02-مايو-2023
Getty

انطلقت مظاهرات في فرنسا رافضةً للقانون (Getty)

في ظل أزمة سياسية واجتماعية مستمرة بسبب قانون تعديل نظام التقاعد الذي أقرته الحكومة الفرنسية، تتجه الأنظار نحو مشروع قانون جديد قدمه وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان، وتسعى الحكومة الفرنسية لإقراره، مرتبط في قضية الهجرة.

يشهد طرح مشروع قانون الهجرة الجديد نقاشات حادة وانقسام بين القوى السياسية

وعلى غرار قانون إصلاح نظام التقاعد، يشهد طرح مشروع قانون الهجرة الجديد نقاشات حادة وانقسام بين القوى السياسية، إذ تتهم قوى اليمين المتطرف حكومة إليزابيث بورن بتقديم تسهيلات كبرى للمهاجرين. في حين تتهم قوى اليسار الحكومة بتضييق الخناق على المهاجرين، وعدم الجدية في حل مشاكلهم.  

وفي هذا الاطار، تظاهر آلاف من الفرنسيين بينهم الكثير من اللاجئين في باريس وعدد من المدن الفرنسية، احتجاجًا على التغييرات المرتقبة في قانون الهجرة الفرنسي، وعمليات طرد المهاجرين من جزيرة مايوت. 

Getty

وأطلقت المظاهرات عدة شعارات مثل، "لا لقانون دارمانان"، و"ضد القمع والسجن والترحيل"، و"تسقط دولة البوليس". وتجمع الحشد الأكبر في باريس أمام كنيسة سانت برنارد التي تعتبر إحدى رموز نضال المهاجرين، حيث احتمى بداخلها مئات المهاجرين الأفارقة لعدة أسابيع في عام 1996. 

وفي مدينة رين طالبت الاحتجاجات باستقالة وزير الداخلية جيرالد دارمانان. وفي مرسيليا تظاهر نحو 300 شخص، مع الإشارة إلى الربط بين قانون دارمانان وعملية "وامبوشو" في جزيرة مايوت.

ماهي عملية "وامبوشو"؟

تقع جزيرة مايوت في المحيط الهندي، وهي جزء من أرخبيل جزر القمر، وتخضع  للسيادة الفرنسية منذ احتلالها في عام 1841، وتقطنها غالبية مسلمة، ويعيش 80% من سكانها تحت خط الفقر.  

وقامت السلطات الفرنسية نهاية الشهر الماضي بشن حملة ترحيل في الجزيرة ضد المهاجرين، واستهدفت الحملة المهاجرين القاطنين بأحياء عشوائية، وينحدر غالبيتهم من جزر القمر. 

ورافق العملية حملة قمع شديدة، باستخدام الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي والحي، وأطلق على العملية اسم "وامبوشو"، وتعني "الاسترداد" بلغة الموهوري المحلية. 

Getty

هذا وكان القضاء الفرنسي حكم بـ"لا قانونية" عمليات الترحيل، فيما هاجمتها الجمعيات المدافعة عن المهاجرين وقوى اليسار، كما انتقدتها الصحافة الفرنسية.

وربط في فرنسا بين عملية "وامبوشو" ومشروع قانون الهجرة الجديد، إذ أن عمليات الترحيل السمة  المشتركة بينهما.

وفي هذا الإطار، عملت الحكومة الفرنسية على إظهار مشروع قانون الهجرة واللجوء الحالي، بأنه جاء لتنظيم عمليات الهجرة، و"تسوية أوضاع المقيمين بشكل غير قانوني"، حيث اعتبر أحد أهم مشاريع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال فترة رئاسته الثانية.

Getty

وكان الرئيس الفرنسي قد كشف عن معالم هذا القانون العام الماضي خلال كلمة له أمام رؤساء مراكز المدن، حين قال إن "القانون الجديد سيتسم بمعاملة إنسانية أكثر تجاه الأجانب القادمين، وسيكون مختلفًا عن القانون الحالي الذي يتصف بشيء من العبثية"، وذكر ماكرون بأن "القانون الجديد المتعلق بالهجرة واللجوء سيركز على تسريع الإجراءات القانونية والإدارية، فضلًا على وضعه إدماج الأجانب في المجتمع الفرنسي في سلم أولوياته"، وفق قوله.

وبعد تأجيله لعدة مرات، صادقت الحكومة الفرنسية على مشروع القانون خلال اجتماعها في 1 شباط/فبراير الماضي، قبل عرضه على مجلسي النواب والشيوخ. وتزامن القرار مع أزمة فرنسا المرتبطة في قانون تعديل نظام التقاعد، مما دفع الحكومة الفرنسية إلى تأجيل عرض مشروع قانون الهجرة على البرلمان إلى الخريف المقبل. وقالت رئيسة الحكومة  إليزابيث بورن إن "مسودة قانون الهجرة الجديد ستعرض على البرلمان في الخريف المقبل".

ما هو مضمون مشروع القانون الجديد المتعلق بالهجرة؟ 

يسعى مشروع قانون الهجرة الجديد للسيطرة على أعداد المهاجرين وتنظيم أوضاع "المقيمين بشكل غير قانوني"، ورفع نسبة عمليات الترحيل من الأراضي الفرنسية.

وطرح وزير الداخلية جيرالد دارمانان، ووزير العمل أوليفييه دوسو، نصًا مقسمًا إلى شقين: الأول يتعلق بتسهيل عمليات الترحيل خصوصًا فيما يتعلق بمن يطلق عليهم "الأجانب المنحرفين"، ويقصد بهم أصحاب سجل قضائي بسوابق عدلية. 

Getty

ويعزز القانون من سلطات المحافظات فيما يتعلق بإصدار أوامر الترحيل من الأراضي الفرنسية، لمن رفضت طلبات لجوئهم من قبل المكتب الفرنسي لحماية اللاجئين وعديمي الجنسية "OFPRA". ويسهل هذا البند عمليات الترحيل بمجرد تأكيد المحكمة الوطنية للجوء عدم أهلية الأشخاص المعنيين للحصول على اللجوء. وبخصوص عمل المحكمة الوطنية للجوء، يطرح مشروع القانون أن يقوم قيام قاضٍ واحد بالنظر في طلبات اللجوء، عكس القانون الحالي الذي يلزم حضور ثلاثة قضاة.

كما يمنح مشروع القانون الجديد السلطات حق رفض أو سحب أو عدم تجديد تصاريح الإقامة "لمن يثبت عدم امتثالهم لقيم الجمهورية، بما يشمل المساواة بين الجنسين وحرية التوجه الجنسي".

فضلًا عن ذلك، يسمح مشروع القانون لقوى إنفاذ القانون باستخدام "الإكراه" للحصول على "بصمات أصابع المهاجرين ’المقيمين بشكل غير قانوني’، وأخذ صور فوتوغرافية لهم".

Getty

أما الشق الثاني من القانون، فهو متعلق بإدماج "المقيمين بطريقة غير شرعية" من خلال منح بطاقات إقامة للعاملين منهم في القطاعات التي تعاني نقصًا في اليد العاملة على غرار أعوان النظافة والحراسة والمطاعم والبناء.

بالإضافة لذلك يقدم مشروع القانون تسهيلات كبيرة لإجراءات الإقامة، للكفاءات المهنية في المجال الطبي والصيدلة، حيث يعاني القطاع الصحي الفرنسي من نقص شديد في الكوادر الطبية.

وسيسمح مشروع القانون الجديد لطالبي اللجوء بالعمل مباشرة بعد تقديم طلبهم، شرط أن يكونوا حاملين لجنسيات محددة مذكورة على قائمة يتم تحديثها سنويًا، لكن من دون الكشف على الجنسيات المشمولة بهذا البند. يشار إلى أن قانون الهجرة الحالي، لا يسمح لطالبي اللجوء بالعمل خلال الأشهر الستة الأولى من تاريخ تقديم طلباتهم، أو بعد النظر في طلبهم أو قبول طعونهم، وفي بعض الحالات يستغرق الأمر أعوام.

ووفقًا لمشروع القانون الجديد، يشترط على طالب الإقامة اتقان الحد الأدنى من اللغة الفرنسية لإصدار أول تصريح إقامة. ويسعى القانون لإشراك المؤسسات والشركات بشكل مباشر، من خلال مطالبتها باحتساب أوقات دراسة اللغة للعمال الأجانب على أنها من ضمن دوام العمل، وهذا يعني أن تدفع لهم مرتباتهم الشهرية كاملة دون اقتطاع ساعات تعلم اللغة. علمًا أن القانون الحالي، تقتصر شروطه على المشاركة في التدريب اللغوي للحصول على تصريح الإقامة.

كما يقترح مشروع القانون، تشديد الرقابة على المؤسسات والشركات ومراقبة نسب توظيفها لأشخاص لا يملكون إقامات قانونية على الأراضي الفرنسية. ويمكن أن تتعرض المؤسسات والشركات المخالفة لغرامة قد تصل إلى 4 آلاف يورو، عن كل حالة مخالفة يتم رصدها، وتتضاعف قيمة المخالفة في حال تكرارها.

 

Getty

معارضة القانون

وتعرض مشروع قانون الهجرة الجديد لانتقادات واسعة من قبل هيئات وجهات معنية بقضايا اللجوء والهجرة في فرنسا، والجهات الحقوقية التي تعمل على ملفات الهجرة، بالإضافة للنقابات وقوى اليسار، التي اعتبرت أنه سيساهم بشكل كبير في زيادة عمليات الترحيل وإضفاء الجانب القانوني عليها.

تعرض مشروع قانون الهجرة الجديد لانتقادات واسعة من قبل هيئات وجهات معنية بقضايا اللجوء والهجرة في فرنسا

كما وُصفت التسهيلات المقدمة للكفاءات الطبية القادمة من الدول المغاربية والأفريقية الناطقة بالفرنسية للحصول على بطاقة الإقامة والعمل في المستشفيات الفرنسية بعمليات "نهب" تطال الكادر الطبي في تلك الدول.

وستساهم تلك التسهيلات في عمليات هجرة جماعية لأطباء وممرضي وصيادلة تلك الدول، مما سيخلق أزمةً بالقطاع الصحي في الدول العربية شمال أفريقيا والأفريقية.