة. انتصاره هذا يتجلى في منحى احتفالي بريادة الصورة العلمية على تلك المبنية بالفلسفة. فإيلون ماسك بنى ثروته على محرك مشروع تبشيري خلاصي مفاده أن الأرض لم تعد تصلح للعيش، وأنه علينا المغادرة إلى كواكب أخرى. تبشير خلاصي مستمد من قدرة العلوم والتكنولوجيا المتطورة الإجابة على أسئلتنا المعيارية من قبيل من نكون، كيف نكون وكيف تستمتع وكيف نعيش الوقت. وانتصار ماسك هذا هو مشروع مغادرة وهجرة يتمثل بنقل الجنس والاجتماع البشري إلى أماكن أخرى في هذا الكون.

غير أن فكرة إيلون ماسك جديرة بالتأمل، إذ إن السمت الذي بنيت عليه ليس غريبًا. فمنطلق هذه الفكرة هو الصورة الجلية تلك، إلا أنه التقطها في مسار انحداري يرتطم فلسفيًا بفكرة الموت المحتم المتربص بنا عند انفجار المجموعة الشمسية بعد  4.5مليار سنة. فهذا المنطق إذا ينطلق من الموت. منطق يريد التغلب على الموت المحدق بنا آتيًا من المستقبل عبر بناء مشروع آمل بالسعادة الدائمة بعيدًا عن مآسي الارض التي استنفذت سبل الفرح والأمل والهناء للبشر.

أحسب أن هذه فكرة مؤسِسة مسيطرة على الخطاب التكنولوجي العلمي والأفكار الثقافية الخلاصية المرتبطة به. وهي أيضًا متوائمة مع فكرة أخرى ترى أن نمو التكنولوجيا الهائل يحتم إيجاد مدى جديد لتمددها وانتقالها إلى مساحات أوسع في الفضاء، لأن الأرض باتت مستَهلكة وضيقة، ولا بد من إيجاد أماكن أخرى في الكوزمس لإتاحة تطويرها وانتشارها. وبما أن لا تكنولوجيا دون اجتماع، فعلى الاجتماع البشري مواكبة هذه التكنولوجيا، أي السفر والعيش معها وبها في الأصقاع الجديدة من هذا الكون.

إيلون ماسك يعدنا بسعادة محمولة بالتكنولوجيا الخلاصية، علينا أن نهدأ ونخفف من تأففنا لضيق الوقت ومن صدمتنا من النجاة من الموت

وفي هذا المنحى الاحتفالي الخلاصي المرتكز على الترحال الكثير من تحميل البشر سمات وخصائص تكنولوجية خارقة، أو لنقل بطريقة أخرى تحميلنا عبء التذكر الكوزمولوجي والفرح الكوني. فتكنولوجيا المعلومات المنتشرة على سطح الأرض والمبرمجة في صناعة صواريخ ومسابير الفضاء أنتجت إمكانية التذكر الكوني في وقت متاح آت من المستقبل، من الانفجار الأول المؤسس والممتد. أي أنها جمع ذاكرة الإنسان الاجتماعي الأرضية مع ذاكرة جديدة مبنية في مسارات الرحلات والمشاهدات الكونية وضمنا أحلامنا السعيدة بالسفر والعيش والهناء على كواكب أخرى. وفي هذا التذكر الكوزمولوجي ما يشبه التوق للتماهي مع الذات الإلهية التي تحفظ بشكلٍ تام كلية المعلومات التي تشكل الكون كما رآها الفيلسوف الالماني لايبنتز. تلك المعلومات تتضمن ما رآه وعرفه البشر وغيرها الموجودة في الكون التي لم تَتَظهر لهم بعد. وفي تراكم هذا الجمع بين الذاكرتين في خوادم المعلومات نتقرب، رويدًا رويدًا، من الذات الالهية بسعتها الأرشيفية الكاملة والتواصلية التامة. 

اقرأ/ي أيضًا: إيلون ماسك يعترف: حاولت "في لحظة يأس" بيع تيسلا إلى أبل بعُشر قيمتها الحالية

إيلون ماسك يعدنا بسعادة محمولة بالتكنولوجيا الخلاصية، علينا أن نهدأ ونخفف من تأففنا لضيق الوقت ومن صدمتنا من النجاة من الموت، وعلينا أن ننتظر مركبة الفضاء تأخذنا الى السعادة الابدية تلك.

 

اقرأ/ي أيضًا:

فيديو: ماسك أم مارك؟