21-يوليو-2023
Reeperbahn شارع ريبربان

(Getty) جانب من شارع ريبربان

عندما نسير في الشوارع نعتبر أن الذين بجانبنا يسيرون معنا في الشارع نفسه، لكن هذا الحال يصلح عندما نكون ممن يكتفون بالمنظورات السطحية.

من يسيرون على طول شارع ريبربان في مدينة هامبورغ ويرون المراقص والمواخير، وتجمعات الذين يحتفلون ويستمتعون، والسياح الذين يرغبون في تجربة شيء فريد من نوعه، أو يرافقون دليلًا يقدم لهم تاريخ المكان القاسي والدموي في إطار ممتع؛ من يرون ذلك ينضمون دون وعي إلى التيار، لأنهم يأتون في عطلة نهاية الأسبوع مع الأصدقاء كي يشاهدوا ويعيشوا صخبًا مجنونًا، بعد أيام العمل والضغط الطويلة. يضحكون ويرقصون. يأكلون ويشربون. ويشعرون بالتحرّر من الحياة اليومية المملة.

لو وضعنا أنفسنا مكان الآخرين الذين يقوم هذا كله على أكتافهم، فسوف نرى المدينةَ مختلفة تمامًا، والشارعَ مختلفًا تمامًا، فالشابة المشردة التي تتوسل من أجل المال ترى قطاع التسلية الخاص بنا مكانًا للاحتجاج على مجتمع ظالم. وبائعة الهوى لم ترد سوى كسب بعض المال من رجال ربما تكرههم منذ عشر سنوات، والمنظفون يرونه الشارع الأكثر قذارة في أنحاء المدينة كلها.

المدينة تربطنا، لكننا لا نريد أن نشعر بها. لهذا السبب نفضل المثابرة على تعميق ما يفرّق بيننا كبشر

في نظرة أكثر إنسانية إلى هؤلاء جميعًا سنرى أنهم لا يشاركوننا الفرح. إنهم يساعدون في إنشاء المكان الذي نستمتع به. إنهم يحاولون كل ما في وسعهم كي نجد الأمكنة "مجنونة" و"مثيرة" و"خارج المألوف". أما نحن، من نستهلك كل ذلك، فننساهم بقوة ونرميهم إلى حقيقة مريعة، هي أنهم يقضون حياتهم هناك.

ربما لا يتعين علينا اختيار هذا المقطع الأفقي. يمكننا أيضًا اختيار مقطع عمودي من تاريخ ريبربان، وعلى سبيل المثال، لو توقفنا مؤقتًا في ثمانينيات القرن الماضي لأدركنا أنه في المكان الذي تناولنا فيه مشروبنا وتحدثنا فيه مع الأصدقاء، هناك أشخاص قضوا في حرب طاحنة بين عصابات القوادين وتجار المخدرات.

الذين يتعاملون مع الطاقة يقولون إنها مثل الماء لا تختفي، بل تتحول. لهذا السبب، ليس خيالًا أن يشعر أحدنا بأنه عضو العصابة الشاب الراقد فوق دمه المنساب غزيرًا، أو أن يذهب به التفكير إلى أن الراقصة الشابة على إحدى الطاولات، والتي يثني أحد الأصدقاء على جمالها، مثقلةٌ بالشعور بالذنب، لأنها توقفت عن إرسال الأموال إلى والدتها في رومانيا.

المدينة تربطنا، لكننا لا نريد أن نشعر بها. لهذا السبب نفضل المثابرة على تعميق ما يفرّق بيننا كبشر.