15-سبتمبر-2018

جدارية لـ"لورينزو فيلا"

إن المداخلات السوسيولوجية حول أدب الطفل، هي مداخلات في صلب العمليات الاجتماعية؛ لأنها ترصد عمليات الانبناء الاجتماعي للطفولة في حقل تتقاطعه رهانات مختلفة. وتلك هي ميزة المداخلة السوسيولوجية حول الأدب عمومًا، عن باقي المداخلات المعرفية الأخرى، على غرار المداخلات الأدبية، التي قد يتركّز اهتمامها على النواحي الجمالية والأدبية في نصوص أدب الطفل.

يُعد كتاب "طفولة حزيران"  لإسماعيل ناشف، نموذجًا لمداخلةٍ سوسيولوجية، تحاول أن تستكشف عمليات العبور والتشكل الاجتماعي للطفل من خلال الأدب

يُعد كتاب "طفولة حزيران.. دار الفتى العربي وأدب المأساة" لإسماعيل ناشف، نموذجًا لمداخلةٍ سوسيولوجية، تحاول أن تستكشف عمليات العبور والتشكل الاجتماعي للطفل، من حالة الطبيعة إلى الحالة الاجتماعية، عبر شكل معين من الأدب، هو أدب المأساة، الذي أعقب نكسة حزيران 1967، بخصوصيتها التاريخية في الوعي القومي العربي.

 فما بعد حزيران أدبيًا، كان مختلفًا بالمرة عما قبله. إذ أنتجت نكسة حزيران وعيًا ارتداديًا مأساويًا وجد صداه في مختلف قطاعات الأدب، وعلى وجه الخصوص قطاع أدب الطفل، الذي شكّل رهانًا حقيقيًا للإنتاج الأدبي لتلك الفترة، وذلك من أجل إنتاج وعي مخصوص للطفل العربي، بشأن هويته وتمثّله لحالته وللحالة العربية، دون مراعاة خصوصية الطفولة لديه.

اقرأ/ي أيضًا: دحو فرّوج: لنحرّرْ مسرح الطفل من سذاجتنا

مما قاد إلى نقل معاناة الآباء ونكساتهم لجيل الأبناء، في شكل مصادرة لحق الطفل في تشكّل طفولته بشكل مختلف عن الآباء؛ تلك كانت الإشكالية الرئيسية التي عانى منها أدب الطفل العربي. ويحاول هذا المقال تلمّس بعض جوانبها من خلال كتاب "طفولة حزيران" الصادر مؤخرًا سنة 2016. حيث ينصب جهد الكتاب على رصد إشكالات أدب الطفل العربي، عبر دراسة حالة محددة، هي مدونة دار الفتى العربي.

يقوم الأدب، كظاهرة تعبيرية اجتماعية، بمهمة التعبير عن جماعية المجتمع. ومن هنا تأتي مشاركته في عملية الصياغة والبناء الاجتماعي

إن الأدب، كظاهرة تعبيرية اجتماعية، يقوم بمهمة التعبير عن جماعية المجتمع. ومن هنا تأتي مشاركته في عملية الصياغة والبناء الاجتماعي. وأدب الطفل بهذا المعنى هو بمثابة خطابٍ حاملٍ لتصوراتِ بُنى ومجموعات اجتماعية، من شأنها أن تصوغ شعور ووجدان ووعي الطفل، بما يسمح بانخراطه في هذه الجماعية الاجتماعية، بمحدداتها المختلفة، التي تتقاطع فيها المأساة مع غيرها من مظاهر محددات واقع الجماعة الاجتماعية. ومن الواضح من خلال تعدد عمليات الانبناء الاجتماعي للطفل – إنْ عبر التنشئة الأسرية أو المدرسية أو عبر الأدب كما في هذه الحالة – أن وجود الانسان في العالم هو وجود بحالته الاجتماعية فقط. ولذلك تتضافر جهود كل مؤسسات التنشئة لتُعدّ الطفل إلى العبور والانتقال من وضع الطبيعة إلى وضع الحالة الاجتماعية. كشرط لوجوده في المجتمع وانتمائه إليه.

[[{"fid":"102793","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":"كتاب طفولة حزيران","field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"2":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":"كتاب طفولة حزيران","field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"alt":"كتاب طفولة حزيران","height":500,"width":300,"class":"media-element file-default","data-delta":"2"}}]]

وأدب الطفل العربي – كما يتم تناوله في نص طفولة حزيران – هو مداخلة اجتماعية للعبور بالطفل العربي إلى شكل معين من الوعي الاجتماعي للواقع. لكن إشكال هذه المداخلة الأدبية يتمثل في انعكاسية الأزمة في هذا الخطاب الأدبي وشكل استردادها، وطريقة طرحها، التي تكون أحيانًا مكثفة وفي أحايين أخرى كثيرة متشنجة.

اقرأ/ي أيضًا: قاسم سعودي.. تعال نكتب في بغداد

 كما أن عملية إزاحة بنية الأزمة إلى حقل أدب الطفل العربي، هو أمر يطرح في حد ذاته إشكالًا أساسيا، ألا وهو نقل تناقضات أزمة الكبار وخيباتها إلى الأطفال، الذين يمثلون عنصرًا هشًا وضعيفًا في هرم القوى الاجتماعي. وفي مستوى إشكالي آخر فإن الخطاب الأخلاقي التربوي هو الغالب على خطاب أدب الطفل العربي، الذي ظل مجال صراع بين قوى عدة. يحاول هذا الخطاب السائد في أدب الطفل العربي، من خلال استدعاء أمجاد الماضي وأزمات ونكسات الحاضر، أن يخلق خطابًا نهضويًا أصبح هو اليوم خطاب أدب الطفل العربي. وفي بؤرته ينصهر الخطاب الأخلاقي الوعظي التربوي معًا. لكن عنصر المخاطرة في هذا النوع من السرد الأدبي، الذي يجعل من الطفولة مادته، يتمثل في أمرين إشكاليين:

[[{"fid":"102795","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":"الباحث والأكاديمي الفلسطيني إسماعيل الناشف","field_file_image_title_text[und][0][value]":"الباحث والأكاديمي الفلسطيني إسماعيل الناشف"},"type":"media","field_deltas":{"3":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":"الباحث والأكاديمي الفلسطيني إسماعيل الناشف","field_file_image_title_text[und][0][value]":"الباحث والأكاديمي الفلسطيني إسماعيل الناشف"}},"link_text":null,"attributes":{"alt":"الباحث والأكاديمي الفلسطيني إسماعيل الناشف","title":"الباحث والأكاديمي الفلسطيني إسماعيل الناشف","height":250,"width":400,"class":"media-element file-default","data-delta":"3"}}]]

الباحث والأكاديمي الفلسطيني إسماعيل ناشف

أولهما ما يصفه الكاتب بإشكال نقل صراعات الكبار غير القابلة للحل إلى فئة الأطفال، بخطاب يعيد إنتاج شخصية المقهور العربي "كقاهر المستقبل" في مفارقة ذات مغزى. 

أما ثانيهما فهو أيضًا متولد من الإشكال الأول، ويتمثل فيما يمكن أن نسمّيه بالشّرخ الدماغي الذي يقع فيه الطفل، بين واقع أقل ما يوصف به أنه مُرٌّ، ومُتخيّل تاريخي ومستقبلي يُصوّر بأنه مجيد وباهر.

تمثل هذه المسائل المشار إليها بعض مآزق وإشكاليات أدب الطفل العربي عقب نكسة حزيران 1967. لقد كان عنوان الكتاب ذا دلالة عميقة، في التعبير عن أدب الطفل العربي، بطفولة حزيران، المضمّخة بالمأساة، وإن كانت الغاية من الاستعارة هي تشكيل ذاتية جماعية عربية تعيد التوهّج لهذه الجماعية المهزومة، التي بدأت تنكفئ، عقب الهزيمة، إلى قُطرية محليّة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

غياب ممتاز البحرة.. راوي الطفولة السورية

أي مستقبل للطفل العربي؟