10-يوليو-2019

برنارد بوتون/ فرنسا

استوقفني كتابٌ للأطفال قبل أسبوعين في معرضٍ للكتبِ في الجامعة، يحمل الكتابُ غلافًا أنيقًا وعنوانًا شيّقًا للكبارِ قبل الصّغار، ماذا يُمكن أن تفعل بفكرةٍ؟ قرأتهُ على مهل، واستوقفتني الكثير من العبارات فيه، التّي جعلني أفكّر الآن أثناء الكتابة، ماذا يمكن أن أفعل بفكرةٍ؟

تنتابنا الأفكار كبشرٍ في كلّ يوم، في كلّ دقيقةٍ على الأرجح، يظلّ البعض منها عالقًا في ذاكرتنا

تنتابنا الأفكار كبشرٍ في كلّ يوم، في كلّ دقيقةٍ على الأرجح، يظلّ البعض منها عالقًا في ذاكرتنا، يفلح البعض في تدوينها، ينجح آخرون في تحويلها إلى رسمة، وآخرون قد يصنعون منها تمثالًا مميّزًا، قد تكون الفكرة على شكل ومضة، قد تكون حلًا لمشكلة، قد تكون كلمة تحمل الكثير من المعاني، وقد تكون حلمًا جميلًا يراودنا أثناء النوم، وثمّة احتمالٌ أن تكون صديقًا وفيًا، أو ذكرى لطيفة، في ظلّ هذه الاحتمالات الكثيرة، تصيرُ الفكرة شيئًا أساسيًا في حياتنا.

اقرأ/ي أيضًا: أدب الأطفال.. الأسئلة والسياق

لا أعرف حقيقةً ماذا يمكن لي أن أصنع بفكرة، لكن من الممكن أن تتحوّل الفكرة إلى نصٍّ أدبيّ، مقالٍ صحافيّ أو جلسةٍ في البلدة القديمة في حيفا، أو حتى قفزة عن سور عكّا، أو جولة مع أولاد أخوالي إلى النّهر في الجولان، أو إلى اقتناء المزيد من الكتب من مكتبة تنمية، أو قراءة المقالات الجديدة في موقع تكوين الأدبيّ! يمكن أن تصير الفكرة عالمًا جميلًا يسيطر علينا، يدفعنا نحو تحقيق الأفضل، تحفّزنا لنقوم بما نرغب به، تشحننا بالطّاقات في كلّ حين، تجبرنا على الاستمرار.

يقول بطل الكتاب أنّه صار هو وفكرتهُ صديقين، يواجهان النّاس سويًا، يستمتعان باللّعب، كانت غريبة تمامًا عن عالمه ومجتمعه، وقد سمع الكثير من الأقاويل حول غرابة هذه الفكرة وأن بقاءه معها مضيعةٌ للوقتِ والجهدِ والنّفس، وأنه في لحظاتٍ معيّنة يكاد أن يستسلم ويترك فكرته.. لكن في لحظةٍ غير متوقعه، تشبث بها، ووضعها على ظهره، وقرّر أن يكون حرًّا مُدافعًا عن أفكاره واعتقاداته، ولن يسمح للآخرين بالتّدخل في فكرته، حتى لو بدت غريبة.

هذا الأمر لا ينطبق على بطل القصّة هذه، بل ينطبق علينا جميعًا، كتابٌ بسيطٌ للأطفال تمكّن من مُحاكاة العالم، فنحنُ نستطيع صناعة الفرقِ بأفكارنا، نتجدد ونتطّور، نُربي أطفالنا ونتعلّم منهم، نمنح العالم المزيد من الأفكار الجديدة والغريبة والممتعة، نكون جزءًا من تطورٍ غير مفهومٍ ضمنًا، نحنُ من خلال فكرة، نستطيع أن نغيّر العالم.

إن هذا الكتاب محفّزٌ للعطاء، لمنح المحبّة والاعتناء بالآخرين، لإحياء الإنسانيّة فينا، لغرس بذور الخير في قلوب الأبناء، أبناء الحياة. إنّه كتابٌ يعرف كيف يخاطب القلب، يربت على رأسه ويمسّد شعره، يحتويه في لحظات يأسه وضعفه، يعطي القدرة للمرء ليكون صامدًا، ليقف بعد السّقوط.

يمكن أن تصير الفكرة عالمًا جميلًا يسيطر علينا، يدفعنا نحو تحقيق الأفضل، تحفّزنا لنقوم بما نرغب به

إنّه كتابٌ يُحاكي الخوف، الخوف من الفشل، من النّاس، من الغرابة، الوحدة والعزلة، إنّه كتابٌ يعرف كيف يحوّل الخوف لطموحٍ عظيم.

اقرأ/ي أيضًا: "طفولة حزيران".. مطاردة سوسيولوجية للهزيمة في أدب الطفل العربي

إنّه كتابٌ يحاكي أصحاب القامات العالية كقامات النّخل، يُحاكي العقل، يعرف كيف يسبر الأغوار المغلقة، كيف يدلّك على طرق تفكيرٍ جديدة، حديثة، لطيفة، مُغايرة!

 

اقرأ/ي أيضًا:

في مكتبة بورخيس

جلوريا فورينتس.. 99 عامًا من الطفولة

دلالات: