31-مايو-2020

الترا صوت - فريق التحرير

قدّمت "أوركسترا أورنينا" بداية تأسيسها سنة 2016 مجموعة من الأغاني الشعبية المُنتقاة بعناية من تراث مُدن ومناطق سورية مُختلفة، بحيث تكون انعكاسًا لهويّتها وثقافتها وتراثها وكذا خصوصيتها، كخطوة أولى ضمن مشروعها الذي تسعى من خلاله إلى تشكيل صورة موسيقية واسعة من شأنها أن تكون مرآةً لفسيفساء المجتمع السوريّ، وهو ما جسّدته الفرقة بإطلاقها لعملها الموسيقيّ الذي جاء تحت عنوان "المتتالية الشعبية السورية".

تقدم أوركسترا أورنينا قوالبًا موسيقية محايثة للواقع الاجتماعي والسياسي سوريًا وعربيًا بما فيه من تطلعات إلى حرية الشعوب والتأسيس الديمقراطي لمستقبلها

المُتتالية بما هي قالب موسيقيّ أوركستراليّ، ظلّت حاضرةً في تجربة الأوركسترا التي أسّسها قبل أربعة سنوات الموسيقيّ السوريّ شفيع بدر الدين رفقة مجموعة كبيرة من المغنيين والموسيقيين السوريين في بلاد اللجوء، كلبانة القنطار وشادي عليّ ورشا رزق وعليّ أسعد؛ إذ قدّمت بعد المتتالية السوريّة مُتتالية أخرى حملت عنوان "متتالية الربيع العربيّ"، جمعت فيه إيقاعات لألحان مُختلفة من الدول العربية التي انتفضت شعوبها ضدّ أنظمتها، وأعادت فيما بعد توزيعها ضمن قالب أوركستراليّ انطلاقًا من فكرة خسارة الرهان على عزل تجارب الشعوب، وتشتيت الحروب لجموعها.

اقرأ/ي أيضًا:  أوركسترا براغ.. موسيقى المَهجر

بين مُتتاليتين، ولدت "أورنينا" كفرقة موسيقية مُحترفة تُقدّم الموسيقى الكلاسيكية والتقليدية العربية عمومًا والسورية خصوصًا، ولكن برؤية حديثة، كما سبق وأن عرّفها مؤسّسها شفيع بدر الدين، بينما تُعرّفها مُديرتها شادية أبو حمدان لـ "ألترا صوت" بالقول إنّها: "فرقة موسيقية مُحترفة تشتغل على المزج الإبداعيّ بين شخصية الموسيقى الشرقية التقليدية، والعلوم الموسيقية الحديثة".

 وتُضيف أبو حمدان: "ما تسعى إليه الأوركسترا هو تقديم موسيقانا الشرقية بطريقة رفيعة المستوى ومُختلفة وبقراءة مميّزة للتراث الشرقيّ دون المساس بهويته. بمعنى أبسط، ما يشغلنا هو هذا التحدّي القائم بين التراث الشرقيّ والصياغة الموسيقية الخاصّة بـ (أورنينا) لهذا التراث".

التحدّي الذي تحدّثت عنه أبو حمدان وما تمخّض عنه أيضًا تمكّن من جذب الجمهور في مناسبات مُختلفة منها حفل برلين "صوت من سورية"، الأمر الذي دفع لسؤالها عمّا إذا كانت الأوركسترا الوجه الموسيقي لسوريا في بلاد اللجوء، وهو ما نفتهُ مؤكّدةً أنّها، أورنينا، تتشارك مع الكثير من الفرق والنشاطات السورية المُتميزة تحقيق هذا الأمر، أي تقديم الوجه الموسيقيّ لسوريا من خلال مجموعة أعمال كثيرة ومتنوّعة سمتها الأبرز طريقة توزيعها الفنّي المُدهشة، والتي وبحسب ضيفتنا، لم يحدث أن قُدِّمت قبلًا.

شادية أبو حمدان: نسعى في اوركسترا أورنينا إلى تقديم موسيقانا الشرقية بطريقة رفيعة المستوى ومُختلفة وبقراءة مميّزة للتراث الشرقيّ دون المساس بهويته

وترى أبو حمدان بصفتها مديرة للفرقة ومُتابعة لشؤونها أنّ ما يُميّز "أوركسترا أورنينا" هو التنويع في خطّها الموسيقيّ الذي تسلكهُ، والذي لا يأتي من باب التنويع نفسه، وإنّما من الشكل الفريد للتأليف والإضافات والتناغمات التي يقدّمها المؤلّف شفيع بدر الدين بحيث لا تكون متوجّهة لجمهور دون آخر. هكذا، تؤكّد ضيفتنا أنّ الأوركسترا لا تلتزم بلون مُعيّن دون غيره، مُعتبرةً أنّ الفنّ: "بحر واسع لمن يريد أن يغرف من ماءه شرط أن يكون مُلتزمًا بالرقيّ في كلّ ما سيقدّمه، وكذا المُحافظة عليه للحفاظ على تمايز الفرقة".

اقرأ/ي أيضًا: إلهة الجمال: أول أوركسترا نسائية في أفغانستان

كيف يستقبل الجمهور الغربيّ هذا النمط من الموسيقى؟ تُجيب أبو حمدان: "هذا السؤال هو ما كان يشغلنا دائمًا، وقبل كلّ حفل موسيقيّ في المدن الأوروبّية: كيف سيستقبل الجمهور موسيقانا الشرقية غير المألوفة بالنسبة له؟ الإجابة كانت في تفاعل الجمهور نفسه، وبردود الفعل التي كانت تؤكّد لنا بعد كلّ حفل أنّ ما نقدّمه هو موسيقى عالمية، تصل إلى المتلقّي بسلاسة. وهذا يعود برأيي إلى كيفية المعالجة الموسيقية للمادّة التراثية الذي ينقلها من حيّزها الخاص إلى فضاء عام يستطيع اختراق حواجز الفروقات الثقافية والصوتية والمعرفية".

في تصريحات كثيرة، كان مؤسّس "أورنينا" شفيع بدر الدين يؤكّد على فكرة أنّ الفنون بطبيعتها مواجهة للاستبداد، وأنّ بعض أعمالها كانت موجّهة لأولئك الذين خرجوا يطلبون التغيير عربيًا، الأمر الذي يُوجدُ سؤال: هل ترتبط "أورنينا بخطّ سياسيّ مُعيّن؟ تقول شادية أبو حمدان: "الأستاذ شفيع نوّه في الكثير من اللقاءات الصحفية على الوقوف إلى جانب الشعب والانحياز لمطالبه وحقوقه أيضًا، ولكنّ المهمّة الرئيسية للأوركسترا هي تقديمها للموسيقى. ومن بين ما يُميّزها تنوّع أعضائها، إن كان دينيًا أو اثنيًا أو حتّى التنوّع في الآراء السياسية".

وتُضيف: "من المُمكن اعتبار الأوركسترا مجتمعًا مُصغّرًا للفسيفساء السورية. أمّا بشأن الأعمال المقصودة في السؤال أعلاه، فهي متتالية الربيع العربيّ التي تُشير وتؤكّد وبكلّ فخر إلى الوقوف إلى جانب من خرجوا يُطالبون بالتغيير السلميّ. خُلاصة القول ليس من بين أعضاء الأوركسترا من يؤيّد الظلم والاستبداد، ونحسب أنّ هذه ميّزة الفنّان الصادق في فنّه".

ترى أبو حمدان في "أوركسترا أورنينا" مشروعًا موسيقيًا ضخمًا ومهمًّا يسير بخطىً واثقة وثابتة نحو تحقيق أهدافه لا سيما وأنّ الفرقة حقّقت انتشارًا لا يُستهان به، ولا تزال طامحةً للمزيد. أمّا عن مشاريعها المستقبلية تقول شادية أبو حمدان إنّ الفرقة تركّز على المشاركة في المهرجانات الأوروبية والعالمية، التي: "توقفت حاليًا بسبب جائحة كورونا، ولكنّ شغفنا بالموسيقى كان حافزًا قويًّا للاستمرار في العمل على الرغم من المعوقات الحالية وهكذا جاء عملنا الأوّل في فترة الحجر الصحّي تحت عنوان "خليك في البيت" بمشاركة بعض أعضاء الأوركسترا، وتبعه عملًا آخر بعنوان "يا مال الشام".

 

اقرأ/ي أيضًا: 

فرج سليمان.. تطويع البيانو لحكاية المدينة

فيلم "De Dirigent".. المرأة سيمفونية الطموح