20-يونيو-2020

اختلطت الحالة الإنتاجية للأفلام والمسلسلات في العصر الرقمي ما قلص الفروق بين العالمين (غوردون باركس/Getty)

يمكن النظر إلى المسلسلات التلفزيونية والأفلام على أنها واحدة من وسائل الترفيه الشعبية للناس. وهناك الكثيرين من الذين يطرحون أسئلة مفادها: ما الفرق بين إنتاج فيلم وإنتاج مسلسل؟ وكيف يمكن معرفة إذا ما كان النص المكتوب يجب أن يكون فيلمًا أو مسلسلًا؟ وهل عملية الإخراج هي نفسها؟ إضافة إلى العديد من الأسئلة التي تنبثق في ذهن المشاهد. فما هي الخصائص التي تميز كل من الفيلم والمسلسل وتمايزهما عن بعضهما.

تشترك الأفلام والمسلسلات في كون منطلقها الأساسي تقديم منتج ترفيهي مرئي ومسموع كما أنها وسيلة تخاطب ودعاية عامة

الأفلام هي أعمال إبداعية لمخرجين يتمثل دافعهم الرئيسي في المتعة والترفيه، وكذلك في تقديم أعمال فنية جديدة للجمهور تحمل طروحات مبتكرة أو أساليب وطرق عرض مختلفة، كما تقديم أداء تمثيلي ممتع. وربما يظن البعض أن الفرق هو فقط بين الشاشة الكبيرة "السينما" في مقابل الشاشة الصغيرة/الفضية "التلفزيون" لكن ذلك تفصيل واحد من بين عدة فروق جوهرية. كذلك فالفيلم والمسلسل قادران على قول قصة جميلة للجمهور وترك أثر فني كبير.

اقرأ/ي أيضًا: شيرين نشأت وأزمة الجسد الإيراني

بالرغم من كون مخرجي الأفلام لديهم تاريخ حافل بالإنجازات، وكذلك ممثلي الأفلام، ومضاف إليهم الميزانيات الضخمة لإنتاج الفيلم مع ما يرافق ذلك من متعة المشاهدة داخل صالة السينما، ومع كل ما تقدمه التكنولوجيا من جديد في عالم الصورة كالأبعاد الثلاثية وغيرها، إلا أن عالم المسلسلات لا يقل بذخًا وتعقيدًا على جانب مقابل.

التسويق

يشعر المشاهد أثناء متابعته للمسلسل التلفزيوني أنه قيد الاستخدام ويتم تسويق الأشياء له حيث يحاول التلفزيون دائمًا بيع المنتجات للمشاهد من خلال الإعلانات التجارية التي تسبق المسلسل وأثناء العرض وبعده، خاصة وأن المال عامل حاسم في استمرارية إنتاج المسلسل التلفزيوني. ولا شك في أن المسلسل يجب أن يكون ممتعًا، على اتساع مفهوم الإمتاع ونسبيته، ليستقطب نسبة أكبر من الجماهير مما يؤدي إلى مردود مالي أعلى يتم تحصيله من الإعلانات.

على الفيلم تقديم ما هو ليس موجودًا على الشاشة الصغيرة، وربما يمكن القول عنه بأنه عمل "ملحمي" ينتج لمرة واحدة فقط وبشكل حصري

يتقدم المسلسل على الفيلم من حيث إمكانية الوصول إلى المشاهدين في المناطق النائية، وبسبب إعادة عرضه بين الحين والأخر وبعد مرور عدة سنوات يمكن أن تجد القنوات تعيد عرضه. لكن ليس هذا هو الحال مع الأفلام حيث يمكن للشخص الجلوس والاسترخاء والاستمتاع بمشاهدة الفيلم في صالة السينما أو في المنزل دون وجود فواصل إعلانية. ونية صانعي الأفلام هي جلب الجمهور إلى قاعات السينما، وكلما زاد عدد الأشخاص الذين يشاهدون الفيلم اعتبر ناجحًا. فالأفلام تتطلب الكثير من المال وهي بمثابة منتج كأي منتج أخر بالنسبة لمنتجي الفيلم الذي يهدف إلى تحقيق الأرباح.

بينما تقف خطة التسويق عاملًا أساسيًا في نجاح العمل الفني سواء كان مسلسل أم فيلم. فالخطة التسويقية يجب أن تستهدف الفئات التي يهمها هذا النوع من الأفلام والمسلسلات. كما يجب التنبه إلى تصنيف الفيلم أو المسلسل وطييعته وماذا يقدم. أي بكلام أدق تقديم المنتج المناسب للجمهور المناسب. وهناك أمثلة عن العديد من الأفلام المنتجة والمؤداة بشكل جيد التي فشلت في حصاد أرقام في شباك التذاكر بسبب سوء عملية التسويق.

المال أساس جوهري

الفيلم يجهد من أجل إقناع الجمهور بالذهاب إلى الصالة ودفع ثمن تذكرة للدخول ومشاهدة العرض بينما المسلسل يجهد من أجل جعل المشاهد يتعلق بشخصيات المسلسل وأحداثه كي ينتظره من يوم إلى يوم أو أسبوع إلى أسبوع. وكلما كبر حجم الجمهور المتابع للمسلسل كلما زادت إعلاناته وبالتالي إيراداته. والخلاصة من ذلك تصبح أنه على الفيلم تقديم عمل ليس موجودًا على الشاشة الصغيرة، وربما يمكن القول عنه بأنه عمل "ملحمي" ينتج لمرة واحدة فقط وبشكل حصري.

سحر السينما يكمن في الصورة، في عين المخرج وما تلتقطه وتحكيه تلك العين حتى بدون وجود الحوار، لذلك يتناسب هذا السحر طرديًا مع المال الإنتاجي غالبًا

لا بد من ذكر خاصية جوهرية يتمتع بها الفيلم وتتجلى في الإثارة التي تخلفها المشاهدة داخل صالة السينما والمتعة الناتجة عن ذلك. فالسينما تصور لنا ممثلين على شاشة كبيرة ويشعر الجمهور بأنه يعيش داخل الفيلم وبأن الديناصورات حقيقية وأنه يمشي فعلًا داخل الغابة الأن. وكذلك يزيد متعته بالتفاعل من الأصوات العالية كالمتفجرات وحوادث السيارات وإطلاق النار. حتى القبلات يختلف وقعها على الشاشة الكبيرة.

اقرأ/ي أيضًا: الرؤوس البشرية في الحرب.. بين الترميم والاستباحة

تعني الإثارة بدورها المزيد من الإنتاج، أي المال والوقت بأحد المعاني. أي أن الإثارة تعني قدرة المخرج على التحكم أكثر بما يريده من الفيلم بعكس ما يمكن أن يحصل مع مخرجي المسلسلات التلفزيونية حيث تكون الميزانيات أقل عادة. فوجود ميزانيات يعني لقطات أكثر من زوايا مختلفة، ويعني لقطات أجمل، ويعني لحظات أجمل، ويعني مونتاج أفضل، ووجود وقت أكبر لتصوير كل ما يدور في بال المخرج من مشاهد، ومما يعني أيضًا وجود مؤثرات خاصة أفضل في الفيلم، ومما يستتبع وجود ألوان وأزياء ومناظر أفضل وأجمل.

كما لا يمكن الاكتفاء بالحوار بين الممثلين لتكون السينما ساحرة، فسحر السينما يكمن في الصورة، في عين المخرج وما تلتقطه وتحكيه تلك العين حتى بدون وجود الحوار. فلقطة واحدة تحكي أفضل وأكثر من ألف سطر. البعض يقول بأنه يستمع إلى المسلسل أثناء الطهو على اعتبار أن الحوار هو ما يهم، وعلى اعتبار أن المضمون قد وصله من خلال الحوار. لكن هل هذه ستكون السينما حينها؟!

مدة العرض

المسلسلات التلفزيونية تكون طويلة في العادة، فيمتد المسلسل لحلقات ومواسم وأجزاء عديدة ويمكن أن تصل عدد حلقاته إلى عشرات أو مئات الحلقات. في حين أن الأفلام لها مدة محددة تتراوح بين ساعة ونصف الساعة إلى ثلاث ساعات كحد أقصى إلا في حالات نادرة. وهذا الفرق في مدة العرض يمكن أن يجعل من المسلسل أكثر عرضة لأن يكون ممللًا ويقع في فخ التكرار والمماطلة وإشعار الجمهور المشاهد ببطئ في العرض والأحداث.

الفرق في مدة العرض بين الفيلم والمسلسل يمكن أن يجعل من الأخير أكثر عرضة لأن يكون ممللًا ويقع في فخ التكرار والمماطلة وإشعار الجمهور المشاهد ببطئ في العرض والأحداث

تؤثر مدة العرض على الجودة بين المسلسل والفيلم. فبسبب الحاجة لبث حلقة جديدة من المسلسل يوميًا أو أسبوعيًا يؤدي ذلك إلى ضعف في جوانب كثيرة في المسلسل منها الإخراج الرديء والأداء التمثيلي الركيك. كذلك يتم في بعض الأحيان بسبب ضيق الوقت التسرع في عملية المونتاج والكتابة بناءًا على قدرة المسلسل على جذب الجماهير فأحيانًا تتم عملية إعداد الكتابة بشكل لاحق لعرض كل حلقة.

أما الوقت المطلوب لتصوير فيلم مدته ساعتين فقد يصل أحيانًا إلى عدد من الشهور أو سنة أو سنوات فيما يمكن تصوير حلقة مدتها ساعة واحدة في ثلاثة أيام. لذا فالفرق شاسع بين إنتاج الفيلم وبين إنتاج المسلسل وهذا ما يؤدي إلى فروق جوهرية في حجم التكلفة المادية التي يتطلبها كل من الفيلم والمسلسل.

القصة

العقدة في الفيلم يتم حلها بطريقة أسرع مما تحصل في المسلسل الذي يتطلب مشاهدة حلقات عديدة لفك العقدة. ويحتوي المسلسل عقد عدة أساسية وثانوية أكثر مما يحويه الفيلم حيث يتم التركيز فيه على حل العقدة الأساسية عبر التركيز عليها. كذلك فالقصة في المسلسل تحكى على مدى فترة زمنية طويلة بينما المفروض على الفيلم أن يحكي القصة في ساعتين أو ثلاث ساعات.

لا يعيش الجمهور مع بطل الفيلم تفاصيل حياته وشخصيته بدقة بينما يتم تقديم حياة بطل المسلسل بكامل تفاصيلها وتاريخها وعلاقاتها

التعبير عن قصة الفيلم يجب أن تلخص بسطر واحد بينما لا يمكن تلخيص قصة المسلسل بجملة واحدة. كذلك فالقصة في المسلسل ليست بالضرورة أن تكون عالمية ولكنها يمكن أن تقتصر على معالجة حالة خاصة لمجتمع محدد، بينما قصة الفيلم يمكن أن تكون أكثر شمولية في المعالجة وعابرة للثقافات.

يضاف إلى ذلك، الفرق الأساسي بين أبطال القصة في الفيلم وبين أبطال القصة في المسلسل التلفزيوني. فبطل الفيلم لا يعيش الجمهور معه تفاصيل حياته وشخصيته بدقة بينما يتم تقديم حياة بطل المسلسل بكامل تفاصيلها وتاريخها وعلاقاتها. فبسبب قصر مدة الفيلم يلجأ المخرج إلى تبيان صراع داخلي واحد أو صراعين على الأغلب لبطل الفيلم بينما في المسلسل التلفزيوني فالمخرج يمكنه تبيان عشرات الصراعات الداخلية النفسية عند ممثليه وليس فقط عند البطل.

فيما يرى البعض أن الفرق بين الفيلم والمسلسل يتمثل في الفرق بين الكمية والنوعية على اعتبار أن ما يهم منتجي المسلسل هو إطالة عمر حلقات عرض المسلسل مما يستدعي الإطالة في بنية القصة وحشوها بما لا يلزم أحيانًا. وهذه الإطالة من الصعب إيجاد ملاحظتها في الفيلم إذ أن القصة في الفيلم عادة ما تكون متماسكة من البداية إلى الوسط وحتى النهاية، بينما في المسلسل التلفزيوني تتشظى النهايات ولا تكون على قدر المتوقع.

الانغماسية

ينغمس مشاهدو المسلسل مع الأحداث والشخصيات والعلاقات المبنية بين الشخوص والحياة المطروحة في المسلسل لتصبح جزءًا من حياتهم. فالأثر الدرامي الذي يخلفه المسلسل على المشاهد كبير جدًا وسبب ذلك بسبب طول وقت مدة العرض وبسبب طبيعة التصوير والإخراج وعرض تفاصيل حياة الشخصيات مما يشعر المشاهد بالحميمية ويحس بأن المسلسل أصبح جزءًا من حياته.

بدأت الفروق تتقلص نوعًا ما مع بروز منصات المشاهدة المرقمنة التي بدأت بإنتاج مسلسلات مشابهة للأفلام من ناحية الإخراج والتمثيل والإنتاج

يمكن أن يحزن الجمهور لأن بطل المسلسل مريض بالسرطان ويتمنى له الشفاء في الحلقة المقبلة، أو يتعاطف مع الزوجة أو يكره أحد الشخصيات وبالتالي تأخذ هذه الشخصيات حيز من تفكيرنا وربما حتى من أمنياتنا وأحلامنا مما يزيد من التعلق بيننا وبين المسلسل. لا يعني هذا غياب الأثر الحميمي بين المشاهد وبين الفيلم لكنه ليس في ذات المستوى.

بالرغم من كل ذلك فإن هذه الفروقات بدأت تتقلص نوعًا ما مع بروز منصات المشاهدة المرقمنة التي بدأت بإنتاج مسلسلات مشابهة بالأفلام لناحية الإخراج والتمثيل والإنتاج بسبب اعتماد هذه المنصات على أموال المشتركين مباشرة دون وجود أي وسيط بين المنتج والمشاهد (صالة السينما أو قناة التلفزيون) مما سمح بتأمين مصادر مالية لإنتاجات ضخمة وباشتراطات جديدة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

أوركسترا أورنينا.. سؤال الحرية بقالب فيلهارموني

حسّان بورقيّة.. مبدع الأساطير الذي تمتزج خطاه بالظلال