05-أغسطس-2016

مارلين مونرو

يصادف الخامس من شهر آب/أغسطس ذكرى وفاة الممثلة والأيقونة الأمريكية الشهيرة مارلين مونرو. (1926- 1962). امتازت مونرو ببساطة تذهل الجميع، حتّى كانت أكثر شخصٍ صُوّر في القرن العشرين، وما تزال صورتها الشابّة مطبوعة في أذهان النّاس، فهي دومًا في ذاكرتنا تلك الفتاة اليافعة التي لم يذو جمالها، ولم تترك للزمان فرصة العبث فيه. 

صورة مارلين مونرو في ذاكرتنا هي تلك الفتاة اليافعة التي لم يذو جمالها، ولم تترك للزمان فرصة العبث فيه

حين قرأت رواية ابنة الحظ لسيدة تشيلي البهيّة إيزابيل الليندي، ورد سطر فيها يقول: "طوبى لأولئك اللواتي يختفين قبل أن يعيث بهنّ التقدّم في السنّ خرابًا"، ولم يخطر في البال حين مررت على هذا الجملة سوى مونرو التي اختفت قبل أن يختفي جمالها. 

ولدت مونرو مطلع حزيران عام 1926 في لوس أنجلوس، وكان اسمها عند الولادة نورما جين مورتنسن، ومارلين مونرو هو اسمها الفنّي. كانت والدتها تعاني من مشاكل عقليّة فعاشت البنت الصغيرة معظم حياتها في نزل الرعاية ودور الأيتام. وبدأت حياتها العمليّة في عروض الترفيه في الفنادق الراقية إلى أن اكتشفها مصوّر شهير يدعى ديفيد كونوفر عام 1944. وقد كان صبغ شعرها عام 1946 باللون الأصفر نقطة تحوّل في حياة هذه البنت المثيرة فتلقفتها هوليوود ودخلت من أوسع أبواب السينما الأمريكية في ذلك الحين. 

لا شكّ أنّ شاشات السينما في الخمسينات كانت تتسع لغير مونرو، بل ولمن هم أفضل منها أداءً، بل وربما أكثر جمالًا ، وعلى أقل تقدير أقلّ منها إثارة للجدل والشائعات من أمثال إليزابيث تيلور أو ديبي رينولدز أو جين راسل، ولكن يمكن بسهولة أن أفترض أنّك ذهبت الآن لتبحث عنهنّ أو عن إحداهنّ في ويكيبيديا، لتتذكّر الوجه إن كنت تذكر الاسم. 

ولعل السرّ هو تلك "الطوبى" التي تحدثت عنها إيزابيل الليندي (تذكّر عزيزي القارئ أنّ طوبى هي اختيار صالح علماني في ترجمته البديعة، والله أعلم ما الذي وعدت به الليندي بالأصل الإسبانيّ). تلك الطوبى التي من نصيب المرأة التي لا تتيح للزمان النيل من جمالها، فتموت بصورة واحدة مشرقة لم تتغيّر، فلا يذكر الناس سوى ألقها وضحكاتها وشعرها الأصفر وشفتيها المكتزتين وعينيها الناعستين وبسمتها الساحرة وملابسها الفاتنة وصورها شبه العارية التي انتشرت في محطات الوقود في كل أرجاء أمريكا في الخمسينات. إنها صورة الكمال التي لا يحبّ لها الجمهور أن تذبل، لأنّه إن حصل وذبلت فسيذبل معها الإعجاب وتنطفئ معها تلك الهالة التي تفرض نفسها وهي متوهّجة. 

موت مارلين مونرو يذكّر بالجانب المظلم من تلك الحياة المليئة بالألق والسعادة أمام الشاشة الكبيرة

لقد توفيت مونرو في ظروف غامضة. ففي صبيحة الخامس من آب 1962 وجدت ميتّة في شقتها في لوس أنجلوس وهي لم تتجاوز السادسة والثلاثين، إذ كانت ملقاة عارية على سريرها وإلى جانبها عبوة دواء منوّم، مما دفع المحققين إلى افتراض حالة انتحار الأسطورة الشابة. إن هذا الموت يذكّر بالجانب المظلم من تلك الحياة المليئة بالألق والسعادة أمام الشاشة الكبيرة. إنّها الحكاية التي ننساها عن الإفراط والإدمان ومأزق انتظار السعادة والرضا مع كل زجاجة شمبانيا أو نزوة جنس عابرة. 

اقرأ/ي أيضًا: المرأة في السينما.. نمذجة وتنميط

كانت مونرو الجميلة تعاني من الإدمان والمشاكل النفسية المزمنة، ولعل هذا ما يدفع العديدين للتعامل معها كضحيّة مأساة حديثة؛ فهي تلك الفتاة التي ولدت لأم مريضة ونشأت بين دور الرعاية وكبرت وهي تجد نفسها لقمة سائغة لاستغلال الرجال الذين كانت تبحث دومًا عن شيء من عاطفة حقيقية لديهم ولكنّها لم تجد إلا المزيد من الوحدة التي ساقتها إلى موت غامض وكئيب. 

إلا أنّ أوراق مونرو الشخصية ومذكراتها التي نشرت عام 2010 قد كشفت عن جانب آخر أكثر هدوءًا وشاعريّة وصدقًا في حياتها، خاصّة في قصائدها التي وجدت مكتوبة بخط يدها وبعض الرسائل والمذكرات. وقد نشرت هذه المواد المتفرقة في كتاب بعنوان "شذرات من حياة مارلين مونرو: قصائد، ملاحظات، ورسائل". 

لقد كانت مونرو مهتمّة بشغف بالكتابة وألفَت فيها شفاءً مما هي فيه من قلق وتوتّر، فتقول في إحدى الملاحظات: "كل هذه الأفكار والكتابة قد جعلت يداي ترتجفان، ولكنّي أريد أن أمضي في الكتابة والبوح حتى أشعر أنّ هذا الوعاء قد ارتاح قليلًا وإن كان لا ينفد". وتقول في ملاحظة ثانية: "أحيانًا لا أستطيع تحمّل البشر. أعرف أنّ لكل مشاكله وعيوبه، كما هي حالي أنا، ولكنّي متعبة جدًا ولا أطيق احتمال ذلك. حين أحاول أن أفهم الآخرين، وأقدّم التنازلات، وأرى بعض الأمور من زاوية أخرى، كل هذا يتعبني".

مارلين مونرو: أظنّ أحيانًا أنني لست سوى إنتاج سينمائي أتقن الآخرون صنعه

هذه الكتابات المتفرقة لشخصية شهيرة مثل مونرو تفيدنا في تلمّس صوتها الحقيقيّ، بدون وساطات ولا مكياج، كيف لا وقد خطّتها بيدها وعكست وعيها وضميرها. إن قراءة مونرو تضيف إلى الصورة الثابتة الجميلة شبه المؤلّهة لها باعتبار ثباتها وجمالها الخالد شيئًا من الإنسانية والبعد الشخصيّ في تعاطينا مع هذه الأيقونة الثقافيّة التي شغلت العالم طوال القرن العشرين، ويجعلنا أكثر مقدرة على الاقتراب منها كإنسانة ذات مشاعر ورغبات وآراء كبقيّة البشر. 

ربما يحتاج المعجبون بمارلين مونرو في العالم العربي أن ينتظروا قليلًا- أو كثيرًا- حتّى تصدر ترجمة عربيّة لهذا الكتاب الذي ذكرناه، ولكن حتّى ذلك الحين سنعود قليلًا لمشاهدة "كيف تتزوجين مليونيرًا"، أو "هرشة السنة السابعة"، أو "الألماس صديق الفتاة الوفي". ولكن ربما هذه المرّة سنشاهدها كما تحبّ حين نذكر ما قالته قبل عامين من موتها: "لدي إحساس عميق بأنني لست حقيقة، وأنني زيف مصطنع بمهارة. قد يشعر أي إنسان بهذا لإحساس من فترة لأخرى، ولكنّي أعيش هذا الإحساس طوال الوقت، بل أظنّ أحيانًا أنني لست سوى إنتاج سينمائي أتقن الآخرون صنعه".